انفصال اسكتلندا وانفصامنا

21 سبتمبر 2014

يستسهل كثيرون الإجابة عن أسئلةٍ عن قضايا بعيدة عنهم(14أغسطس/2014/Getty)

+ الخط -

بخلاف المنطق، يستسهل كثيرون الإجابة عن أسئلةٍ عن القضايا البعيدة عنهم، تلك التي لا يلمّون بتفاصيلها، ولا يملكون معرفةً معقولة عن ظروفها. تلك الإجابات السهلة المتسرعة تنطلق من قناعاتٍ عامة وافتراضات عمومية، وفي الغالب، تكون خاطئة أو غير دقيقة، ولعل أهميتها في أنها كاشفة منطق التفكير والذهنية العامة. واليوم، تكشف الإجابات السهلة المتداولة عربياً حول استفتاء انفصال اسكتلندا والموقف منه عن ذهنية عامة مضطربة، متناقضة حيال مشاريع الانفصال والوحدة.

كان جلياً، في الأيام الماضية، الانشغال الواسع بالاستفتاء حول العالم، أحد أوجه الانشغال عربياً ظهر صحفياً وإعلامياً وفي مواقع التواصل الاجتماعي، وكان واضحاً أن غالبية شعبية تريد للانفصال أن يتم، يريدون بريطانيا مجزأة ببساطة. وفي حالاتٍ كثيرة، يتم تبرير تلك الرغبة بمنطق إذاقة بريطانيا من كأس التجزئة والتفتيت الذي أذاقته للشعوب العربية وجنوب العالم. هكذا شعر كثيرون أن الانفصال لو حدث سيكون صفعة للإمبراطورية التي لا تغيب عنها الشمس في عقر دارها، وبدأوا في الحديث والتشفي، وكأن الانفصال حاصل.

في هذه الحالة التي لا تزال طازجة، يبدو مفيداً مراقبة التعامل الشعبي العربي مع فكرة الانفصال والوحدة، والواضح، بشكل سافر، أن التعامل مع الانفصال في حالة الكيانات السياسية لا يؤخذ بتفاصيله ومبرراته التاريخية والسياسية والاقتصادية، بل، بالدرجة الأولى، يستقى من الموقف العام من فكرة الانفصال أو الوحدة. والثابت، كما يبدو، أن ما يراد لاسكتلندا، بل لبريطانيا تحديدا، هو ما لا يريده العرب لأنفسهم، ولمن يعيشون معهم من الأعراق الأخرى. ويقابل كل مناصرة لإقليم انفصالي في أوروبا رفض حاسم لأي نزعة انفصالية في المنطقة العربية. ويحضر الأعداء، ومن قبلهم، الاستعمار سريعاً عند أي حديث عن انفصال.

وفي السياق، يختصر كثيرون مقولة الاستعمار في عبارة "فرق تسد" ضمن نزوع تبسيطي للسياسات الاستعمارية، ورؤيتها مجرد رغبة في تفتيت جسم كبير مفترض، كانت عليه الأمة، عربية كانت أم إسلامية. ولكن، ألا يخلق الإصرار على كيانات ضخمة مترهلة قائمة على ظلم بنيوي لجهات وفئات ألحقت بجسم الدولة المتوسّعة، كياناً متضخماً ضعيفاً، تسهل السيطرة عليه وإذكاء النعرات فيه، واستغلال تناقضاته البنيوية؟ ولماذا الافتراض الدائم أن الكيانات الجديدة ستكون خاضعة للاستعمار، وسهلة الانقياد لمخططات الأعداء والخصوم؟ أليس بقاؤها مكرهة ضمن كيانات قائمة قهراً مدخل استخدام الأعداء والخصوم لها، للنيل من الكيان الجامع؟ ألم تثبت التجربة العربية ذلك؟

مناقشة قضايا الانفصال والوحدة كأفكار مجردة بانحيازات مبسطة لفكرة الوحدة ورؤيتها مقابلا وحيدا ممكنا للتفريق والتجزئة والإضعاف، تسقط احتمالات بينيّة واسعة فعالة. لعل أبرز أشكالها الاتحادات الفيدرالية والكونفدرالية وأية صيغ من تفاهمات الدفاع المشترك والتجارة المشتركة والتي تثبت فعاليتها على مستوى العالم.

يجب ألا يغفل المتحمسون، وهم يراقبون الاستفتاءات في شمال العالم، حق الناس في تقرير مصيرهم، حتى لو كان انفصالياً، والتجربة القريبة في المنطقة العربية تقول إن الانفصال سهل في حالة الكيانات غير الديمقراطية، وقد يكون نتيجة صفقة سياسية لنخبة حاكمة، أو لتخلص رئيس من ملف مزعج دولياً. هكذا يتم الأمر بكل فجاجة، في منطقة يخاف فيها كثيرون من خيارات الناس.

ربما يحيل الأمر، أيضاً، إلى سمة ثقافية عربية سائدة، ترى الخير والقوة في الكثرة، وتنحاز للأجسام الضخمة، من دون التفكير بضعفها أو المزاعم الهشة لما يجمع مكوناتها، ومن دون التبصر في قيمة الحجم والكثرة في سياقات المفاضلة. ومع هذا كله، تبدو خلخلة هذه القناعة صعبة، على الرغم من كل الشواهد اليوم على تحكم كيانات صغيرة بمقاييس الحجم والكم بمقدّرات وأحوال كيانات وشعوب ضخمة.

اللافت، اليوم، أن انهماك الأيام الماضية بالاستفتاء والأحوال المفترضة للمملكة العظمى بعد الانفصال، والحديث وكأن الانفصال حاصل، يشير، بوضوح، إلى الرغبة في حدوثه، ومن المهم بعد كل هذا التبصر أكثر في رفض الغالبية الاسكتلندية الانفصال، وبقاء المملكة المتحدة متحدة.

2BB55568-EFEE-416B-934D-5C762181FE7F
عبّاد يحيى

كاتب وباحث وصحفي من فلسطين