انشقاق العسكري اللبناني ليس مزحة

25 يوليو 2014

الجيش اللبناني لدى انتشار قوات منه في طرابلس (فبراير/2014/أ.ف.ب)

+ الخط -

صار الأمر واقعاً. انشقّ عسكري لبناني عن الجيش. قال العريف، عاطف سعد الدين، إن السبب هو انحياز الجيش اللبناني لحزب الله "وتحامله على أهل السنّة". يعدّ هذا الانشقاق الأول من نوعه منذ اغتيال الرئيس رفيق الحريري، في فبراير/ شباط 2005. عاش لبنان تجارب الانشقاق داخل المؤسسة العسكرية في أثناء الحرب الأهلية، وربما يكون انشقاق اللواء السادس وقتاله إلى جانب حركة أمل، من أبرزها.
لنتجاوز النقاش المتعلق بصواب خطوة سعد الدين أم خطئها. ولنتجاوز النقاش عن صحة الأسباب التي كررها هذا الجندي، وهي أسباب ذكرها الشيخ أحمد الأسير وجبهة النصرة مراراً. لننتقل بالنقاش إلى مستوى آخر: هل هناك مَن يقرأ خطورة هذه الخطوة؟
لا يبدو، حتى اللحظة، أن هناك مَن يشعر بخطورة ما حصل. في النقاشات السابقة عن انتشار الأفكار المتشددة في البيئة السنية في لبنان، كردّة فعل على حالة ظلم يشعرون بها، لطالما ردّد فريق لبناني أن هذه البيئة لن تنتفض يوماً بوجه الجيش، لأنها الخزان البشري له. لنفكر قليلاً، استطاع هذا الخطاب أن يجذب أحد العسكريين، فهل سيكون غير قادر على جذب البيئة؟
تجاوز الأمر الخطاب النظري. صار واقعاً. هناك مَن عليه أن يراجع الكثير من ممارساته. فقبل أيام، اعتقل الجيش اللبناني القيادي السلفي، حسام صباغ. اعتقله، بعدما جالسه مدير استخبارات الجيش في شمالي لبنان، مراراً. اعتقله، بعدما طلب منه الجيش، مرات كثيرة، التدخل لضبط الشارع. تعاون صباغ مع الجيش، لكن هذا لم يمنع فتح ملفات قديمة له.
وثمة حالات اعتقال تعسفي وتعذيب يخضع لها الموقوفون الإسلاميون، وأدت في يونيو/ حزيران 2013، إلى مقتل نادر البيومي أثناء التحقيق معه على خلفية علاقته بالأسير، على الرغم من أن البيومي سلّم نفسه طوعاً. لم يقف الأمر عند هذا الحد، إذ تفيد مؤسسة "لايف"، لحقوق الإنسان، بأن الضابط المسؤول عن تعذيب آخرين، في الفترة عينها، رُقّي ونال أقدمية، على الرغم من تعهّد الجيش بعقابه. هل يستطيع الجيش اللبناني مراجعة نفسه، وممارساته، على أبواب انتخابات رئاسية؟
في الوقت عينه، يخوض فرع المعلومات، التابع لقوى الأمن الداخلي، معركة ضد الإسلاميين، وينال دعماً كاملاً من السعودية والولايات المتحدة. تكثر المعلومات عن موقوفين لا يجري إطلاق سراحهم، على الرغم من أن ملفاتهم فارغة، لأن المسؤولين الأميركيين طلبوا ذلك. تُدار المعركة، وعين وزير الداخلية، نهاد المشنوق، على رئاسة مجلس الوزراء، ورئيس فرع المعلومات، العميد عماد عثمان، يريد تثبيت جدارته للأميركيين والسعوديين في خلافة اللواء وسام الحسن.
المستوى الثالث، الذي يفترض أن يجري مراجعة جدية لمواقفه، هو حزب الله. فمنذ بدأت معركة سورية، انخرط بالكامل إلى جانب النظام لكسر الثورة، وليس خافياً أن هذه الثورة أخذت مع الوقت بعداً سنيّاً، ساهم حزب الله في بلورته، إذ رفع مستوى خطابه المذهبي إلى حدوده القصوى، لشدّ عصب جمهوره، ودفعه إلى المشاركة بالحرب المجنونة. تلاقى خطاب حزب الله المذهبي مع خطابٍ مذهبي وصل إلى حده الأقصى مع داعش، إذ اختزل أمين عام حزب الله الثورة السورية "بالتكفيريين". تزامن هذا مع مشاركة مقاتلي حزب الله في القتال إلى جانب الجيش اللبناني ضد الأسير، ومن ثم حصار واحتلال بلدتي عرسال والطفيل. فهل يملك حزب الله الجرأة لمراجعة حساباته؟
ثلاثة أطراف تحتاج مراجعة جدية لخياراتها وممارساتها السياسية، يضاف إليها تيار المستقبل الذي يعتقد أنه بالخدمات، دون غيرها، يمكنه أن يحكم سيطرته على الجمهور السني، مع الأخذ بالاعتبار تردي مستوى هذه الخيارات. عدم إجراء هذه المراجعة سيؤدي إلى انتقال النار المحيطة إلى داخل لبنان الذي يعتقد بعض مسؤوليه أنه يعيش في جزيرة معزولة.
هذا لا يبرر خطوة الجندي المنشق، ولا ارتفاع حدة الخطاب المذهبي. لكن من السذاجة بمكان، اعتبار أن الحل الأمني هو الوحيد القادر على الردّ على هذا التطور، أو اعتبار أن الإسلاميين مجرد ورقةٍ تستخدمها الأجهزة الأمنية، وتجاوز حقهم بالعمل السياسي.

1F5DD520-0ECB-4F35-A8B8-E3CE26FBE27A
ثائر غندور

صحافي لبناني من أسرة "العربي الجديد"