انقسام سياسي بشأن إقالة عبد المهدي... وضغوط لوأد الانتفاضة

31 أكتوبر 2019
من تظاهرة في بغداد أمس (حسين فالح/فرانس برس)
+ الخط -
حتى الساعة الخامسة من مساء أمس، الأربعاء، بدا أن بيد رئيس الوزراء العراقي عادل عبد المهدي ورقة تجنيب العراق أزمة سياسية حادة عبر اختياره الاستقالة الطوعية، وذلك بسبب الاختلاف الحاد بين القوى الرئيسية في البلاد، ليس على مستوى دعوات إقالة الحكومة أو الذهاب لانتخابات مبكرة فحسب، بل حتى على كيفية التعاطي مع التظاهرات. وتؤكد مصادر سياسية عراقية رفيعة المستوى في بغداد وجود دعوات متشددة داخل كتل وأحزاب سياسية ومسؤولين في حكومة عبد المهدي تذهب إلى ضرورة مواجهة التظاهرات وتنفيذ عمليات فض الاعتصامات والتظاهرات في الجنوب وبغداد بالقوة، وفرض حظر تجوال وقطع الإنترنت والاتصالات الخلوية لمواجهة ما يسمونه المؤامرة الخارجية.

وعند مدخل المنطقة الخضراء التي أعيد إغلاقها مجدداً من جهة الجسر المعلق، تحدث وزير عراقي سابق ونائب حالي في البرلمان، لـ"العربي الجديد"، عما وصفه بسيناريوهات كثيرة، وكلها غير مستبعدة الوقوع، وكشف عن تحركات لرئاسة البرلمان والجمهورية خلال الساعات الأخيرة، بدت وكأنها تريد أن تُقدم خيار حل الحكومة على خيار الانتخابات المبكرة، أو حل الرئاسات الثلاث في سلة واحدة، مبيناً أن السؤال الحالي هو "هل الشارع سيرضى برحيل عادل عبد المهدي وتنتهي التظاهرات، أم أنها ستؤدي لفتح شهية الشارع بشكل أكبر على اعتبار أنه حقق نصراً ويطمح لآخر؟".

وأكد أن كتل "سائرون" و"النصر" و"الحكمة" بزعامة مقتدى الصدر وحيدر العبادي وعمار الحكيم هي مع خيار الإطاحة بالحكومة والذهاب إلى انتخابات مبكرة، وهو ما ترفضه الكتل المقابلة في تحالف "البناء"، وهي "الفتح" و"ائتلاف دولة القانون" وكتلة "صادقون" وكتلة "عطاء" و"المجلس الأعلى" بزعامة هادي العامري ونوري المالكي وقيس الخزعلي وفالح الفياض وهمام حمودي، وتتمسك بأن ما يجري مؤامرة خارجية. وأشار إلى أن "هناك دعوات لرفع إجراءات مواجهة التظاهرات، عبر فرض حظر التجوال وقطع الإنترنت والاتصالات الخلوية، كما جرى بين الثالث والثامن من أكتوبر/ تشرين الأول الحالي، ومن ثم فض الاعتصامات وإزالة الخيام من ساحات المدن الجنوبية ومن ساحة التحرير. ويتبنى هذا الخيار قادة كتل عدة، أبرزهم الخزعلي والعامري والمالكي، مع قيادات في الحشد الشعبي، مثل أبو مهدي المهندس، وكذلك مدير مكتب عبد المهدي، أبو جهاد الهاشمي، لكن رئيس الوزراء يرفضه، بعد وصول تحذيرات من النجف والأمم المتحدة وواشنطن حول ذلك". وأعرب عن مخاوفه من "تحول الأزمة بين الصدر والعامري إلى شخصية"، محذراً من أن "صراع إثبات قوة داخل الشارع الشيعي تحديداً له انعكاسات خطيرة، لذا قد تكون استقالة عبد المهدي أفضل للجميع". وتابع "لكن السؤال هل ستكون كافية وتنهي التظاهرات؟ وهو ما لا يمكن لأحد الإجابة عنه، حتى الصدر نفسه الذي لا يملك سيطرة على كل التظاهرات".

