بابا نويل في مصر

24 ديسمبر 2015
أي الهدايا أحملها في جعبتي لأطفال مصر؟ (فرانس برس)
+ الخط -
كنا ونحن أطفال نلعب في الحارة لا تربطنا علاقة قوية باحتفالات الكريسماس، فقط نعرف عنه أنه ذلك العيد الذي يُقبّل فيه المسيحيون بعضهم البعض في الكنيسة بعد أن تطفأ الأنوار عند دقات الساعة الثانية عشرة في آخر يوم من العام! كبرنا لكن ظل هذا السؤال حائرا بلا إجابة عند الكثير من أبناء جيلي.. هل حقا يفعل المسيحيون ذلك؟


بابا نويل.. رحلة إلى مصر
معرفتنا بشخصية بابا نويل كانت قاصرة على الظهور القليل للشخصية في التلفاز في أيام الشتاء مع أعياد الكريسماس، نعرف عنه أنه ذلك الغامض الذي يستطيع أن يدخل إلى بيتك وقتما شاء وبأي طريقة شاء، عادة كنا نراه في أفلام ديزني ينزل من "مدخنة التدفئة" فكنا نصاب بالإحباط، فلا يوجد لدى الأطفال المصريون واحدة في منازلهم، وبالرغم من ذلك كنا ننام نحلم بتلك الهدية التي سنستيقظ لنجدها بجوار رؤوسنا بعد يوم شاق من اللعب، سيضعها بابا نويل بجوارنا ولن نشعر به، كما أنه لن يشغلنا أن نسأله تلك الأسئلة: هل أنت مسلم أم مسيحي؟ ولماذا تطلق لحيتك مثل الإرهابيين؟ لماذا أصلا اسمك بابا نويل؟ ففي ذلك الوقت لم تكن تلك الأسئلة تشغلنا ولا نلقى لها بالا.

يجهز بابا نويل اليوم هداياه مع اقتراب الكريسماس، لكن من المؤكد أنه سيكون في حيرة من أمره، أي الهدايا أحملها في جعبتي لأطفال مصر؟

سيحتار الرجل طويلا وهو يحاول أن يختار لأطفال مصر هدايا تدخل السعادة إلى قلوبهم، لا شك أنه سيصاب بالدهشة من حجم الحزن الذي بات يعشش في غرف الأطفال التي هجرتها البهجة، وانطفأ فيها وهج السعادة، لكن من المؤكد أنه سيجتهد، وسيبحث عن هؤلاء الذين يحتاجون لهداياه المبهجة، ربما يقرر بابا نويل أن يبدأ بهؤلاء الأطفال الأكثر بؤسا في مصر.

بابا نويل في السجن
ستعقد الدهشة حتما لسان بابا نويل بعد أن يدرك لأول مرة أن هناك أطفالا مصريين في "المعتقل" يحتاجون إلى هداياه المبهجة، سيشعر بالخوف والقلق وستثور الأسئلة حائرة في مخيلته كيف سيدخل إلى تلك الأماكن المظلمة؟ وإن دخل كيف يخرج؟ سينظر في جعبته متسائلا ماذا يمكن أن أحضر لهؤلاء الصغار؟ وهنا ستزداد دهشته عندما يعلم أن أكبر أمنياتهم تكمن في وجبه ساخنة بدلا من "جراية" السجن العفنة، أو ربما بطانية تحمل في طياتها رحمة الدفء بدلا من سياط البرد التي ترتعد معها أجسامهم الصغيرة، لن يجد بابا نويل في جعبته ما يلائم هؤلاء الصبية، فجعبته مليئة بالألعاب ذات الألوان المبهجة التي لا مكان لها في المعتقل، لا شك عندي أن الرجل سيصيبه العجز وهو يقف خارج أسوار السجن بعد أن يعلم أن الزيارات ممنوعة! سيصرخ في وسط ليل الشتاء القارس.. أي جنون هذا؟

في أحضان هؤلاء الصبية
سيشعر بابا نويل ببعض خيبة الأمل فهي المرة الأولى التي يفشل في إيصال هداياه للأطفال، لكن الرجل لا يعرف الاستسلام، سيأخذ زلاجته الطائرة ليسير بها في شوارع مصر وميادينها عله يجد نافذة لطفل نائم يحلم بهداياه السعيدة، لكن سؤالا سيقفز فجأة إلى ذهن الكهل الطائر لماذا يسير هؤلاء الأطفال في الشوارع في هذا الوقت المتأخر؟ وكيف ترك هذا الطفل بيته لينام بجوار سور الكورنيش البائس؟ سيفكر طويلا في ما يمكن أن يلقيه لهم من هدايا! لا بيت، لا ثياب، لا غذاء، ترى أتفلح لعبة ما في أن تبهج ذلك الطفل الذي يتجمد من البرد فوق كرتونة عفنة افترشها لتفرق بين ضلوعه وبين الأرض الباردة، ربما ينزل بابا نويل بزلاجته إلى ميادين القاهرة ليوزع بعض الهدايا على هؤلاء الصبية، لكن ترى هل تكفي جعبة هداياه مليونين من أطفال الشوارع في مصر.

هدايا للمتصارعين مع الموت
بمرور الوقت سيدرك بابا نويل أن مهمته في مصر ليست بالسهلة اليسيرة، وأنها معقدة نوعا ما، فهؤلاء الصبية الذين يحملون الجنسية المصرية ليسوا كباقي الأطفال الذين يزورهم حول العالم، سيعلم الرجل أن مثلث الفقر والقهر والمرض يحاصر طفولتهم ويخنقها.

سيدرك بابا نويل وهو جالس لاحتساء بعض السحلب الساخن على أي مقهى في شوارع القاهرة، أن شاشات الفضائيات المصرية تمتلئ بالتسول على هؤلاء الصبية الذين يتصارعون مع الموت في مستشفيات السرطان في ربوع مصرنا البائسة، سيرى عشرات الإعلانات التي تدعوه للتبرع بسخاء لإنقاذ حياتهم، ولن يجد خبرا واحدا حول محاسبة من تسبب في إصابة مستقبلنا بالسرطان، بل سيجد مواقع التواصل الاجتماعي تستعطف المسؤولين أن يفرجوا عن تلك الفتاة وزوجها اللذين تجرأا وكرسا حياتهما لإنقاذ الأطفال من حياتهم البائسة في الشوارع!

فرحة لم تكتمل
وسط ذلك الحزن العميق الذي أحاط ببابا نويل، يهمس بعضهم في أذنه أن هناك أطفالا مصريين قد قهروا ظروفهم وتغلبوا على واقعهم وأصبحوا نوابغ ومخترعين من حق المصريين أن يفخروا بهم، كاد الرجل أن يطير فرحا وهو يلملم جعبته ويضعها في زلاجته بكل حماس استعدادا للانطلاق لهؤلاء الأطفال لتقديم الهدايا السخية لهم، يسأل هنا وهناك عنهم وعن عناوينهم، فتصدمه الإجابة، إن كنت تقصد هذا الطفل العبقري المخترع، فقد طار إلى أميركا بعد أن قدمت له مايكروسوفت منحة متكاملة ليكمل حياته في بلاد العم سام، أما إن كنت تريد ذلك الفتى الذي أبهر العالم باختراعاته حول الطاقة، فقد هاجر من مصر إلى الإمارات التي أعطته الجنسية، وأضحى يقدم اختراعاته حول العالم باسمها، نظر بابا نويل إلى قائمة الأسماء التي كان ينوى أن يذهب إليها ولم يجد واحدا من أصحابها في بر مصر.

(مصر)

المساهمون