اضطر مزارع الخضروات والحبوب في قاع جهران الشهير في ذمار شمال اليمن، مراد شوعي، إلى جني محاصيل مزارعه الثلاث بشكل مبكر نسبياً بسبب أزمة الديزل وشحّ المعروض منه، ويكاد يكون منعدماً خلال الفترة الأخيرة.
هذا المزارع، كما يقول لـ"العربي الجديد"، جنى محاصيله قبل فترتها المحددة لكي لا تُتلف، لأنه لم يعد قادراً على ريّ مزارعه، لانعدام الديزل الذي تعمل به مضخات المياه الخاصة في آبار الري في مزارع شوعي ومعظم المزارع والقطاعات الزراعية في اليمن.
وتعاني المحاصيل الزراعية في معظم المحافظات والمناطق اليمنية أوضاعاً مأساوية وتعذّر ريّ المزروعات نتيجة استمرار تكرار أزمة المشتقات النفطية، وخصوصاً مادة الديزل، ما سبّب أضراراً وُصفت بالكارثية على القطاع الزراعي في اليمن وتهدد بتعطيل الموسم الزراعي وفقدان فئة كبيرة من اليمنيين لمصدر دخلهم الوحيد.
وتهدد أزمات الديزل المتكررة بهلاك مئات الآلاف من الهكتارات الزراعية في تهامة المنطقة الغربية ونحو 11 منطقة زراعية رئيسية، منها 4 مناطق في شمال اليمن و5 في جنوب البلاد وشرقها ووسطها، وبالتالي تفاقم المعاناة الإنسانية والأزمة الغذائية الحادة في بلد يعاني من حرب وصراع طاحن وجوع وانهيار في الأمن الغذائي.
وتشير تقديرات رسمية إلى تضرر أكثر من ثلثي القطاع الزراعي في اليمن نتيجة أزمات الوقود المتكررة التي تضرب مناطق ومحافظات يمنية، وتكون انعكاسات أزمة المشتقات النفطية أشد عند ظهور الأزمة بين موسمين زراعيين أو بداية موسم، حيث يُعد كارثة حقيقة كما حصل في أزمة سبتمبر/ أيلول 2019، والأزمة الحالية المستمرة.
وإلى جانب تضرر 1.2 مليون حائز زراعي في مختلف المحافظات، تشير التقديرات إلى أن المُزارع الواحد يحتاج في المتوسط إلى نحو 2000 لتر من الوقود لريّ زراعته.
وحسب مزارع من قاع "البون" الزراعي في عمران شمال صنعاء، حمود الشبامي، فإن المزارع يقضي معظم أيام المواسم الزراعية في ملاحقة الديزل وجمع ما توافر من أموال للبحث عنه وشرائه.
ويشير الشبامي لـ"العربي الجديد"، إلى أن الديزل شبه منعدم منذ بداية الأزمة الراهنة، وهناك نقص كبير في المعروض منه منذ مطلع العام الماضي، ما يكلفهم خسائر كبيرة يتكبدونها نتيجة ارتفاع تكاليف الإنفاق عليه وشرائه من السوق السوداء بسعر مضاعف، إضافة إلى تلف المحاصيل.
في المقابل، يشكو مزارعون في حضرموت وبعض المناطق الزراعية الواقعة في نطاق سيطرة الحكومة اليمنية، من أزمات الوقود وارتفاع أسعاره بعد قرار شركة النفط الحكومية زيادة أسعار البنزين والديزل بنسبة تزيد على 60%، وهو ما دفع كثيراً منهم إلى الاعتماد على الكهرباء بدلاً من الديزل الذي يرونه مكلفاً للغاية، في ظل محدودية العائدات من المحاصيل التي تُزرَع.
ويرى الباحث الزراعي في المنطقة الزراعية الجنوبية الشرقية، عامر باكدادة، أن الأسواق اليمنية أصبحت تعاني بسبب أزمات الوقود، وتحديداً الديزل، من نقص في المعروض من المحاصيل الزراعية وارتفاع أسعارها، بعد أن كانت تتميز بوفرة كبيرة منها، وخصوصاً من الخضروات والفواكه وبعض أصناف الحبوب.
وحسب باكداده في حديثه لـ"العربي الجديد"، فإن أزمات الوقود عادة ما تظهر مع اقتراب جني بعض المحاصيل الرئيسية الموسمية أو بين موسمين زراعيين، الأمر الذي يصيب المواسم الزراعية بالشلل التام، ويضاعف خسائر المزارعين وتراجع عائداتهم.
وتهدد أزمة الديزل والارتفاع الكبير في أسعاره بتلف المحاصيل، مثل الحبوب المزروعة في الموسم الصيفي، إذ يعجز المزارعون عن ريّها، فيما يكافح آخرون لإنقاذ حصادهم بالري المتواصل لتجنب خسارتها قبل النضج.
وسبّب توقف الكثير من المضخات تلفاً في المحاصيل. وبذلك، فإن التأثير في المستهلكين والمزارعين سيستمر إلى أمد يمتد وفقاً للدورة الزراعية.
وتُعَدّ الزراعة من أهم القطاعات الإنتاجية في الاقتصاد اليمني، وتنبع هذه الأهمية من كونها أحد القطاعات الرئيسة المساهمة في الناتج المحلي الإجمالي، إذ تصل مساهمتها إلى نحو 12%، إضافة إلى كونها القطاع المنتج لسلع الغذاء وللمواد الخام اللازمة للعديد من الصناعات.
وتتصدر الزراعة القطاعات الأكثر استيعاباً للأيادي العاملة في اليمن، مع وجود نحو مليوني عامل يشكلون نحو 53% من إجمالي القوى العاملة في البلاد.
ونتيجة ارتفاع تكلفة الإنتاج الزراعي، انعكس ذلك على ارتفاع أسعار المنتجات من الخُضَر والفاكهة، وحتى الحبوب على نحو مبالغ فيه، يقابله تدهور في القدرة الشرائية لدى المواطنين، وربما انعدامها.