في المقابل، وحتى مع الحديث عن إقالة أو استقالة الحكومة، فإن المشهد العراقي لا يشبه أي مشهد آخر، فحكومة عبد المهدي لا تختلف عن الحكومات الخمس التي سبقتها منذ الغزو الأميركي للعراق، حيث كان التوافق الأميركي الإيراني الفاعل الأهم في ولادتها. لذا يطرح مراقبون عدة أسئلة على وقع ضغط الشارع المتظاهر، مثل أنه في حال أقيلت الحكومة أو استقالت، هل ستشكل حكومة طوارئ أو تصريف أعمال أو ستتجه الكتل السياسية لحكومة جديدة؟ وهل في حال إصرار الفريق السياسي الداعم لعبد المهدي على موقفه يمكن حسم الخلاف في البرلمان عبر استجوابه، ومن ثم التصويت على إقالته، وهو ما يتطلب 165 نائباً (النصف +1).



الكتل الكردية عادت مجدداً إلى لعبة المنطقة الرمادية، التي أجادت اللعب داخلها، خصوصاً في الأزمات التي تحدث بين الأحزاب الشيعية في بغداد، التي لم تعد أفضل حالاً من القوى السياسية العربية السنية التي انقسمت في مواقفها بين مؤيد للذهاب إلى حكومة إنقاذ وطني من خارج الوجوه الحالية، وأخرى تعتبر نفسها غير معنية بالخلاف، كون منصب رئيس الحكومة من حصة الكتل الشيعية، وثالثة تترقب الطرف الذي تميل معه الكفة باليومين المقبلين. وبحسب قيادي في التيار الصدري، فإن الصدر تلقى، أمس الأربعاء، رسالة شفهية من زعيم تحالف "الفتح" هادي العامري، يعتبر فيها أن استقالة عبد المهدي تهدد بأزمة أكبر في البلاد، وأنها ليست حلاً، وأن التظاهرات ستخف تدريجياً، ولا يجب الاستعجال في اتخاذ قرارات كبيرة ومفصلية، وهو السبب الذي دعا مقتدى الصدر للرد عليه ببيان مكتوب أعلن فيه فسخ تحالفه معه، وبالتالي يعني أن حكومة عبد المهدي فقدت صفة "حكومة التسوية".

وكشف عضو تحالف "سائرون" التابع للصدر النائب أمجد العقابي، أخيراً، أن الصدر التقى المرجع الديني علي السيستاني في النجف، وهو ناقم أيضاً على أداء الحكومة، وقد دعم التظاهرات في الأيام الأخيرة عبر توفير العتبات الدينية، وتحديداً العباسية في كربلاء، المياه والأكل والخيم في بعض ساحات الاحتجاج بمدن عراقية. وقال العقابي، في حديث متلفز، إن "الصدر بحث مع السيستاني استبدال عبد المهدي"، مبيناً أن "الصدر قد يُشارك في تظاهرات ساحة التحرير، وسط بغداد"، فيما اعترف بأن "تحالف سائرون أخطأ في تعيين عبد المهدي رئيساً لمجلس الوزراء".

وبحسب الدستور العراقي، فإن سحب الثقة عن رئيس الحكومة يتم عبر طريقين، الأول "تنفيذي"، ويتمثل بطلب من رئيس الجمهورية إلى البرلمان، ويتولى الأخير المهمة، والثاني بواسطة التقدم بورقة تضم تواقيع ثلث عدد أعضاء مجلس النواب لرئاسة البرلمان، ومن ثم يكون التصويت. وفي الحالتين، فإن العدد المطلوب للتصويت بنعم على إقالة الحكومة هو 165 نائباً، أي نصف عدد أعضاء البرلمان يضاف إليهم نائب واحد، وهي طريقة "النصف +1"، بعدها يتم إجراء انتخابات خلال ستين يوماً من تاريخ التصويت بالبرلمان، بحسب الخبير القانوني العراقي طارق حرب.

