وأقر باراك بأن الوفد الإسرائيلي توجه إلى المفاوضات، التي آلت إلى الفشل، بعد تحديد خطوط عريضة في الحكومة الإسرائيلية تنصّ على عدم الانسحاب لحدود الرابع من حزيران، وعدم الانسحاب من الشطر الشرقي من القدس المحتلة عام 1967.
ومع أن باراك واظب، مسنوداً بدعم كلينتون، على الادعاء بأنه عرض على الفلسطينيين ما لم يعرض عليهم أي رئيس وزراء إسرائيلي سابق، إلا أنه أقر بأن أقصى ما كان يمكن للاحتلال تقديمه آنذاك هو انسحاب من نحو 90 بالمائة من الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1967، ومن 28 قرية فلسطينية في محيط القدس ضمها الاحتلال إلى منطقة نفوذ بلدية القدس، من دون أي شكل من أشكال السيادة الفلسطينية على القدس المحتلة.
وأكد باراك، بحسب الجزء الثاني من المقابلة المطولة، أنه قبل توجه الوفد الإسرائيلي إلى كامب ديفيد عقد اجتماعا للحكومة أعرب فيه أمام أعضائها أن المواضيع الرئيسية التي سيتم بحثها في المؤتمر بحسب ما تم الاتفاق عليه مع الرئيس الأميركي، هي: "الأمن، والحدود، واللاجئون والقدس، وبالأساس نهاية الصراع ونهاية المطالب المتبادلة".
وأضاف أنه في ظل عدم وجود أي ضمانة بتحقيق الإنجازات، كشف أن الموقف سينصب على "الحفاظ على قضايا الأمن والمصالح القومية الحيوية. وبالطبع لن يكون انسحاب لحدود 67، وستبقى القدس موحدة (تحت سيطرة الاحتلال) والكتل الاستيطانية في الضفة الغربية ستدرج داخل حدود إسرائيل، لن يكون جيش أجنبي غربي نهر الأردن، وأنه إذا توصلنا إلى اتفاق سنعرضه لاستفتاء عام".
وشدد باراك على أنه لم يتحدث أحد عن اتفاق سلام نهائي وإنما اتفاق إطار عام، على غرار ما كان في معاهدة كامب ديفيد الموقعة عام 1978 بين سلفه مناحيم بيغن والرئيس المصري، أنور السادات.
وأضاف أنه "على مدار أيام المباحثات في كامب ديفيد لم نصل إلى وضع اعتقدنا نحن أو الأميركيون أنه تم في التوصل إلى مسودة أو تفاهمات، وهو ما قلته للصحافيين قبل المؤتمر".
ووفقا لرواية باراك فإن الأيام الأربعة الأولى من المباحثات لم تسفر عن أي تقدم وأنه رفض مذكرة تلخص ما تم التوصل إليه، مقابل نقاط الخلاف قال إن الدبلوماسي الأميركي، دنيس روس، كان قد أعدها، معتبراً ذلك تدخلاً أميركياً استوجب اعتذار كلينتون.
وزعم كذلك أن كلينتون انفجر غاضباً يوم السادس عشر من يوليو/ تموز في وجه المندوب الفلسطيني أحمد قريع (أبو علاء) وتحدث معه بفظاظة، قائلاً أمامه إن إسرائيل مستعدة لمنح الفلسطينيين 85% من الأراضي فيما يرفض أبو علاء مجرد الخوض في ذلك.
وعلى إثر ذلك، يوضح باراك، ألغيت أطقم المفاوضات الخمسة واكتفى كل طرف بطاقم من شخصين، شلومو بن عامي وجلعاد شير عن الجانب الإسرائيلي، وصائب عريقات ومحمد دحلان عن الجانب الفلسطيني، ولكن من دون إحراز أي تقدم.
وقال كذلك إن عريقات اقترح تقاسم السيادة في القدس، على أن تكون الأحياء اليهودية تحت سيادة إسرائيل والعربية تحت السيادة الفلسطينية، ليؤكد أنه ما كان ليسمح بذلك، رغم موافقة كل من بن عامي وشير خلال المحادثات.
وأقر باراك بأنه مارس عبر رسالة شديدة اللهجة وجهها عبر كلينتون ضغوطاً لدفع الراحل ياسر عرفات إلى تقديم تنازلات وإعلان موافقته على الشروط الإسرائيلية، زاعماً بأن "ما نملكه حصلنا عليه بجهد وبالمعارك والدماء". وقال كذلك إنه أبلغ كلينتون أنه في حال اندلعت مواجهات عسكرية مع الفلسطينيين، فإن "جمهورنا سيعرف إلى أي حد كنا مستعدين للمضي من أجل منع المواجهة، نحن موحدون وأقوياء وسننتصر".
