بؤس سورية في فيينا

18 نوفمبر 2015
+ الخط -
بسقف واطئ، التأم في فيينا، اجتماع الـدول الــ 17 والاتحاد الأوروبي وجامعة الدول العربية والولايات المتحدة؛ للبت في مصير سورية. ذهبت المشاعر، عند الجلوس، في اتجاه اجتثاث "داعش" لا سواها. تراجعت كل الخواطر المتعلقة باجتثاث الأسد. فـ 129 فرنسياً، ربما يساوون في حسبة الموت، اثنين وعشرين مليوناً من بشر آخرين.
في سعيها إلى أن تناصر بالرصاص، البراميل المتفجرة والكيماويات، التي تنهمر على رؤوس السوريين، أربكت "داعش" الحكومات والشعوب. كان الفرنسيون قد أضمروا الذهاب حتى النهاية، للإجهاز على أي مستقبل لبشار الأسد. ربما الذي شجع الدواعش على الضغط على أزندة البنادق في باريس ما قاله دبلوماسي فرنسي قبل يومين على الجريمة: "ستعمل باريس، في فيينا، ما في وسعها، لمنع الأميركيين من تقديم أي تنازلات للروس. نعتقد أن السوريين وحلفاءهم والروس لن يستطيعوا تحقيق أي تقدم ميداني، وسيعود الروس بعدها نحونا، لكي ننقذهم من الورطة، ونفرض الحل الذي نريد. لكن، علينا أن ننتظر".
دخل المؤتمرون إلى القاعة مشدوهين، وباتوا أكثر استعـداداً للتخلي، ولو مؤقتاً، عن فكرة الحكم الانتقالي الذي تُنقل الصلاحيات من الرئاسة إليه. تقبلوا جميعاً فكرةً فضفاضةً تقفز عن ذلك، وتشير إلى "حكومة موسعة، وذات صدقية تمثيلية، وغير طائفية، في غضون ستة أشهر". وتبدأ الخطوات التي طرحها هذا البيان بمفاوضات يقودها الوسيط الدولي ديميستورا، في جنيف، في الأول من يناير/كانون الثاني المقبل، وترك النص، للمعارضة، أن تنام على افتراض أن هذا المسار، في النهاية، سيفضي إلى تغييرات تدريجية، وإن كانت غير التي توقعتها. في ذلك الانعقاد، تجنب الجميع السجال على تحديد من هي المعارضة المؤهلة لعملية سياسية، وكان ذلك طبيعياً، بسبب ما جرى في باريس. تحاشى المؤتمرون السجال حول نقطة من يمثل، ونقطة أهلية أو لا أهلية النظام في التمثيل. كان السياق مثلما يتحاشى المحزونون في المآتم، الحديث في القضايا الخلافية. يريد الروس مجموعة هيثم مناع، ومجموعة "أستانا" التي اجتمعت وصاغت موقفها في العاصمة الكازاخستانية، وتترأسها رندة قسيس، الكاتبة العلمانية. ولا مجال لفتح السجال عن حجم المعارضة وعناوينها. كان يصعب إدراج "أحرار الشام" و"جيش الإسلام" و"جند الأقصى" ضمن الفريق الذي يمكن أن يفاوض، وينخرط في العملية السياسية. وهنا، تتبدى فداحة عجز الداعمين عن توحيد هذه الفصائل، في السنوات الماضية. فقد تجنب الداعمون النقاش بشأن أحقية هذه الفصائل في الحضور، في غمرة الغضب من مجزرة باريس. فالسجال لو بدأ سيكون للروس منطقهم الذي يعزّزه هول الجريمة الباريسية، ويزعم أن معظم المعارضات المقاتلة دواعش، وأن دعمها يُعد مخالفة، مثلما يعتبر دعم "داعش" والنصرة" مخالفاً للقرارات الأممية ويتجاوزها، مثلما تُتهم أطراف عربية وتركيا.
في هذا الخضم، بدا مسار فيينا أعقد من مسار جنيف المعقد أصلاً، فهو لا يحسم مسألة الانتخابات، ولا كيفية ملء الفراغ في الفجوة الزمنية. رأوا جميعاً أن من الترف، تعيين الفارق بين قصف داعش مع جبهة النصرة وقصف الآخرين.
لم يحضر السوريون، لا بنظامهم الآثم، ولا بمعارضاتهم الكثيرة. وحدها داعش هي التي حضرت من دون تمثيل. بلد وشعب غائبان عن طاولةٍ يقرر الآخرون عليها مصيرهما. بدت سورية، داخلاً جوّفته سلطته، مبكراً، من السياسة، ثم ملأته بالنيران والجثث، بعد أن ظلت تعرضه محض موقع جغرافي، يصح استثماره في سوق الاستراتيجيات الدولية، وخارجاً مشتتاً محزوناً بائساً لا ترقّ له قلوب اللاعبين الكبار. اليوم، لم يبق من سورية سوى موقعها. فهو المطروح، وحده، على طاولة اللاعبين، الذين يجتمعون للبتّ في أمرها، وحول من يأخذ ماذا منها، بعد التجويف وما بعد الشتات. لكن البائع، هذه المرة، ليس النظام الذي جوّف سورية من الداخل، وشتتها إلى الخارج.
أفسد هذا "الداعش" الوحش، على السوريين طهارة مسعاهم إلى الحرية، وأساء إلى مقاصدهم وإلى انتفاضتهم. وليس ذلك الإفساد بلا خلفياتٍ أقبح من الجرائم، لا سيما أن نتنياهو اعترف أمام أوباما، قبل أيام، بعلاقته مع جبهة النصرة.