في أعقاب اجتماعات مكثفة شهدتها العاصمة العراقية، بغداد، على مختلف المستويات السياسية والعسكرية، خلال اليومين الماضيين، أعلنت قيادات العمليات المشتركة العراقية، وهو تشكيل يضم قوات وزارتي الدفاع والداخلية ومليشيا "الحشد الشعبي"، عن بدء عمليات عسكرية لاستعادة محافظة الأنبار من سيطرة تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش).
وجاء في مقدّمة هذه اللقاءات، تلك التي عقدها رئيس الوزراء حيدر العبادي مع فريق المستشارين الأميركيين والسفير الإيراني لدى بغداد حسن دنائي فر.
اقرأ أيضاً: قاسم سليماني يتهم أميركا بعدم مواجهة "داعش" في العراق
وبحسب بيان مقتضب بثه التلفزيون العراقي الحكومي فجر أمس، فإن "قيادة العمليات المشتركة، تعلن انطلاق عمليات تحرير محافظة الأنبار من تنظيم "داعش" الإرهابي بمشاركة تشكيلات القوات الأمنية والحشد الشعبي ومقاتلي العشائر".
وبعد صدور البيان بساعات قليلة بثت قنوات محلية عراقية خطب ومحاضرات حماسية لقادة المليشيات وسط آلاف المقاتلين وهم يستنهضون الهمم ويصفون الحرب بأنها مصيرية في الأنبار.
وظهر زعيم مليشيا "عصائب أهل الحق" التي تقاتل في سورية والعراق، قيس الخزعلي، متوسطاً مقاتليه على حدود الأنبار، ليؤكد لهم "لن نسمح لهم بالقدوم إلى بغداد بل نحن من سيأتي إليهم ويسحقهم"، في إشارة إلى "داعش"، وسط عبارات التحريض الطائفي.
وبخصوص سير المعارك، كشف مسؤول عسكري عراقي رفيع في هيئة رئاسة أركان الجيش، لـ"العربي الجديد"، عن "وصول نحو خمسة آلاف مقاتل من مليشيات حزب الله والعصائب والمهدي ولواء اليوم الموعود وبدر إلى قاعدة الحبانية وبلدة الخالدية شرق الرمادي، مضافاً إليها ستة أفواج قتالية من الفرقتين العاشرة والرابعة في الجيش مع المئات من عشيرة البو فهد والبو علوان"، إلى الأنبار. وأضاف أن تلك القوات المشتركة "بدأت بعمليات قصف متواصلة استمرت أول ثلاث ساعات من دون انقطاع على مناطق متفرقة من الرمادي، وبشكل عشوائي من دون حدوث أي تماس بين الطرفين، إذ تبعد المسافة التي تفصل بينهما أكثر من عشرة كيلومترات عند منطقة المضيق تحديداً".
وأشار الضابط العراقي الذي فضل عدم نشر اسمه إلى أن "العبادي أسند المعارك لمليشيا (الحشد الشعبي) بناء على شرطها الذي تقدمت به لقاء التوجه إلى الأنبار، وهناك مستشارون إيرانيون بصحبتها".
وأكّد أن "المليشيات تستخدم حالياً سياسة الأرض المحروقة، إذ تستخدم وفرة نارية كثيفة من خلال الصواريخ لمسح المنطقة قبل تقدمها".
وتابع أن مهمة الجيش الحالية هي "منع تقدم (داعش) من الفلوجة باتجاه الرمادي للحيلولة دون وقوع الحشد بين فكي كماشة"، كاشفاً عن وصول "عشرات الصواريخ الإيرانية المتطورة مع عربات نقل وأسلحة إلى الأنبار برفقة قوات من الحرس الثوري الإيراني".
وفي سياق متصل، أكد برلماني عراقي في تحالف القوى الوطنية "نجاح العبادي في إقناع الأميركيين بمشاركة إيران في الهجوم على "داعش" في الأنبار قبل وصول خطره إلى بغداد".
وأوضح في حديث إلى "العربي الجديد" اشترط خلاله عدم ذكر اسمه أن "واشنطن أبلغت العبادي بعدم ممانعتها التدخل الإيراني في الأنبار إذا كان هناك ضمانات بتحقيق تقدم على (داعش)". وأكّد أن "التدخل الإيراني سيكون أكثر علنية خلال الساعات أو الأيام المقبلة".
بدوره، وصف القيادي في التيار الصدري العراقي حسين البصري الهجوم على الأنبار بأنه "حماية لبغداد". وقال لـ "العربي الجديد" إن "تسمية العمليات بتحرير الأنبار خطأ كبير، فالقوات المهاجمة لا تكفي لتحرير المحافظة ولا حتى ربعها، لكنها في الحقيقة عملية استباقية لمنع تقدم (داعش) على مناطق قريبة من بغداد".
وأضاف أن "مهاجمة (داعش) في عقر دارها سيكون مدمراً لمشروع تقدّمها إلى العاصمة، أو حتى كربلاء، كما ادعى زعيم الإرهاب في العالم"، في إشارة إلى خطاب زعيم "داعش"، أبو بكر البغدادي الأسبوع الماضي.
وفي السياق، رأى المستشار الأمني السابق في وزارة الأمن الوطني العراقي اللواء رفعت طه، أنّ "توجه المليشيات إلى الأنبار بمثابة نجاح للاستدراج الأميركي لها للدخول إلى فخ كبير"، على حدّ تعبيره.
وأوضح طه لـ"العربي الجديد" أن "العبادي قاد تحركا كبيرا وناجحا لإشراك المليشيات والحرس الثوري في معارك الأنبار خوفاً على بغداد، وليس من أجل الأنبار، فهناك مدن أهم من الأنبار للعراق كالموصل وبيجي، لكن أساس التحرك الأول هو الدفاع عن العاصمة من المقاتلين الموجودين في هذه المحافظة التي تبلغ ثلث مساحة العراق".
وأضاف أن "الدخول إلى الأنبار سيكون استنزافا للمليشيات وما تبقى من الجيش العراقي ومقاتلي العشائر؛ ومن الممكن أن يضيع المقاتلون بين ثنايا جغرافيتها المعقدة".