وبحسب باراك فإنه أبلغ كلينتون في اليوم السادس من أصل 8 أيام خصصت للمباحثات، أنه سينسحب من المفاوضات إذا لم يقدم عرفات تنازلات ولم تحدث أي تطورات، قائلاً "هذا يعني أننا نتجه لصدام، وفي هذه الحالة سنقوم بتوسيع السيادة وفرضها على الكتل الاستيطانية وإقامة حزام أمني على امتداد نهر الأردن وغور الأردن وسنحتفظ بسيطرتنا الأمنية في كل الأرض وسيكون بمقدور القوات العسكرية العمل في كل مكان لمواجهة كل خطر أمني".
في المقابل، اعترف باراك بوجود محاولات جسر الهوة في المواقف بين الطرفين، بعد أن رفض عرفات أي تنازل عن القدس وعن السيادة الفلسطينية فيها. كذلك رفض عرفات عرضاً بانسحاب إسرائيل من 28 قرية فلسطينية في محيط القدس مقابل اعتراف فلسطيني بسيادة إسرائيل في البلدة القديمة من القدس.
وبحسب باراك، فقد قدم كلنتون فجر الثامن عشر من يوليو/ تموز اقتراحاً أميركياً تحدّث عن سيادة الفلسطينيين في الحي الإسلامي في البلدة القديمة بالقدس، مع مكانة "أمانة" لعرفات في المسجد الأقصى، لكن عرفات لم يرد على المقترح. ولفت إلى أن كلينتون عرض تأجيل ملف القدس، إلا أن باراك عارض معلناً أن "الموضوع يتعلق أيضاً بملايين المسلمين وليس فقط بالفلسطينيين" بحسب زعمه.
وكشف باراك أنه عرض على كلينتون "وديعة" للتفاوض مع عرفات، في محاولة لحثه على تقديم تنازلات. ونصت "الوديعة" على التنازل عن 91 % من الأراضي، وتبادل أراضي ولكن ليس على أساس المثل (أي ليس بنفس المساحة)، وسيطرة إسرائيلية على نهر الأردن.
وقال إنها كانت تنصّ على أنه "في حال تبين بعد 15 عاماً نجاح الترتيبات الأمنية سننقل لهم السيطرة على جزء من نهر الأردن، وسيادة على بعض الأحياء العربية في القدس والقرى المحيطة بالقدس، ونحاول منحهم حياً أو اثنين من الأحياء الداخلية، بينما تبقى الأماكن المقدسة تحت سيادتنا، مقابل لجنة أمناء للأماكن الإسلامية المقدسة في الحوض المقدس إلى جانب الأردن والسعودية والمغرب، ودور في الحي الإسلامي".
بعد ذلك سافر كلينتون لحضور قمة في اليابان لمدة أربعة أيام، وقبل سفره، زعم باراك أنه "حاول إرغام عرفات على إبداء موافقته أو إعطائه رداً لكن الأخير طلب العودة إلى المشاورات، بما في ذلك وقف القمة لأسبوعين لإجراء مشاورات مع الزعماء العرب".
وبحسب باراك، فقد كانت لديهم معلومات من الاستخبارات عن مواقف الطرف الفلسطيني، كما كان على اتصال دائم مع كل من الرئيس المصري حسني مبارك والعاهل الأردني، الملك عبد الله، لكن الأخيرين أوضحا أنهما يقبلان بما يقبل به الفلسطينيون، أما كلينتون فكان يطلع السعوديين والعاهل المغربي الملك محمد السادس على التطورات. وأوضح باراك أنه قد رفض هو والرئيس الأميركي وقف المفاوضات لأسبوعين بناء على طلب عرفات، متهماً عرفات بأنه كرّر خطأ الفلسطينيين منذ عام 1948 عندما رفضوا قرار التقسيم.
وبحسب رواية باراك، فإن الرئيس الفلسطيني الراحل أصرّ على عدم التنازل عن أي من المطالب الفلسطينية، مشيراً إلى أن الهيكل الإسرائيلي كان أصلاً في الضفة الغربية، وهو ما دفع كلينتون إلى القول لعرفات "أنا سمعت منذ طفولتي من راعي كنيستي أنه كان هناك معبد يهودي وربما لهذا السبب حول المسلمون الموقع إلى مقدس عندهم". لكن عرفات ظل مصرّاً على موقفه حتى بعد عودة كلينتون من مشاركة في قمة اليابان، لتنتهي المحادثات ببيان مبهم وأنه ستكون بعدها لقاءات.