انتعاش السوق السوداء للعملة في مصر

04 فبراير 2014
+ الخط -

القاهرة – الجديد - وكالات

انتعشت السوق السوداء للعملة في مصر على خلفية الأوضاع السياسية والأمنية التي تمر بها البلاد ، وفي الوقت الذى يواصل فيه سعر الدولار تراجعه أمام الجنيه في السوق المصرية بسبب تراجع موارد البلاد من النقد الأجنبي تبقى السلطات النقدية عاجزة عن القضاء على هذه السوق التي تتسبب في ارتفاع أسعار السلع خاصة المستوردة وهو ما يعاني منه المواطن بالدرجة الأولى.

ولمواجهة السوق غير الرسمية اتخذ البنك المركزي المصري خطوات استثنائية لتعزيز الجنيه وكبح السوق السوداء للعملة الصعبة، ورغم ذلك تواصل التعاملات غير القانونية التي تتم من خلال السوق السوداء غير الرسمية الازدهار في الأزقة الخلفية ومكاتب الصرافة في أنحاء البلاد، كما اتسعت رقعة العاملين في هذه السوق المربحة.

كما تواصل السوق غير الرسمية للعملة نشاطها رغم تدفق مساعدات خليجية على البلاد والتي بلغت حتى الآن 15.9 مليار دولار. منذ انقلاب 3 يوليو/تموز الماضي.

وعقب عزل مرسي حصلت مصر على مساعدات وقروض مساندة بمليارات الدولارات من حلفاء الحكومة الجديدة المدعومة من الجيش في الخليج - السعودية والكويت والإمارات - رغم اضطرارها لإعادة 3 مليارات أخرى إلى قطر نهاية العام 2013 حيث حل موعد سدادها وتعتزم الحكومة المصرية المؤقتة رد 3 مليارات أخرى لقطر حين يحل أجل سندات بحلول نهاية العام الحالي.

وتعاني مصر نقصا في المعروض من العملات الأجنبية بسبب تراجع إيرادات السياحة والاستثمارات الأجنبية منذ إطاحة الجيش بأول رئيس مدني منتخب هو محمد مرسي في تموز/يوليو ، فضلا عن أن كثيرا من المصريين المغتربين العاملين في الخارج يفضلون إرسال أموالهم إلى البلاد عبر السوق السوداء التي يحصلون فيها على أسعار أعلى حيث يتراوح سعر الدولار ما بين 735 و 740 قرشا في السوق غير الرسمية .

وينظم البنك المركزي المصرى عطاءات لبيع العملة الصعبة للعام الثاني من أجل تلبية الطلب المحلي خاصة من المستوردين وعملاء البنوك.

وطرح البنك المركزى الشهر الماضي أكبر عطاء له على الإطلاق باع خلاله 1.5 مليار دولار. وأغلق أيضا نحو 13 شركة صرافة لتلاعبها في الأسعار وامتناعها عن بيع الدولار للعملاء رغم توافره لديها.

لكن السوق السوداء في القاهرة تشهد طلبا كبيرا على الدولارات ويقول متعاملون في بعض البنوك إنهم عجزوا عن تلبية طلب عملائهم عبر القنوات الرسمية على مدى أشهر.

وحافظت السلطات المصرية على سعر صرف الجنيه أمام الدولار في السوق الرسمية. وتوقف التراجع في احتياطيات البنك المركزي من النقد الأجنبي والتي اقتربت من مستويات حرجة رغم أنها لا تزال عند نصف مستوياتها قبل ثورة 25 يناير فى عام 2011.

لكن يبدو أن البنك المركزي لا يزال عاجزا عن توفير كل الدولارات التي يحتاجها الاقتصاد في حين يرى كثير من المصريين خطر المزيد من التراجع للجنيه في المستقبل ولذا فهم على استعداد لشراء الدولار من السوق السوداء وتخزينه رغم ارتفاع سعره.

