وقبل أيام، نشر جهاز الأمن الداخلي التابع للحكومة الفلسطينية في غزة، مقطعاً مصوراً يشمل إفادات لأفراد قال إنهم تركوا "ولاية سيناء" وعادوا إلى القطاع، بسبب اعتراضهم على توجهات التنظيم وأفعاله بحق المدنيين، وعدائه المتصاعد ضد المقاومة الفلسطينية وقطاع غزة برمته، خلال الأشهر القليلة الماضية.
ويظهر من تسجيلات العائدين إلى غزّة، أن التنظيم عمل على إحكام طوق الحصار الإسرائيلي على القطاع، وعلى محاربة المقاومة الفلسطينيّة ومنع وصول السلاح إليها. وجاء المقطع المصوّر الذي تم نشره، بعنوان "داعش... المهمة الجديدة"، ويتضمّن مقاطع سابقة للتنظيم وهو يعدم المواطن المصري موسى أبو زماط بتهمة "التعاون مع المرتدين كتائب القسام"، وفق قول التنظيم.
ويقول أحد العائدين إن التنظيم "كلّفه بمنع وصول البضائع إلى غزة، ومصادرة البضائع الخاصة بحركة "حماس"، ومنعها، ثمّ منع أي بضائع تصل من الأنفاق، بشكل كامل"، فيما أكّد شخصٌ آخر بث "الأمن الداخلي" مقطعاً له في التسجيل المصوّر، أنه عمل في جهاز ما يسمى "الحسبة" التابع للتنظيم، وكان من مهامه منع البضائع والسلاح من الوصول إلى قطاع غزّة. كما تضمّن الفيديو تسجيلاً لأحد أعضاء "داعش" الذي هدد القسام قبل سفره لسيناء، وهو يعترف بقيامه بسرقة سلاح من أحد المنازل في غزّة.
وفي وقت متزامن، نشر تنظيم "جند الإسلام"، المحسوب على تنظيم "القاعدة"، مقطعاً مصوراً تحت عنوان "معذرة إلى ربكم"، لأحد المنشقين عن "ولاية سيناء"، يدلي باعترافات شخصية عن انضمامه إلى التنظيم وتفاصيل العمل داخله، فيما تركّز حديثه حول الانشقاقات الكبيرة التي يشهدها "ولاية سيناء"، في الآونة الأخيرة، والرغبة لدى عدد كبير من عناصره بالانشقاق، ولكنهم لا يعرفوا الطريق لذلك.
ومما جاء على لسان المنشقّ عن التنظيم أن مجموعات الأخير هي من نفّذت الهجوم على مسجد الروضة، نهاية شهر نوفمبر/تشرين الثاني المنصرم، والذي راح ضحيته 309 مصريين فضلاً عن إصابة العشرات. وفي بداية المقطع، عرّف تنظيم "جند الإسلام" بصاحب الاعترافات، على أنه "كان جندياً في صفوف تنظيم الدولة، وعلى إثر ما شاهده من الجرائم والتكفير بحق المسلمين في سيناء، قرّر ترك التنظيم بكامل إرادته، وحاول أكثر من مرة الهرب، ولكنه اعتُقل وعذّب، إلى أن نجح في ذلك، قبل أن يسجّل شهادته لإبراء الذمة".
وأوضح "المنشقّ" أنه "هرب برفقة 7 آخرين من عناصر التنظيم"، مشيراً إلى أنّ "40 عنصراً هربوا في مدينة العريش، خلال الفترة الماضية، وهناك آخرين هربوا خلال فترات سابقة"، مشدداً على وجود أشخاص "يريدون الهرب ولكن لا يعرفون الآلية".
وتحدث "المنشق" عن عملية قتل موسى أبو زماط، مشيراً إلى أنه "كان يهرّب السلاح إلى حركة حماس وأيضاً يأتي بالسلاح إلى التنظيم، وفوجئ الجميع بجمع عدد من العناصر لحضور إقامة حدّ الردة على أحد الأشخاص"، وقال إن التنظيم عمّم على العناصر أنه "مرتدّ لأنه يعاون حماس المرتدة". مشيرا إلى أن شقيقه "أبو حمزة الرميلي"، مسؤول القطاع العسكري في الشيخ زويد- وفق تسمية التنظيم- رفض رؤيته خلال قتله.
