ويسيطر الإحباط على القضاة الشباب في مختلف الهيئات، لفشل قياداتهم في مجابهة السلطتين التنفيذية والتشريعية ومنع إقرار هذا القانون، رغم رفض جميع الهيئات القضائية، ما يبسط سلطة رئيس الجمهورية، للمرة الأولى في تاريخ القضاء المصري، على إجراءات اختيار رؤساء الهيئات. واكتظت الصفحات الشخصية للقضاة الشباب، ومجموعاتهم المغلقة، على مواقع التواصل الاجتماعي بعبارات الغضب والتنديد وتحميل المسؤولية للقضاة الشيوخ ونادي القضاة، الذي أظهر مواقف اعتراض ضعيفة، ولم يعلن عقد جمعية عمومية للاعتراض إلا بعدما تأكد بنسبة كبيرة من تمرير القانون، بالإضافة إلى استغراقه في المطالبة بتحكيم رئيس الجمهورية ولقائه، وهو ما قوبل بالتجاهل التام من قبل السيسي. وتسود حالة من الترقب في أوساط أعضاء المجالس العليا للهيئات، في ظل إحياء القانون لآمال عدد من كبار القضاة الذين لم تكن أقدميتهم تؤهلهم لرئاسة الهيئات، لا سيما مع تردد معلومات عن تفضيل الرئاسة والجهات الأمنية والسيادية لأشخاص بعينهم من غير المستحقين بالأقدمية المطلقة، خصوصاً في محكمة النقض ومجلس القضاء الأعلى.
ويبدو الوضع في مجلس القضاء الأعلى ملتبساً، إذ من المقرر ترشيح 3 أسماء من بين أقدم 7 أعضاء في محكمة النقض. والأسماء الثلاثة الأقدم هي: القضاة أنس عمارة، ومجدي أبو العلا، ووزير الشؤون القانونية الأسبق إبراهيم الهنيدي. وتؤكد مصادر قضائية وسياسية متطابقة أن عمارة، الذي تؤهله أقدميته لرئاسة محكمة النقض ومجلس القضاء الأعلى لمدة عام، هو المستهدف الأول من هذا القانون، نظراً لكونه أحد قضاة تيار الاستقلال منذ سنوات طويلة، ولصداقته الوطيدة مع رئيس مجلس القضاء والجمعية التأسيسية لدستور 2012، المستشار حسام الغرياني، المصنف بأنه مؤيد لجماعة الإخوان المسلمين. ووفقاً لتصريحات عدد من أعضاء مجلس القضاء، رفضوا نشر أسمائهم، فإن الاتجاه يميل لترشيح الأسماء الثلاثة السابق ذكرها باعتبارها الأقدم، مرجحين أن يتم اختيار الهنيدي رئيساً للمحكمة نظراً لعلاقاته الوطيدة بدائرة السيسي، مشيرين أيضاً إلى أن أبو العلا، وهو ثاني أقدم الأعضاء، ليس مرفوضاً من الدولة، لكن بعض الجهات تحاول إقصاءه بسبب إصداره عدداً من الأحكام بإلغاء إدانة متهمين بالإرهاب والانتماء إلى "الإخوان".
وثارت تساؤلات في الأوساط القضائية، خلال الساعات الماضية، عن الفائدة المرجوة من الجمعية العمومية التي حددها نادي القضاة يوم الجمعة 5 مايو/ أيار، والجمعية العمومية التي ستنعقد في محكمة النقض يوم الثلاثاء 2 مايو، بعدما صدر القانون فعلياً، إذ يطالب البعض بانعقاد الجمعيتين في موعديهما، وإصدار قرارات قوية، كتعليق العمل بالمحاكم، جزئياً أو كلياً، إلى حين إلغاء العمل بالقانون، بينما يميل فريق آخر إلى التهدئة تخوفاً من تهديدات رسمية أخرى بخفض سن التقاعد أو تخفيض ميزانيات الهيئات القضائية. واللافت أن محكمة النقض لن تنشغل خلال الساعات المقبلة بأمر ترشيح رئيسها الجديد وحسب، بل أيضاً بكيفية التعامل مع القانون الجديد الذي أصدره السيسي بتعديل بعض أحكام قانون إجراءات الطعن بالنقض، متضمناً إلزام المحكمة بالحكم في الطعون المقامة أمامها من المرة الأولى موضوعياً من دون إعادتها إلى محكمة الجنايات، عدا في حالة واحدة غير شائعة، ما سيضع عبئاً كبيراً على قضاة المحكمة الذين كانوا معتادين على دراسة الحكم المطعون فيه من الناحية القانونية فقط في مرحلة الطعن الأولى من دون الخوض في القضية موضوعياً. وأوضحت مصادر في محكمة النقض أن الرئيس الحالي للمحكمة، مصطفى شفيق، سيحدد، خلال ساعات، موعداً لجمعية عمومية لإعادة توزيع الطعون على الدوائر وفقاً للتعديلات التشريعية الجديدة، والمنتظر أن تحدث إرباكاً واسعاً في الفترة الأولى.
أما في مجلس الدولة، فتسود بين أعضائه حالة من القلق لتهديد أقدم الأعضاء، المستشار يحيى دكروري، صاحب حكم بطلان اتفاقية ترسيم الحدود البحرية بين مصر والسعودية، بعدم التعيين رئيساً للمجلس، رغم وجود مؤشرات برلمانية بأنه ليس المقصود من القانون الجديد، وأنه سيتم تعيينه وفق أقدميته الطبيعية. ويتربص أصحاب الأقدميات المستحقة في مجلس الدولة والنيابة الإدارية وهيئة قضايا الدولة بالصورة التي سيصدر عليها قرار السيسي بتعيين رؤساء هيئاتهم. فمن المتوقع، وفق مصادر في مجلس الدولة، أن يطعن أي شخص تم ترشيحه أو تم تجاوزه في الأقدمية بدستورية القانون بعد إصدار القرار الجمهوري بالتعيين، وذلك أمام الدائرة الثانية بالمحكمة الإدارية العليا، التي ستحيل الطعن إلى المحكمة الدستورية للفصل في دستوريته، نظراً لما يشوبه من عيوب دستورية صريحة يتفق عليها جميع القضاة. يذكر أنه لم تصدر أي بيانات تضامنية مع القضاة من الأحزاب أو الجمعيات أو المنظمات الحقوقية. وترجع مصادر قضائية ذلك إلى المواقف السلبية التي اتخذها القضاء المصري بصفة عامة، والمحاكم الجنائية خصوصاً، من الحريات وحقوق المواطنين خلال السنوات الثلاث الماضية، أخذاً في الاعتبار حالة التضامن الشعبي والنخبوي الواسعة مع القضاة في جميع أزماتهم السابقة مع السلطة خلال العقدين الماضيين، وأبرزها معركة تيار استقلال القضاء مع نظام الرئيس المخلوع، حسني مبارك، عامي 2005 و2006، والصدام مع "الإخوان" وحكومة الرئيس المعزول، محمد مرسي، عامي 2012 و2013 على خلفية عزل النائب العام الأسبق عبد المجيد محمود ومقترح خفض سن التقاعد.