انتهاك حقوق المرضى النفسيين في الجزائر... جلسات علاج بالصدمات الكهربائية دون تخدير

27 فبراير 2020
نقص اختصاصيي الإنعاش مؤثر في جلسات العلاج (العربي الجديد)
+ الخط -
تعترف البروفيسورة خديجة بوصديق، رئيسة مصلحة الأمراض العقلية في المستشفى الجامعي "فرانس فانون" بمحافظة البليدة غربي الجزائر، بأن جلسات العلاج بالصدمة الكهربائية "Electroconvulsivetherapy" تشهد تجاوزات في بعض المستشفيات الجزائرية، لإجرائها من دون تخدير، أو حتى دون حضور اختصاصي في الإنعاش، بالرغم من أن جلسة العلاج تلك لا تختلف عن العمليات الجراحية من حيث أهمية الطاقم الطبي وضرورته للمريض.

وتملك الجزائر 20 قسماً ومستشفىً مخصصاً للأمراض العقلية والنفسية، بإجمالي 6 آلاف سرير، وفق ما يقوله محمد شكالي مدير ترقية الصحة العقلية بوزارة الصحة والسكان وإصلاح المستشفيات الجزائرية لـ"العربي الجديد"، لافتاً إلى أن وزارته لم تُجرِ إحصاءً شاملاً لعدد جلسات العلاج بالصدمة الكهربائية، مضيفاً أن مشافي الصحة العقلية لا تتحكم جيداً في تقنية العلاج بالصدمة الكهربائية.


استهانة بحقوق المرضى

يجري العلاج بالصدمة الكهربائية من خلال تمرير تيار كهربائي خارجي على رأس المريض للوصول إلى خلايا الدماغ عبر وضع أسلاك كهربائية طبية على الجبين، ومنه يجري إحداث الرجة في رأس المريض، بحسب البروفيسورة بوصديق، التي قالت إن الصدمة الكهربائية توجه إلى المرضى الذين يعانون من الكآبة الحادة المصحوبة بأفكار الانتحار وانفصام الشخصية وحالات الانعزال والقلق وعدم الاهتمام بالنفس، إضافة إلى اضطراب ثنائي القطب (يسبّب نوبات من الاكتئاب ونوبات من الابتهاج غير الطبيعي)، مضيفة أن عدد مرضى انفصام الشخصية في الجزائر يصل إلى 400 ألف مريض.

وتهدف الصدمة الكهربائية إلى إحداث تغييرات في كيمياء الدماغ عبر تحسينات سريعة ومهمة للأعراض الشديدة لبعض حالات الصحة العقلية، ما يساهم في تحسين مزاج المريض في حالات مثل الاكتئاب الحاد، كما تقول بوصديق.

لكن سليمة خير الدين، رئيسة جمعية أولياء وأصدقاء المرضى العقليين (غير حكومية تعنى بمساعدة المرضى) تأسف على أن هذه التقنية لا تطبق بشكل سليم، "وهذا أمر محزن ومرفوض" كما تقول لـ"العربي الجديد"، مضيفة: "الجمعية ستتحرك بعد جمع معلومات عن طريقة العلاج ونطالب من وزارة الصحة، ضرورة توفير كل الشروط اللازمة لكي يحظى المرضى بظروف علاج أكثر أماناً".

ويجب الحفاظ على حقوق المرضى واحترامها، وأهمها تفادي تسبيب الألم في أثناء العلاج بالصدمة الكهربائية، أو التقليل منه، كما قال شكالي، داعياً مختلف مصالح الصحة العقلية إلى احترام هذا الجانب وعدم الإضرار بالمرضى.

ويعتبر هواري قدور رئيس المكتب الوطني للرابطة الجزائرية للدفاع عن حقوق الإنسان (هيئة غير حكومية)، اعتراف مدير الصحة العقلية بالوزارة، بعدم احترام حقوق الإنسان في ذلك العلاج بالمشكلة، إذ يُفترض أن لديه القوة القانونية للرقابة والتصدي لكل من يُطبق جلسات العلاج من دون تخدير المرضى، وفق تأكيده لـ"العربي الجديد"، مشيراً إلى أن وزارة الصحة تتحمل المسؤولية الرئيسية.

لكن شكالي يرد بالقول: "وزارة الصحة لا يمكنها رقابة الأطباء في أثناء برمجتهم لجلسة العلاج"، لكن ننصح أطباء الصحة العقلية بإبقاء الصدمة الكهربائية كآخر حل وتجنب إجرائها في حال عدم توافر مادة مخدرة وطبيب منعش. الإشكال لا يتعلق بنا فقط، بل بالوزارة التي يستوجب عليها توفير مادة التخدير".

ويُعَدّ اعتراف مدير الصحة العقلية في وزارة الصحة بضرورة احترام حقوق الإنسان تجاه المرضى، سبباً كافياً لكي تتحرك الوزارة للقيام بدورات تدريبية للتعريف بطريقة العلاج السليمة لتجنيب المرضى المعاناة، وفق ما يقول الدكتور إلياس مرابط رئيس النقابة الوطنية لممارسي الصحة العمومية لـ"العربي الجديد".


جلسات علاج دون تخدير

يقتضي العلاج بالصدمة الكهربائية، الحصول على موافقة أهل المريض، بحسب توضيح البروفيسور عبد المجيد ثابتي، رئيس مصلحة الأمراض العقلية في المؤسسة الاستشفائية المتخصصة بالشراقة غرب العاصمة.

وتابع ثابتي في إفادته لـ"العربي الجديد": "بعض الأطباء يعتقدون أن عدم شعور المريض بالرجة الكهربائية باعتباره فاقداً للعقل والشعور أمر عادي، لكن هذا خطأ فادح، إذ إن درجة الكهرباء، رغم أنها ضعيفة، إلا أن المريض يشعر بها بسبب غياب التخدير".