ونقلت وكالة رويترز عن محمد أبو باشا الخبير الاقتصادي لدى المجموعة المالية هيرميس بالقاهرة قوله "دائما ما يكون هناك نقص في السوق تتخلله أحيانا هذه العطاءات الكبيرة."

وقدر أبو باشا الفجوة الشهرية بين الطلب على الدولار والمعروض منه في مصر بما يتراوح بين 500 مليون دولار و700 مليون شهريا بافتراض أن النمو الاقتصادي يتراوح بين 2 و3 %.

وكانت السوق السوداء للعملة مزدهرة في مصر أثناء فترة الاضطراب الاقتصادي في عام 2003. واختفت هذه السوق إلى حد بعيد مع تحسن الاقتصاد لكنها ظهرت مجددا عقب ثورة عام 2011 التي تسببت في هروب كثير من السياح والمستثمرين الأجانب.

ويبلغ السعر الرسمي للجنيه المصري بين البنوك 6.96 جنيهات للدولار وهو أضعف بنحو 11 % مقارنة مع مستواه قرب نهاية عام 2012 حين بدأ البنك المركزي نظام العطاءات لترشيد استخدام العملة الصعبة وحماية احتياطاته من النقد الأجنبي.

وقال عاملون في سوق الصرف الأجنبي " يتعين على البنوك تداول الدولارات في نطاقات محددة حول أقل سعر مقبول في عطاءات البنك المركزي وذلك في المعاملات بين البنوك وتعاملات الشركات والأفراد مما يعطي السلطات سيطرة كبيرة على أسعار الصرف الرسمية".

ولكن عمليا يجد الكثير من الشركات والأفراد المصريين صعوبة في الحصول على ما يحتاجونه من الدولارات من البنوك التجارية ومن ثم يتجهون إلى تجار السوق السوداء الذين حددوا سعر صرف العملة المصرية حاليا عند حوالي 7.35 جنيهات للدولار.

وقد يكون تجار السوق السوداء باعة جائلين يرتدون معاطف جلدية أو رجالا يرتدون سترات أنيقة ويعملون في مكاتب صرافة فخمة. أما العملاء فهم رجال أعمال أثرياء وطلاب يدرسون بالخارج ومتقاعدون يريدون حماية قيمة مدخراتهم من التضخم الذي يتجاوز 10%.

ويقول تاجر في أحد شوارع القاهرة إنه يستطيع جلب ما يصل إلى 100 ألف دولار لعملائه في غضون أسبوع.

وأضاف والابتسامة مرسومة على شفتيه "يمكنني أن أجلب لك مليونا إذا أردت."

هؤلاء التجار يحصلون على كثير من دولاراتهم من المصريين العاملين بالخارج. فتحويلات المغتربين تمثل مصدرا رئيسيا للعملة الصعبة في مصر لكن بعض العاملين يحولون أموالهم إلى أسرهم عبر السوق السوداء التي يحصلون فيها على سعر بالجنيه أكبر مما يمكن أن يحصلوا عليه إذا أرسلوها عبر الحسابات المصرفية والسوق الرسمية.

ويقول تاجر في مكتب صرافة مرخص قرب شارع عدلي التجاري في وسط القاهرة إنه يعاني في تجارته نظرا لأنه يشتري الدولارات بسعر الصرف الرسمي على عكس بعض منافسيه ممن يعملون بالقرب منه.

وأضاف "يسألني الزبون عن سعر الدولار وعندما أقول لهم السعر الرسمي لا يعجبهم وينصرفون."

واتخذت السلطات إجراءات قانونية ضد بعض شركات الصرافة إذ أغلقت 13 شركة مؤقتا الشهر الماضي لكن الحملة لم تقترب من حد استئصال السوق السوداء وقد يرجع السبب في ذلك إلى إدراك المسؤولين أن إغلاق هذه القنوات بالكامل من شأنه أن يسبب المزيد من الصعوبات للأسر والشركات في تدبير احتياجاتها من النقد الأجنبي.

