بابل رهينة المليشيات: اغتيالات وخطف خارج التغطية

26 يوليو 2018
تفجير في مدينة الحلة بمحافظة بابل عام 2016(فرانس برس)
+ الخط -
23 عملية اغتيال وسبع عمليات اختطاف في غضون أقل من شهر واحد في مدينة الحلة مركز محافظة بابل العراقية، ومدن أخرى كالإسكندرية والمحاويل والهاشمية والمسيب، وسط تكتّم إعلامي على أغلبها. ولعلّ أبرز هذه الاغتيالات ما استهدف مدير عام جوازات بابل، العقيد صفاء حسن الدليمي، وضابطي أمن ومحاميا بارزا وناشطا حقوقيا، مع تفاوت في طريقة تنفيذ هذه الاغتيالات وتصفية الضحايا وكذلك السبب وراء التخلّص منهم.

ويكشف مسؤولون عراقيون في جهاز الشرطة المحلية بمحافظة بابل وكذلك مسؤولون محليون لـ"العربي الجديد"، عن تورّط فصائل مسلحة ضمن "الحشد الشعبي" في عمليات الاغتيال تلك، مؤكدين أنها "بدوافع طائفية وسياسية ضمن مشروع تغيير ديموغرافي كامل في محافظة بابل، يبدأ من مركز بلدة جرف الصخر ويشمل قرى الجنابيين ومناطق الفاضلية والفارسية والباج الشمالي والباج الجنوبي وصنيديج وقامشلي والكراغول". وما زالت مليشيات "الحشد" ترفض للعام الرابع على التوالي، إعادة أهالي تلك المناطق إليها، وسط عجز من الحكومة عن إنهاء الملف وفرض سيادتها في المحافظة الواقعة إلى الجنوب من بغداد بنحو 100 كيلومتر.

ويتحدّث مسؤول رفيع في ديوان محافظة بابل لـ "العربي الجديد"، عمّا وصفه "إرهاب المليشيات في بابل"، مبيناً أنّ مليشيات "العصائب" و"حزب الله" و"النجباء" و"الخراساني" و"بدر" هي "حكومة الظلّ في المحافظة، إذ تعاظم نفوذها أخيراً إلى حدّ السيطرة على مشاريع اقتصادية والدخول في استثمارات كبيرة والتحكّم بحركة تنقلات الجنود والضباط وآمري الوحدات وحتى مديري الدوائر الرسمية".

ويتهم المسؤول نفسه محافظ بابل، صادق مدلول، بـ"الضعف والخوف من تلك المليشيات بسبب ارتباطها المباشر بالإيرانيين"، وفقاً لقوله، مضيفاً: "هناك ضباط شرطة شرفاء طلبوا نقلهم إلى محافظات أخرى، وآخرون قدموا استقالاتهم لأن رفض طلبات المليشيات تلك أو محاولة التصدي لتدخلاتها في مؤسسات الدولة، يعني الموت، كما حصل مع مدير عام جوازات بابل، أو الضابط في شرطة المسيب فاضل الشويلي قبل مدة".


بدوره، يقول ضابط في شرطة محافظة بابل، اشترط عدم الكشف عن اسمه، إنّ "بلدة جرف الصخر التي تسيطر عليها المليشيات وتمنع أهلها من العودة إليها منذ أربع سنوات، باتت معقلاً لأبرز أذرع إيران في العراق، وهي مليشيات العصائب وحزب الله والخراساني وبدر والنجباء، ومنها تنطلق عمليات الاغتيال"، مضيفاً أنّ هذه العمليات "لا تقتصر على تصفيات طائفية، بل هناك أشخاص شيعة تم اغتيالهم لأنهم تصدوا لنفوذ تلك الفصائل المسلحة".

ويتابع المصدر نفسه وهو أحد ضباط قسم شرطة مركز الحلة وسط المدينة، أنّ "قائد الشرطة يعلم من قتل المواطن أمجد الجبوري ويعلم من قتل المحامي غزوان الجنابي مع شقيقاته ويعلم من قتل الكهربائي في حي الانتصار قبل أيام، فكلّ العمليات نفّذت بسيارات تقلّ مسلحين في وضح النهار ويحملون هويات الحشد الشعبي، وبعضها سيارات للشرطة وأخرى عسكرية".

ويكشف الضابط لـ"العربي الجديد" أبرز أسماء أفراد المليشيات المتورطة في عمليات الاغتيال والخطف، مثل "أبو سجاد المعموري وعباس السعدي وصادق عجوب وأحمد عماد وحسين السيداوي وعلي كنين"، موضحاً أنّ هذه الأسماء على سبيل المثل "من التي تمّ التأكّد وبالأدلة من تورطها في عمليات قتل وخطف واغتيال، كالتي استهدفت مدير دائرة الجوازات في بابل وعضو نقابة المحامين، وناشطا مدنيا وآخر ناشطا على مواقع التواصل الاجتماعي والذي تمّ قتله لأنه انتقد المليشيات بشكل عام ولم يسم أي فصيل محدد".

