انتهازيون وانبطاحيون

19 مايو 2015
+ الخط -
منذ القديم، درج الفكر البشري على محاولة التمييز بين ثنائيات متعارضة، كالخير والشر، والفضيلة والرذيلة، والحق والباطل، والعدل والظلم، إلى آخر ما هنالك من تنوع في هذه الثنائيات التي تتبدى في جميع المجالات نشاط الفكر والسياسة والاجتماع. ولكن، في الحياة السياسية، لا يمكن وضع حد فاصل بين الفضيلة والرذيلة، فكثيرا ما يتبادل الاثنان موضعهما، سنرى أن بعض الأشياء التي تبدو فاضلة للغاية، سيكون لها تاثير مهلل على الحاكم، أو صاحب القرار، عندما تتحول إلى أفعال، في حين تتصف أشياء أخرى بالنفع والفائدة، وأن ينظر إليها على أنها شريرة. وأحياناً، في السياسة، كل الأشياء تغير موضعها يصير الظلم عدلاً والعدل ظلما، ولا يمكن أن يكون للمستبد شرعية، لأنه، في ذاته ووجوده، قبيح وشرير وغير شرعي، فالحرية حق مشروع وطبيعي لكل إنسان، ولكل أمة وشعب وقومية.
ولم يتخيل السوريون، بمختلف انتماءاتهم، في يوم من الأيام، أن يصل الوضع في سورية إلى ما وصل إليه اليوم بعد أربع سنوات من القتل والتشريد والتهجير للملايين من الناس. وكله نتيجة الحرب المعلنة من قوات النظام وشبيحته والمحتل الإيراني وحزب الله على الشعب، وفتح أبواب سورية على مصراعيها في جذب الإرهابيين من كل حدب وصوب، من أجل بقاء النظام في الحكم. ومن جهة المعارضة، دخلت في نفق مظلم، بسبب التهائها بالصراعات الجانبية حول المال والنفوذ، وتسلق الانتهازيين والوصوليين صفوف الثورة وركوب الموجة، وعدم امتلاك رؤية سياسية واضحة لمستقبل سورية، ولا قيادة قادرة على إدارة الأزمة وقراءة الأحداث المتسارعة ومواكبتها وموازنة مجريات الأمور، واغتصاب القرار الوطني من المال السياسي. لذا، فإن معارضتنا تتحمل جزءاً من المسؤولية في فشل إدارة المرحلة.
وقد ظهرت فئة جديدة من الانتهازيين الذين سخروا كل إمكاناتهم في سبيل نخر أوصال المجتمع، وتهديم أسسه، وإلغاء قيمه ومبادئه، وتحويل الثورة السلمية ضد النظام الطاغي إلى حرب طائفية، لأن هذه الفئة تقتنص الفرص، لأنها مجردة من المبادئ والأخلاق، وتتصف بالنفعية والتقلب على آرائها، وتزييف الحقيقة لمصلحتها الشخصية.
وإن سيكولوجية المنافق والمنبطح المرتزق، يصعب التقاط صورتها الخامة، مع تسارع تقلباته الحربائية وتغير ألوانه في كل ثانية ودقيقة، وتحطم الرقم القياسي في الدهاء الثعلبي، وقدرته على احتكار الفرص والهيمنة على مفاتيح مداخل المبادرات، ما يجعل هويته وعنوانه هلاميين وغير واضحين. وستبقى صورة المنبطح المرتزق أسطورة، لأنه بمثابة متسول آخر "موديل"، لكن، هذه المرة، يتخذ التسول شكلا أكثر رقيا ونخبوية، إذ يستجدي الناس على قارعة الطريق بأسماله البالية، يتفنن في ارتداء أرقى أنواع اللباس، واستعمال أرقى أشكال الخطاب المنمق باللغة الخشبية، لحذف عزة القلوب وغسل أدمغة من هم دون مستواه. ومن خلال دكاكين الدعاية السياسية، يقوم بتوزيع الأفكار التافهة مجاناً، لاستقطاب عشاق الانخراط في موجة العبودية الاختيارية والتبعية المجانية، تارة باسم الأفكار الحزبية والمؤسسات السياسية، وتارة باسم العلمانية والمدنية ومحاربة الإرهاب، وتارة باسم القومية وخلاص الشعوب من الاضطهاد والظلم.
avata
avata
محمد محمود (سورية)
محمد محمود (سورية)