من جهته، قال عضو في تحالف "الفتح"، وهو قيادي أيضاً في "الحشد الشعبي"، إن "مقتدى الصدر لا يدري أن اجتهاداته الحالية وخطواته غير المدروسة ستُنهي حياته السياسية"، موضحاً، لـ"العربي الجديد"، أن "الصدر يدعم المتظاهرين الذين يطالبون بإسقاط الحكومة وهو جزء منها، وجزء من البرلمان الذي يتهمه (الصدر) بسوء إدارة الملفات، كما أنه يتهم القضاء، مع العلم أنه يُشارك في كل مفاصل الحياة السياسية. والصدر حالياً يسعى لافتراس منصب رئيس الحكومة، ويريد أن يكون الرئيس الجديد مقرباً منه، فهو يشعر بأنه ساهم بتشكيل كل الحكومات، إلا أنها في النهاية لم تكن تحت تصرفه. واختياره في المرحلة الجديدة رئيساً يفشل في النهاية، معناه أن الصدر ساهم بقتل نفسه سياسياً وشعبياً".

من جهته، أشار القيادي في "ائتلاف الوطنية" حامد المطلك إلى أن "العراق يمر حالياً بأزمة سياسية كبيرة وخطيرة، تتمثل بتحول الخلافات السياسية من داخلية إلى أزمة دولية، وتصارع لنفوذ دول أجنبية من أجل اختيار رئيس وزراء جديد يمثل حلقة التوازن بين إيران وأميركا، ولا يتسبب بكارثة أمنية بين قطبين مشاركين في احتلال العراق وضياع سيادته". وبين، لـ"العربي الجديد"، أن "المرحلة تستوجب شخصية تُنقذ الوضع، ولا يمكن لها أن تكون وطنية خالصة. ومن دون اعتماد مبدأ التوازن وإنقاذ هذه الحكومة عبر شخصية متفق عليها، سيضيع العراق وقد تتحول البلاد إلى ساحة حرب. إن حكومة الإنقاذ هي الأقرب للواقع الحالي، ويمكن أن تُعالج بقية الأمور خلال الانتخابات المقبلة التي ستكون أكثر فتكاً بالكيانات السياسية من حيث النتائج والشخصيات المرشحة، نظراً لولادة جيل جديد بات على معرفة تامة بكيفية إدارة الدولة".

إلى ذلك، رأى المحلل السياسي العراقي واثق الهاشمي أن "كل رئيس وزراء عراقي اختير، منذ العام 2004 ولغاية الآن، يكون عبر توافق إيراني أميركي، لكن في المرحلة الحالية باتت للشعب العراقي رؤيته المغايرة، لا سيما بعد الإيمان بقدرة التظاهرات والاعتصامات على التغيير. وبالتالي فإن تدخل إيران وضغطها في سبيل اختيار شخصية موالية لها لحكم العراق، سيؤدي إلى خروج العراقيين إلى الساحات من أجل رفضه، حتى وإن وافقت الأحزاب والبرلمان ووافقت أميركا بذاتها، مع العلم أن للولايات المتحدة رؤيتها وطريقتها في رفض ما لا تريده". وأكد لـ"العربي الجديد"، أن "الوضع في العراق خطير وفوضوي حالياً، فالخلاف بين إيران وأميركا قائم ولم ينته، والأمر لا يختلف في الداخل، فهناك خلافات كبيرة تُنذر بتطورات كارثية بين الكتل السياسية، لا سيما التي تمتلك أجنحة مسلحة. وقد لا ينجح الصدر والعامري بإقالة عبد المهدي عبر البرلمان، لأن التصويت على الإقالة برلمانياً يحتاج إلى تصويت أكثر من نصف عدد أعضاء البرلمان، وهذا أمر صعب التحقق في ظل الخلافات الموجودة".