ويلفت الضابط إلى أنّ "حادث اغتيال العقيد صفاء حسن الدليمي في بابل تمّ من قبل هذه المجاميع الإرهابية، وتمّ التحفّظ على كاميرات المراقبة القريبة التي تظهر وجوه المنفذين وتفاصيل السيارة التي كانوا يستقلونها"، مشيراً إلى أنهم "متورطون أيضاً في حادثة خطف نائب رئيس اللجنة الأولمبية العراقية مصطفى بشار". ويضيف: "رغم وجود الأدلة والقرائن على تورطهم، إلا أنه تمّ إطلاق سراحهم أكثر من مرة بأمر من جهات عليا في بغداد وفي مناسبات عدة. فقبل أيام تمّت محاصرة عدد منهم من قبل الشرطة عقب قتلهم محامياً في منطقة أبو جاسم الواقعة بين المسيب والإسكندرية، حيث عثر على أدوات الجريمة معهم وبالجرم المشهود أيضاً، لكنه أطلق سراحهم، في وقت حصل أفراد الشرطة الذين اعتقلوهم على شفاعة شخصية مليشياوية كبيرة، لقاء عودتهم للعمل من دون التعرّض لهم".


إلى ذلك، يؤكّد عضو نقابة المحامين في بابل، حسين المالكي، الذي هرب من المدينة ويقيم حالياً في بغداد، أنّ "المليشيات هي من تحكم بابل اليوم، وبشكل يشبه حكم المليشيات في ديالى شرق العراق"، مضيفاً أنه "قبل نحو شهر، تمّ تنفيذ أمر قبض بحقّ أحد المطلوبين للقضاء، من قبل النقيب علي كامل، ضابط إحضار مركز شرطة الحلة والذي جلب المتهم إلى محكمة تحقيق الحلة. وكون المطلوب تابعا لإحدى المليشيات، حضرت مجموعة من الأشخاص ودخلت المحكمة حيث تمّ سحب الضابط واصطحابه بالقوة ومحاولة تقييده، فتدخّل قاضي التحقيق الذي قام بالتوسّل للمسلحين لإخلاء سبيل النقيب. وتم بعد ذلك إخلاء سبيل المتهم واعتباره بريئاً من قبل القاضي نفسه، وغادر المسلحون المحكمة بعد أن بثوا الرعب فيها".

وتابع المالكي أنّ "بابل لم تتحوّل إلى وكر للمليشيات فقط، وإنما أيضاً إلى معتقلات ومراكز خطف، كما حصل مع المواطنين القطريين (اختطفوا في جنوب العراق في ديسمبر/كانون الأول 2015 ثمّ أطلق سراحهم في إبريل/نيسان 2017) الذين احتجزوا في بابل من قبل المليشيات لأشهر طويلة وتم إطلاق سراحهم منها"، مبيناً أنّ "موقع بابل الجغرافي الذي يعدّ بوابة بين بغداد وجنوب العراق، جعلها محلّ تنافس للسيطرة عليها، خصوصاً وأنّ الداخل إلى بغداد أو المتوجّه إلى الجنوب لا يمكن له إلا أن يمرّ من هذه المحافظة".

بدوره، يصف النائب في البرلمان عن محافظة بابل، كامل نواف، عمليات الاغتيال في مناطق عدة من المحافظة بأنها "ممنهجة"، مضيفاً في تصريحات صحافية له أخيراً أن آخر هذه العمليات "استهدفت 4 أشخاص؛ هم امرأتان ومحامٍ ومعتقل تمّ الإفراج عنه من قبل القضاء سابقاً"، مطالباً الأجهزة الأمنية بـ "إيقاف هذا المسلسل لأن هناك جهات مسلحة منفلتة تقوم باستهداف المواطنين من أبناء العشائر في مناطق شمال بابل وزعزعة الأمن هناك، وسط عجز الأجهزة الأمنية عن فرض هيبة الدولة والقانون".

من جانبه، يتحدّث المواطن أحمد الجباوي لـ"العربي الجديد"، عن الوضع بشكل عام في بابل، قائلاً: "نحن اليوم لا نعيش كمواطنين عراقيين، لكن كأسرى لدى المليشيات التي تمتلك قانوناً خاصاً بها لا يعترف بأي عقوبة، سوى القتل أو الاستيلاء على المنازل وطرد أهلها منها، وسط عجز واضح من قبل الشرطة والجيش عن مواجهة هذه الأمور". ويضيف الجباوي: "كل شيء تحت سيطرتهم حتى سيارات الحكومة والمؤسسات الرسمية، ولا يوجد مقاول أو صاحب شركة إلا ويعطيهم نسبة من أمواله كجزية حتى يتمكّن من العمل، وهذا الوضع لا يمكن لأحد انكاره، كما لا يمكن لأحد تغيير حالنا، لذلك بدأنا نفكّر في ترك المحافظة والبحث عن منطقة أخرى للحفاظ على أنفسنا".

المساهمون