اندماج السوريّين.. تركيا لم ترسم سياسات واضحة بعد

06 نوفمبر 2015
صداقة مستجدة بين الصغير اللاجئ وإحدى قطط الحيّ (الأناضول)
+ الخط -

تُعدّ تركيا واحدة من دول الجوار التي لجأ إليها السوريّون الهاربون من الحرب، إلى جانب لبنان والأردن. أما قضيّة اندماجهم في المجتمع، فما زالت جدليّة.

مضت أربع سنوات ونصف السنة تقريباً، مذ بدأ السوريون الهاربون من النظام السوري يلجأون إلى تركيا، ليصل تعدادهم اليوم إلى ما يقارب مليونَي لاجئ، من بينهم 270 ألفاً يعيشون في المخيمات. أما الأكثريّة، ففي المدن التركية.

بعد الدمار الكبير الذي لحق بالبنية التحتية في مختلف المدن السورية، بالإضافة إلى النزيف الهائل في العقول والقوى العاملة السورية إلى خارج البلاد بحثاً عن مكان آمن، أصبح الحديث عن عودة اللاجئين السوريين إلى بلادهم، أمراً بعيد المنال في المرحلة المقبلة، حتى لو توصل إلى اتفاق ينهي الحرب السورية. وهو ما أكده نائب رئيس الوزراء التركي نعمان كورتولموش أخيراً، إذ قال إن "عودة اللاجئين ستستغرق سنوات، حتى لو انتهت الحرب اليوم".

وهذا الحديث، سواء في الأوساط السياسية أو الأكاديمية والإعلامية التركية، يعيد تسليط الضوء على أهمية إيجاد حلول طويلة الأمد للاجئين السوريين في البلاد. وبعدما كان موضوع سياسات "الاندماج" يخص الجالية التركية المنتشرة في أوروبا، لأول مرة تجد أنقرة نفسها تواجه الموقف نفسه لكن على أراضيها، لتعلو الأصوات الداعية إلى رسم سياسات واضحة لدمج اللاجئين السوريين في المجتمع التركي بما لا يؤثّر على المواطن ولا يبخس اللاجئ حقه. وهو الأمر الذي يؤكده مدير مركز أبحاث السياسات والهجرة التابع لجامعة حجة تبة في العاصمة أنقرة، مراد إردوغان، قائلاً: "علينا أن نعمل على رسم سياسات واضحة لدمج السوريين في المجتمع التركي. لكن قبل ذلك، علينا أن نقبل بأن السوريين الموجودين في تركيا سيعيشون معنا في المستقبل". ويضيف، لـ "العربي الجديد"، أنه "في حال لم تتوفّر إدارة جيدة للهجرة، سنواجه كل السلبيات التي قد لا نتوقعها. حتى الآن، ثمّة فوضى عارمة في الدولة في هذا الشأن، ونحن بحاجة إلى رؤية استراتيجية، لكن للأسف حتى الآن لا نملك أية رؤية".

اقرأ أيضاً: سوريّون يلجأون إلى أنقرة

ويشير إردوغان إلى أنه مع طول أمد الصراع في سورية، "لم تعد تركيا مكاناً مغرياً للبقاء، وباتت المحطة الأولى في رحلة لجوء نحو الدول الأوروبية. بطبيعة الحال، من يمتلك القدرة المالية على دفع تكاليف هذه الرحلة، هم أبناء الطبقة الوسطى والأغنياء، والذين يمثلون الجسر القادر على الربط بين المجتمعَين". ويتابع: "علينا إنشاء وزارة خاصة للعناية بشؤون اللاجئين. ليتنا سجّلنا السوريين لدينا منذ البداية، بل وقمنا بإعادة توطينهم بشكل جيد. ما زال المتعلمون من السوريين يتركون تركيا نحو أوروبا، كالأطباء والمهندسين والحقوقيين وغيرهم من خريجي الجامعات. قد لا نكون بحاجة إليهم في تركيا، لكن وجودهم يشكّل جسراً للتواصل مع السوريين الآخرين".