وتبلغ شدة الصدمة الكهربائية بالمقياس الكهربائي 35 ميكروفولت (0.00035 فولت) بحسب البروفيسورة بوصديق التي قالت إن هذا القياس لا يتجاوز المعمول به عالمياً. لكن يمكن الإحساس بألم تلك الصدمات، وإن كانت كانت ضعيفة، رغم أن وقت الصدمة الكهربائية يستغرق ثانيتين فقط، كما تقول.

ويتفق الدكتور مرابط مع بوصديق قائلاً: "لا يُعقل إخضاع مريض لصدمة كهربائية مهما كانت درجتها، وهو غير مخدر"، مضيفاً أن تخدير المرضى في أثناء القيام بالصدمة الكهربائية أمر بديهي.



لكن الأربعيني الجزائري رفيق خواص، خضع لـ 6 جلسات دون تخدير في مستشفى فرانس فانون، بعدما كان يعاني من الاكتئاب الحاد في فبراير/شباط 2017، كما يقول لـ"العربي الجديد"، مضيفاً أنها كانت مصاحبة للألم، بعكس 6 جلسات أخريات أجريت بالتخدير بعد توافره.

وعلى الرغم من تعافي خواص، إلا أنه يتذكر لحظة الألم التي أحسّ بها خلال أول جلسة خضع لها بسبب عدم تخديره، قائلاً: "إنها لحظة ألم قصيرة أحسّ بها قبل أن يُغمى عليَّ بعدها"، مضيفاً أنه يجهل طريقة العلاج وما الذي سيحصل له خلالها، لأنه كان في حال نفسية حرجة.

ويتذكر رفيق لحظة استلقائه على سرير ووضع أحد الأطباء خيوطاً على جبينه كما يقول، مردفاً:" كنت أشعر بها، لكن أجهل ما هي، وفي لحظة قصيرة أحسست بألم في الرأس ورجة في الجسم، ثم أُغمي عليَّ، وبعد لحظات استرجعت الوعي". وبررت البروفيسورة بوصديق ذلك بعدم توافر مادة التخدير في ذلك الوقت، وإن كان قد توافر بعدها على حد قولها.


سلبيات غياب الاختصاصيين

تعاني مصالح الأمراض العقلية من غياب مختصين في التخدير والإنعاش وفق ما أكدته رئيسة مصلحة الأمراض العقلية في مستشفى فرانس فانون. ويعترف شكالي بعدم توافر اختصاصيين في الإنعاش، فضلاً عن وجود نقص في الوسائل بمصالح الصحة العقلية، مثل مادة التخدير بسبب الطلب الواسع عليها في باقي المشافي، كما يقول.

ويدفع الجانب المالي الاختصاصيين إلى العيادات الخاصة، بدلاً من البقاء في مشافي الدولة، بحسب تأكيد عبد الله سكيل، الأمين العام للنقابة الوطنية لأعوان التخدير والإنعاش، الذي قال لـ"العربي الجديد": "الجزائر تُحصي 4 آلاف مختص في التخدير والإنعاش. نصفهم اختاروا الذهاب نحو العيادات الخاصة".

وأوضح سكيل أن الراتب الشهري الذي يتقاضاه المختص في التخدير والإنعاش بمستشفى حكومي يبلغ 60 ألف دينار جزائري (496.24 دولاراً أميركياً)، فيما يحصل المختص على أجر نظير كل عملية جراحية في العيادات الخاصة، يصل إلى 10 آلاف دينار جزائري (نحو 82.71 دولاراً)، مضيفاً أن مختص التخدير والإنعاش الذي يشرف على 100 عملية جراحية شهرياً، وخصوصاً للنساء الحوامل ممن يخضعن لعمليات قيصرية، سيحصل بذلك على مليون دينار جزائري (نحو 8270 دولاراً)، لكن شكالي يقول: "يجب استعمال المخدر خلال جلسات العلاج بالصدمة الكهربائية، وإلا فلا داعي لإجرائها".

ما مدى فعالية العلاج بالصدمة الكهربائية؟

يتلقى المريض 12 جلسة من العلاج بالصدمة الكهربائية بمعدل جلستين في الأسبوع، وفق ما أوضح البروفيسور ثابتي، مضيفاً أنّ المريض يُهيَّأ بفحص الجسم للتأكد من سلامة الجهاز العصبي والقلب وضغط الدم والصدر، وهذا يستوجب صيام المريض ست ساعات قبل الجلسة، إضافة إلى إفراغ المثانة كما يقول.

ويعمل تأثير الصدمة الكهربائية على تغيير حركة الهرمونات العصبية بين أغشية خلايا المخ، ما يعيدها إلى حالة التوازن وتعدل عمل غدة الهيبوثلاموس hypothalamus (الغدة الصماء) التي تقع في الجزء الخلفي للدماغ، والتي تتحكم في الجهاز العصبي اللاإرادي، وتنظم درجة حرارة الجسم وتتحكم في الإحساس بالجوع والعطش والرغبة في النوم واليقظة وفق البروفيسور ثابتي، الذي قال إن 85% من مرضى انفصام الشخصية والاكتئاب يتعافون بعد العلاج بالصدمة الكهربائية.

ومن بين الذين تعافوا من المرض بعد علاجهم بالصدمة الكهربائية، رفيق خواص، الذي عبّر عن فرحته بالقول: "كنت أتناول مهدئات وعقاقير، لكن لم تُغير من حالتي قبل أن يقرر الطاقم الطبي علاجي بالصدمة الكهربائية"، مضيفاً أن الإحساس بالكآبة زال تدريجاً بعد العلاج.