وأضاف: "إن الذي أذاع إصدار قتل أبو زماط، يُدعى أبو كاظم الغزاوي، ومعظم الذين ظهروا في الفيديو غزاويون، والهدف من التصوير هو إيصال رسالة لحماس، بأن أي شخص يتعامل معكم سيقتل، فضلاً عن استقطاب شبان من غزة".
وفي قضية مسجد الروضة، أكّد "المنشق" أن "معلومات تسرّبت من قطاع العريش التابع للتنظيم، إلى قطاع الشيخ زويد، تحدّثت عن تمكّن عناصر من ولاية سيناء من الهجوم على مسجد الروضة التابع للطريقة الصوفية، بحجة أنهم مشركون وعباد القبور"، مؤكداً أنّ التنظيم "أذاع عبر أجهزة اللاسلكي بعد أسبوع أنهم هجموا على المسجد بالفعل، واغتنموا أسلحة وذخائر"، موضحاً أنّ "هناك عددا كبيرا من قيادات التنظيم كانت سعيدة بعمليات القتل والإبادة لكل الناس في الهجوم على الروضة".
وعن الأداء الإعلامي للتنظيم، أشار "المنشقّ" إلى أن "ولاية سيناء" يسعى إلى تضخيم عملياته ضد قوات الأمن، وذكر أنه مثلاً إذا استهدف آلية عسكرية، يقوم باستخدام عبارات مثل "الإصابة المباشرة، اغتنام أسلحة، سقوط القتلى"، بينما يكون الاستهداف بسيط للغاية.
وعن تعامل التنظيم مع أفراده، كشف أنّ عناصره "ليس لهم حرية المتابعة الإعلامية واستخدام الإنترنت، إلا في أضيق الحدود وتحت مراقبة الأمنيين"، مشيراً إلى أن "مجلس شورى التنظيم يتكون من 10 أفراد، ولكن أبرز اثنين هما أبو سهل الوالي، ونائبه أبو صالح، وأخيراً محمد سعد الصعيدي القاضي الشرعي للتنظيم".
وفي التعليق على ذلك، يقول باحث في شؤون سيناء، فضّل عدم الكشف عن اسمه، إنّ "حالة الانشقاقات في صفوف التنظيم طبيعية، بعد أن انحرف عن الطريق التي رسمها للمنتمين له، في بداية أعماله المسلحة، بمواجهة قوات الأمن المصرية"، موضحاً أنّ "مقتل قادة التنظيم المحليين من سكان المحافظة، خلال السنوات الماضية، على يد قوات الجيش أو الطيران الإسرائيلي، أدّى إلى تصدُّر قادة من خارج المنطقة، سواء من الفلسطينيين أو ممَن جاؤوا من ليبيا وسورية والعراق، وهو ما أدى إلى بروز توجّهات جديدة لدى التنظيم، فضلاً عن تطبيق هؤلاء ما يرونه مناسباً على حساب المدنيين. وهذا ما بلغ ذروته في مجزرة الروضة، والتي على إثرها، تصاعدت موجات الانشقاق في صفوف التنظيم الذين لم يقبلوا ما حصل".
وتوقّع الباحث "ازدياد حالات الانشقاق في حال استمرّ التنظيم في منهجيته الحالية، وعدم الاتجاه لإحداث تغييرات، والعودة إلى المنهج الذي كان يتبعه في بداية نشاطه"، مشيراً إلى أن وجود البديل المتمثّل في تنظيم "جند الإسلام"، "سيشجّع عناصر ولاية سيناء على الانشقاق، مما سيقوي التنظيم الآخر بشكل ملحوظ، خلال المرحلة المقبلة، ويفتح ساحة سيناء على سيناريوهات جديدة".