جاء الانقلاب العسكري في مالي، البلد الواقع غرب أفريقيا، ليثبت فشل أوروبا في مكافحة الإرهاب في أفريقيا حيث ينتشر الجهاديون في منطقة الساحل بأكملها، وفق ما خلصت إليه صحيفة ألمانية.
وجاء الانقلاب في مالي نتيجة لأزمة سياسية استمرت لشهور مع تصاعد الاحتجاجات ضد الرئيس المخلوع إبراهيم بوبكر كيتا بفعل الفساد والتزوير والعنف، علاوة على العجز عن السيطرة على التهديدات التي يشكلها الإرهاب في البلاد، والاتهامات بالتلاعب بنتائج الانتخابات البرلمانية الأخيرة.
وبخصوص ذلك، قالت صحيفة "زود دويتشه تسايتونغ" إنّ الأوروبيين وحلفاءهم أرادوا حل النزاعات العسكرية في هذه المنطقة من العالم، إلا أنها، بدلاً من ذلك، شهدت المزيد من أعمال العنف وارتفاع عدد الهجمات.
ولم يتبن الأوروبيون استراتيجية "النهج الشامل" الذي دعا إليها الخبراء والعاملون في مجال التنمية، ما دفع محللين ألمان لاعتبار ذلك واحدا من أسباب تفاقم الصراع، كما لم ينجح الأوروبيون في تدريب الجيوش وتجهيزها لحماية الشعب هناك.
وقد تصبح مالي أكثر اضطراباً على المدى القصير، على الرغم من أن قادة الانقلاب العسكري أعلنوا أنهم عازمون على تنظيم عملية انتقالية بشكل مشترك تؤدي لإجراء انتخابات نزيهة، وتسمح بالوصول إلى حكومة مدنية، ومنع البلاد من الانغماس في الفوضى ومكافحة الفساد، وفق الصحيفة.
قد تصبح مالي أكثر اضطراباً على المدى القصير، على الرغم من أن قادة الانقلاب العسكري أعلنوا أنهم عازمون على تنظيم عملية انتقالية
موقع "ديرستاندرد" الألماني، أشار بدوره إلى أنه، وعلى الرغم من انتشار قوات الأمم المتحدة في مالي منذ العام 2012، إلا أنّ الوضع لم يتحسن قط، لافتاً إلى أنه على العكس من ذلك، أصبح الوضع أكثر إرباكاً مع مرور الوقت، واستمر الإرهاب في التوسع ولم يتأثر أخيراً بوباء كورونا، كما يهدد بانزلاق دول أخرى، مثل النيجر وبوركينا فاسو المجاورتين بالفوضى، حيث تشهد تلك البلدان هجمات على مجموعات سياحية ومقرات عسكرية.
وعلاوة على ذلك، فإنّ الصراعات العرقية في مالي والتنافس على المكتسبات الاقتصادية تجعل الحياة اليومية أمراً مستحيلاً، و"عليه يمكن إلقاء اللوم في النهاية على بعثة حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة بسبب الافتقار إلى الخطط وعدم الفعالية"، وفق الموقع.
الصراعات العرقية في مالي والتنافس على المكتسبات الاقتصادية تجعل الحياة اليومية أمراً مستحيلاً
وفي السياق أيضاً، ذكّرت صحيفة "زود دويتشه تسايتونغ" أنه وبعد آخر تحريض لعناصر من الجيش على الانقلاب عام 2012، تدخلت فرنسا، القوة الاستعمارية السابقة، من أجل الاستقرار في البلاد، "لكنه، وبدلاً من ذلك، انتشرت الفوضى والعنف، رغم وجود حكومة مدعومة من الاتحاد الأوروبي، والتي لا تحظى بشعبية كبيرة بعدما اعتبر الرئيس هناك غير كفوء".
وقالت الصحيفة إنّه "من الصعب التصور أنّ انقلاباً عسكرياً سينتشل البلاد من الفوضى بعدما أُجبر الرئيس على الاستقالة وخلق المتمردون فراغاً خطيراً في السلطة، إذ كانت الحكومة أساساً فاقدة للسيطرة، ومنذ فترة طويلة، على أجزاء من البلاد في ظل تفشٍ للفساد وانعدام التنمية الاقتصادية، إلى جانب المشكلة الأمنية التي تلقي بظلالها على كل شيء".
وأوضحت أنّه "في النصف الأول من هذا العام وحده، قُتل أكثر من 1800 شخص على أيدي الإرهابيين الذين أقسم بعضهم بالولاء لتنظيم داعش أو القاعدة أو المليشيات المسلحة هناك".
وعن تداعيات الانقلاب، قال توماس شيلر، من مؤسسة "كونراد أديناور" في باماكو، وفق ما ذكرت شبكة "إيه آر دي" الإخبارية ، إنه يمكن أن تكون للأزمة السياسية المتصاعدة عواقب وخيمة، مشيراً إلى أنّ "المجتمع الدولي لن يعترف، من ناحية، بقادة الانقلاب، ومن ناحية أخرى، فإن الأزمة السياسية المستمرة منذ شهور ستزداد سوءاً".
تجدر الإشارة إلى أنه ينتشر في مالي مئات الجنود الألمان (900 جندي)، ضمن بعثة الأمم المتحدة لتحقيق السلام والاستقرار (مينوسما) المنتشرة في البلاد بعد سقوط شمال مالي في 2012 على أيدي جماعات متشددة وجماعات أخرى متمردة.
وكانت ألمانيا، وعبر وزير خارجيتها هايكو ماس، قد أدانت محاولة استيلاء الجيش في مالي على السلطة بشكل غير دستوري، مشددة على "ضرورة عودة الجنود إلى ثكناتهم وإنهاء الاعتقالات بحق الرئيس وأعضاء الحكومة"، كما دعت الجميع "لنبذ العنف من أجل جعل مالي مستقرة وديمقراطية".