حتى اليوم، لا خطط واضحة للتعامل مع اللاجئين في البلاد، في حين تتداول أروقة صنع القرار في أنقرة عدداً من المشاريع، من بينها المشروع الذي أشار إليه كورتولموش والقائم على بناء مدينة كاملة خاصة باللاجئين سواء داخل تركيا أو في سورية، مع إنشاء منظمة دولية تعنى بشؤون اللاجئين ذات صلاحيات أوسع من المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، بالإضافة إلى قدرتها على إدارة مشاريع من هذا النوع في أي مكان في العالم. لكن كل هذا يبدو بعيداً عن الواقع، فالحلّ لن يكون بعزل السوريين في مدينة خاصة بهم وإن كانت هذه المدينة مجهزة ببنية تحتية كاملة من مدارس ومستشفيات ومناطق صناعية. كذلك فإن المنطقة الآمنة التي تدعو إليها تركيا في شمال شرق حلب تبدو بعيدة المنال، لذا يقترح إردوغان خطوات وركائز لوضع سياسات اندماج. يقول: "علينا تهيئة مجتمعنا كخطوة أولى، وإقناعه بأن هؤلاء البشر سيبقون هنا وسيعيشون معنا في المستقبل. لا يمكن الحديث عن سياسة دمج من دون قبول المجتمع المضيف". يتابع: "أما الركيزة الأخرى التي لا بدّ من العمل عليها، فهي التعليم وتحديداً اللغة التركية. أكثر من 55 في المائة من السوريين في تركيا هم من الأطفال والشباب. وهؤلاء الأطفال بعيدون عن التعليم لأكثر من أربع سنوات، الأمر الذي ينذر بكارثة في المستقبل. ويعود السبب إلى أن فقط 15 في المائة منهم يستطيعون الوصول إلى التعليم باللغة العربية، لذا لا بدّ من اتخاذ خطوات عاجلة لتعليم هؤلاء اللغة التركية ووضع برامج لدمج السوريين في المدارس التركية". وعن الركيزة الثالثة التي يقترحها، يقول إردوغان: "يجب مساعدة اللاجئين للوقوف على أقدامهم، عبر إيجاد الآليات والقوانين الكفيلة بذلك، سواء في ما يخص تعديل الشهادات أو أذون العمل".

اقرأ أيضاً: جحيم اللاجئين.. سويسرا تُضيّق الخناق على السوريّين

في هذا السياق، يؤكد سوريون لـ "العربي الجديد" أن ما يطرحه إردوغان ممتاز. حسام من هؤلاء، وهو طبيب يقيم في ألمانيا. يقول: "لا أخفي أنني أردت البقاء في تركيا منذ وصولي إلى إسطنبول. وأكثر من ذلك، بدأت بتعلم اللغة التركية على أمل التقدم لامتحان التعديل والحصول على إذن بممارسة المهنة. لكنني اكتشفت أن إدارة التعليم التركية أوقفت تعديل شهادات الجامعات السورية، لأنها لا تلقى أي رد منها عندما تحاول التواصل معها. وبعدما بدأت مدخراتي تنفد ولم أجد عملاً، كان لا بدّ لي من البحث عن مكان آخر. وكانت ألمانيا".

من جهته، يقول معتز وهو مهندس مدني مقيم في السويد، "خسرت كل شيء في سورية. منزلي ومكتبي هدما كلياً، وعندما وصلت إلى تركيا لم أكن أمتلك سوى مبلغ بالكاد يكفيني للوصول إلى أوروبا. لم أستطع المغامرة بهذا المال، خصوصاً وأني لا أمتلك جواز سفر. بالتالي، فإن الحديث عن تعديل الشهادة أو حتى إذن العمل كان يبدو ضرباً من المستحيل".

أما محمود الذي يمتلك فرناً في إسطنبول، فهو لم يفكّر في التوجه إلى أوروبا، بل ينتظر الوقت الذي تتوقف فيه الحرب ليعود إلى حلب مباشرة. يقول إن نسبة السوريين الذين يريدون البقاء في تركيا لا تتجاوز الواحد في المائة، حتى أن الأتراك لم يعودوا يتقبلون السوريين ولا يميّزون ما بين السوري الجيد والسوري السيئ. ويخبر هنا عبد اللطيف أن "جاره في الطابق العلوي قصد صاحب العقار وسأله: لماذا لا تؤجر منزلك لأناس جيدين؟". ويشير: "نحن ندفع إيجارات أعلى من تلك التي يدفعها الأتراك".

إلى ذلك، يقول عبد اللطيف: "قبل التحدّث عن الاندماج، علينا الشعور بالأمان إزاء الحاضر والمستقبل. نحن اليوم لا نستطيع الحصول على الحقوق التي يمنحها لنا القانون. دوائر الدولة لا تقبل البطاقات التعريفية التي تُمنح للاجئين، وتطلب جواز السفر.. مشكلة السوريين الكبرى". يضيف: "لا نريد أن نكون حملاً ثقيلاً. ليمنحونا فرصة، ونحن نثبت أنفسنا".

اقرأ أيضاً: 400 ألف طفل سوري خارج المدرسة في تركيا