ميدانياً، دخلت بلدات القرنة في البصرة، والكحلاء في ذي قار، والإمام علي في ميسان، وبنات الحسن في العمارة، ومناطق وعشوائيات في بحر النجف بمحافظة النجف، وطويريج مسقط رأس نوري المالكي في بابل، على خط التظاهرات، بالتزامن مع خروج أعضاء نقابات المحامين والصناعيين واتحاد العمال في الجنوب للانضمام إلى التظاهرات في محافظات البصرة والنجف وكربلاء وواسط والمثنى وبابل والقادسية وذي قار، مع نصب خيام جديدة. وقال ناشطون في كربلاء إن عناصر من "سرايا السلام"، وهو الفصيل التابع لمقتدى الصدر، بات موجوداً قرب ساحة التربية وقرب مبنى الضريبة القديم، مركز التظاهرات، منذ ظهر أمس الأربعاء، لحمايتهم. وفي المقابل، فإن قوات الجيش والشرطة ما زالت تتكدس في المدن الجنوبية، خصوصاً ميسان والديوانية، خوفاً من مواجهات بين عشائرها وفصيلين مسلحين، هما "حركة الأوفياء" و"العصائب"، بسبب مواجهات السبت الماضي التي قتل فيها قياديان من "العصائب"، وجرى حرق مقر "حركة الأوفياء" وضرب عدد من عناصرها، بعد اتهامهم بإطلاق النار على أفراد من المتظاهرين ينتمون لعشائر من تلك المدينتين.

وفي بغداد، دخلت ساحة الفردوس التي أسقط فيها تمثال الرئيس الأسبق صدام حسين، على خط ساحات التظاهرات، بعد يومين من انضمام ساحة النسور في المنصور، وسط بغداد، لتكون في العاصمة عدة مناطق تظاهر رئيسية، هي ساحات التحرير والطيران والفردوس والنسور ومناطق أخرى قريبة منها، بالإضافة إلى بروز ظاهرة التظاهرات السريعة التي تخرج من مناطق وأحياء سكنية، ويقودها طلاب الجامعات والمدارس، وأبرزها الكاظمية والحسينية والصدر والسيدية والعامرية وحي الجامعة وحي القاهرة وشارع حيفا وساحة بيروت وحي المستنصرية وزيونة ومناطق أخرى. في المقابل، وبعد توقف وزارة الصحة العراقية عن إعلان حصيلة الضحايا، أكد مسؤول طبي في بغداد ارتفاع عدد الضحايا الذين سقطوا في التظاهرات منذ فجر الجمعة إلى 87 متظاهراً، تتصدر بغداد وذي قار وميسان والبصرة بعدد الضحايا، ومن ثم كربلاء التي دخلت كواحدة من المحافظات التي واجه فيها المتظاهرون قمعاً واسعاً، مقابل أكثر من 4500 مصاب، أغلبهم بالاختناق جراء قنابل الغاز. وأوضح المرصد العراقي لحقوق الإنسان، وهو منظمة غير حكومية، في بيان، أن حصيلة ضحايا التظاهرات منذ مطلع أكتوبر الحالي وحتى أمس الأربعاء، بلغ 232 قتيلاً، بينما تجاوز عدد المصابين العشرة آلاف.

وقال الناشط منتظر كاظم التميمي إن التوجيهات التي عممت على "فيسبوك" خلال اليومين الماضيين كان لها أثر بالغ في تقليل عدد الضحايا وسحب الذرائع من يد الحكومة لقمع المواطنين. وأضاف، لـ"العربي الجديد": "لم نقترب من المؤسسات ولا المباني، وسيكون الشارع والساحات العامة ملعبنا فقط". وتابع أن "محاولات المتظاهرين الاقتراب من المباني كبدتنا خسائر كبيرة بالأرواح. بعض المتظاهرين يتوقع أنه بالاقتراب من الوزارة أو الدائرة سيوصل صوته للمسؤول بشكل أفضل، لكن صوتنا صار مسموعاً أفضل من أي وقت مضى".

المساهمون