انطلاق أعمال مؤتمر "العرب والصين" في الدوحة

21 مايو 2016
الباحثون يسعون لتقييم العلاقات العربية الصينية (فيسبوك)
+ الخط -

انطلقت جلسات المؤتمر الأكاديمي "العرب والصين: مستقبل العلاقة مع قوة صاعدة"، صباح اليوم السبت، والذي ينظمه المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، على مدى يومين، في الدوحة، بمشاركة واسعة من أكاديميين عرب وصينيين وغربيين، ودبلوماسيين وإعلاميين، ومتخصصين ومهتمين بالعلاقات العربية الصينية.


ويناقش المؤتمر العلاقات بين المنطقة والصين من منظور أكاديمي، على عدة محاور سياسية واقتصادية وتاريخية، في محاولة لفهم سياقات هذه العلاقات، وامتداداتها إلى الوقت الراهن، لا سيما مع تراجع الدور الأميركي في المنطقة، واندلاع ثورات الربيع العربي، والتي قابلها موقف صيني مرتاب، وداعم لبقاء الأنظمة العربية دون تغيير، مع تنامي دور الصين كشريك اقتصادي للدول العربية، باعتبارها ثاني أكبر قوة اقتصادية عالميا، بعد الولايات المتحدة الأميركية.
وبدأ المشاركون في المؤتمر نقاشاتهم، صباح اليوم، بالحديث عن "الاستراتيجية الصينية في الوطن العربي"، لتقديم رؤية للأسس السياسية التي تقارب من خلالها الصين علاقتها بالمنطقة العربية، وأهمية هذه المنطقة في الاستراتيجية الصينية العليا، لا سيما من النواحي الاقتصادية والعسكرية، بالإضافة إلى مناقشة "البعد التاريخي" للعلاقات العربية الصينية.
ويرى الباحث الصيني، وو بنغ بنغ، أن الصين تسعى إلى تحقيق هدفين في المنطقة العربية، يتمثلان بـ"الاستقرار والازدهار"، وذلك من أجل تحقيق مبادرة "الحزام والطريق"، وترسيخ التعاون السياسي والاقتصادي بين الجانبين، العربي والصيني، بالإضافة إلى وجود أهداف "أمنية" تتعلق بـ"مواجهة التطرف والقضاء عليه"، باعتباره من الأهداف المشتركة بين الصين والدول العربية.
وترتكز هذه السياسات، بحسب الباحث، على مبدأ "التنمية السلمية" والذي تنتهجه الصين في مقاربة توسعها عالميا، دون الحاجة إلى الاستناد لقوة عسكرية ضاربة، على الرغم من توفر هذه القوة لبكين.



من ناحيته، يرى الباحث العراقي كاظم هاشم نعمة، وعلى عكس الدارج في الدراسات التي تتناول العلاقات العربية الصينية، أن للصين استراتيجية عليا، تحكم تحركاتها في السياسة الدولية، ولكنها لم تولِ العالم العربي اهتماما متزايدا، إلا في الآونة الأخيرة. ويرى الباحث أن الصين وضعت حدا للجدل حول استراتيجيتها تجاه العالم العربي، بعد نشرها "الورقة السياسية الصينية تجاه العالم العربي" في 2016.
أما عن الوجود العسكري للصين في المنطقة، فيرى الباحث الصيني ديجانج صن، أن حضور الصين ما زال "ناعما" من المنظور العسكري، فهي لم تقم بإنشاء قواعد عسكرية في المنطقة، على الرغم من كونها "أكثر الدول مشاركة في قوات حفظ السلام في العالم"، بعكس واشنطن، التي تحظى بحضور عسكري واسع النطاق في المنطقة. ومع أن الاستراتيجية العسكرية الصينية، بحسب الباحث، تتبع الجانب الاقتصادي، إلا أنه يرى أن الصين معتمدة على الحضور العسكري الأميركي في المنطقة. ومع عزمها إنشاء قاعدة عسكرية في جيبوتي، إلا أن الباحث لا يرى أن هذا الحدث "بداية لتغيّر في الاستراتيجية العسكرية الصينية حيال المنطقة العربية".
وناقش المشاركون في المؤتمر "البعد التاريخي والثقافي في العلاقات الصينية – العربية"، حيث سلطوا الضوء على رؤية العرب للصين تاريخيا، في علاقة لا يرونها سلبية بالمجمل. ويرى الباحث، معين صادق، أن الحفريات الأثرية في المنطقة، تظهر أن العلاقات العربية – الصينية أصيلة وقديمة، تعود إلى ما قبل القرن السابع الميلادي. فعلاوة على "طريق الحرير أو التوابل" الذي كان يمر بالمنطقة العربية نحو الصين، أثبتت الحفريات أن المنطقة عرفت الصناعات الصينية، لا سيما الخزفيات، منذ القدم.
من ناحيته، تطرق الباحث شمس الدين الكيلاني، إلى رؤية العرب للصين، في كتب الرحلات، وإعجابهم بـ"دقة الصينيين في الصناعات" وأن الاختلاف الديني بين الجانبين، لم يمنع أن ينظر العرب بإعجاب إلى "تنظيم الصينيين وحكمتهم"، كما هو منثور في كتب التراث العربي.
ويستمر المؤتمر في نقاش العلاقات العربية – الصينية، إذ تتطرق باقي الجلسات إلى مبادرة "الحزام والطريق" الصينية، التي وُجهت إلى العالم العربي في 2013، بالإضافة إلى قراءة العلاقات الصينية – الخليجية، بالنظر إلى أهمية المنطقة استراتيجيا للصين، خاصة في قضايا الطاقة.
وتتناول جلسات المؤتمر، يوم غدٍ، الموقف الصيني من الصراع العربي – الإسرائيلي، وقراءة السياسات الصينية تجاه ثورات الربيع العربي، بالإضافة إلى علاقاتها مع القوى الإقليمية، وحضورها الدولي.
يأتي مؤتمر "العرب والصين: مستقبل العلاقة مع قوة صاعدة"، ضمن سلسلة المؤتمرات الأكاديمية التي ينظمها المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، تحت عنوان "العرب والعالم"، والذي يهدف إلى تناول العلاقات العربية بالقوى الدولية. ويأتي اختيار الصين، بحسب القائمين على المؤتمر، باعتبارها إحدى الدول الكبرى التي لم يهتم بدراستها الأكاديميون والسياسيون والمثقفون العرب إلا أخيرا، على الرغم من احتكاكها الكثيف بالعالم العربي، من خلال نموها الاقتصادي السريع، والذي اعتمد بصورة كبيرة على النفط والغاز، خاصة من المنطقة العربية، وطرحها لمبادرة شراكة واسعة مع العالم العربي، في 2013، تحت عنوان "بناء الحزام والطريق"، فيما اعتبره مراقبون بمثابة محاولة لإحياء "طريق الحرير" القديم، بأدوات واستراتيجيات حديثة. وكذلك كونها ثاني أكبر قوة اقتصادية في العالم، مع محاولتها تكريس نفسها كقوة تتمدد من خلال استراتيجية "التنمية السلمية"، بحسب بعض المشاركين في المؤتمر.



المساهمون