ترتكز الاستراتيجية الإعلامية للنظام السوري ومن يدور في فلكه منذ اندلاع الثورة السورية في مارس/آذار 2011 على نظرية "العالم والكون متآمرون"، ورأس هذه المؤامرة هم "الأميركي والقوى الغربية والعربية والأتراك". لذا لم يكن مفاجئاً انفصامها عن الواقع والقول إن "كل هذا الذي يجري في حلب من فعل الإرهابيين لتشويه صورة القيادة السورية والجيش العربي السوري"، كما تذهب مواقع مؤيدة للنظام.
يقول عمران الزعبي، وزير إعلام النظام السوري، في 29 إبريل/ نيسان إن "حلب تتعرض للتدمير، والذين يقومون بتدمير البنايات وإسقاطها على رؤوس ساكنيها هم المنظمات الإرهابية".
في اليوم نفسه، يخرج بيان ينفي فيه مصدر في جيش النظام السوري لوكالة "سانا" استهداف المقاتلات الحربية مستشفى في حي السكري، ليقول إنّ "الهدف من هذه الاتهامات التغطية على جرائم الإرهابيين في استهداف المدنيين".
من جهتهم، الروس، الذين أعلنوا منتصف مارس/آذار "انسحابا جزئيا" ليصبحوا "وسطاء نزيهين في عملية جنيف"، يعلنون التالي: "توجد معطيات لدى الوزارة تفيد بأن يوم الـ27 من إبريل/نيسان ظهرت في سماء حلب لأول مرة بعد فاصل زمني طويل طائرة تابعة لإحدى دول التحالف الدولي ضد تنظيم "داعش". أليس الكلام نفسه قيل في 21 أكتوبر/ تشرين الأول الماضي عن مستشفى إدلب؟
تنشر "القناة الرابعة"، في التلفزيون البريطاني، فجر الأول من مايو/ أيار، فيلمًا عن اللحظات الأخيرة لمستشفى القدس، ملتقطة بكاميرات داخلية، تتطابق وبيان "منظمة أطباء بلا حدود" عن القصف الجوي.
أما وكالة "سانا" في عيد العمال، فمهتمة بخبرين أساسيين يشيران إلى أن شيئا لا يحدث في هذا العالم: "افتتاح مهرجان ريف دمشق الأول للثقافة والتراث والفنون بمدينة جرمانا" و"احتفال مركزي بعيد العمال العالمي في دار الأسد للثقافة والفنون بدمشق".
في الإعلام الرسمي، حين تدقق بمفردات "مرتزقة، متآمرين، جيوش أجنبية إلخ"، تدقق أيضًا بصورة "الجيش العربي السوري" ليصبح تصوير "رجال الله" من الخلف وليس من المقدمة. لأن "القبعات الخضراء" (مستشارون) و"الأفغان والعراقيين والباكستانيين وجنود حزب الله" باتوا العمود الفقري للمادة الإعلامية عن "الجيش الباسل".
لندع "تآمر الإعلام العربي وقنوات سفك الدم السوري" جانبًا. لكن، هل يمكن تكذيب "سانا" وهي تنقل لنا يوم 28 إبريل/ نيسان خبر: "الرئيس الأسد للسيناتور (ريتشارد) بلاك: الهجمات الإرهابية التي ضربت مناطق عدة من العالم تثبت أن الإرهاب لا حدود له والقضاء عليه يتطلب جهداً دولياً مشتركاً".
هذا الأميركي، من بلاد التآمر على سورية، وقائدة المؤامرة الكونية، مثل وفود فرنسا، وغيرها من اليمين الفاشي القومي المتطرف، الذي يصف المهاجرين هرباً من بشار في بلادهم، بأبشع مما صورته قناة الدنيا في يونيو/حزيران 2011، يصبح ليس متآمراً إذا ما هدف لتلميع وإضفاء شرعية خارجية على مجرم حرب.
دوما ودير العصافير وداريا والنشابية ومستشفى فلسطين وفايز حلاوة، في مخيم اليرموك، وكيماوي الغوطتين الشرقية والغربية، كلها كانت في "الوكالة العربية السورية للأنباء سانا" مجرد "أكاذيب"... قصفتها طائرات الإرهابيين.
لندع كل ذلك أيضًا جانبًا، لندقق بالتالي: "قال نائب وزير الخارجية الروسي غينادي غاتيلوف، في تصريحات له السبت إن موسكو لن تطلب من دمشق وقف القصف على حلب".
من يكذب هنا؟ الزعبي أم الروس؟ "قنوات سفك الدم" أم "القنوات الشريفة" وتوابعها في بيروت وعواصم أخرى، تُميّع مسؤولية القاتل وتحمل القتيل مسؤولية شبيهة بمسؤولية الكيماوي التي أطلقتها بثينة شعبان في 2013؟
إذا الكل يكذب... باستثناء (المتحدث باسم وزارة الدفاع الروسية) إيغور كوناشينكوف: "العمليات الجوية الروسية في حلب، لا تستهدف المعارضة، وإنما تستهدف "الجماعات الإرهابية" وتنظيم الدولة".
من الذي دمر 493 مستوصفا ومستشفى؟ في الإعلام النظامي وتوابعه: الإرهابيون... الذين بالمناسبة استخدموها مثلما استخدموا المسجد العمري في درعا كمستوصف "ألقي القبض عليه".
لنترك كل المتآمرين جانباً، فماذا بث الإعلام السوري تمهيدا لحملة الإبادة في حلب؟ أحمد حسون، مفتي النظام السوري، لا يختلف كثيرا عن أي من هؤلاء الذين اعتبروا قيمة البشر صفرا، فلنستمع إليه في حادثتين مختلفتين وهو يطالب بالإبادة بشكل علني.
شريف شحادة من جهته، يكرر علينا وعلى المتابعين الخطاب نفسه الذي عرفنا عليه منذ قال 2011 إن "ما من مصلحة للنظام باستهداف مدني واحد"، يؤكد بأن "مستشفى حلب قصفته أميركا". هي ذات أميركا التي يرجوها نظامه وإعلامه احترام سيادته بالتنسيق معه.