وسعى البنك المركزي في كانون الأول/ ديسمبر الماضي لسد ثغرة بفي السوق الرسمية بعدما نبه البنوك التجارية إلى أنها ملزمة بتداول جميع العملات الأجنبية وليس الدولار وحده بالأسعار الرسمية.

غير أن بعض التجار قالوا إن ذلك قد يأتي بنتائج عكسية بتشجيع البنوك التجارية - التي قد تجد صعوبة أكبر في جني مكاسب من مبيعات اليورو - على ادخار العملة الأجنبية وهو ما من شأنه أن يدفع المزيد من الزبائن إلى السوق السوداء.

ويرى كثير من التجار أن السبيل الوحيد المضمون للقضاء على السوق السوداء هو قيام البنك المركزي بزيادة المعروض من النقد الأجنبي. ودشن البنك في كانون الأول/ ديسمبر 2012 نظام العطاءات لوقف الإقبال على شراء الدولار.

وقال تاجر عملة في بنك تجاري بالقاهرة "كان هدف البنك المركزي القضاء على السوق السوداء من خلال طرح عدة عطاءات خاصة" مضيفا أنه ثبتت استحالة ذلك نظرا لرد الودائع القطرية.

وبدت السلطات قريبة من تحقيق النجاح في الأسابيع التي تلت عزل مرسي حين تفجرت مشاعر تفاؤل بخصوص المستقبل السياسي في مصر أدت على ما يبدو لاجتذاب بعض الأموال إلى البلاد مجددا وهو ما خفف من حدة نقص الدولار.

وقال أحد التجار إن الفجوة بين السعر الرسمي للعملة الأميركية وسعرها في السوق السوداء تقلصت إلى نحو 5 أو 10 قروش بعد مزاد كبير لبيع الدولار في أيلول/ سبتمبر الماصي.

لكن الفجوة اتسعت مجددا في الأشهر القليلة الماضية لتصل إلى نحو 40 قرشا ورغم أنها أصغر منها في عهد مرسي حين بلغت نحو 90 قرشا لكنها كبيرة بما يكفي لتعكس اختلالا كبيرا في التوازن بين العرض والطلب.

ورغم استقرار ميزان المدفوعات في مصر بفضل المساعدات الخليجية - حيث جرى التعهد بتقديم 12 مليار دولار في تموز/ يوليو الماضي، ومن المتوقع تقديم المزيد في الأشهر القليلة المقبلة - إلا أنها لم تؤد حتى الآن إلى انتعاش في قطاع السياحة أو عودة قوية لتدفق الاستثمارات المباشرة إلى البلاد.

ويعني هذا أن الوضع الخارجي للبلاد لا يزال معرضا للخطر ولا يزال البنك المركزي عاجزا عن ضخ ما يكفي من الدولارات في سوق العملة الرسمية لتهميش السوق السوداء.

وقال محمد أبو باشا لرويترز "لا تستقبل السوق جميع المساعدات. فبعضها يدخر في البنك المركزي لإعادة ملء الاحتياطيات أو سداد ديون خارجية أو ثمن واردات."

وشهدت مصر عجزا كبيرا في ميزان تجارة السلع والخدمات بلغ 24.9 مليار دولار في السنة التي انتهت في حزيران/ يونيو الماضي بينما يبلغ صافي الاستثمارات المباشرة التي تضخ في البلاد نحو 4 مليارات دولار سنويا انخفاضا من نحو 8 مليارات دولار قبل ثورة عام 2011.

ويؤدي ذلك إلى استمرار الضغط على احتياطيات البنك المركزي من النقد الأجنبي. فحتى مع المساعدات الخليجية ارتفعت الاحتياطيات إلى نحو 17 مليار دولار فقط من 13.4 مليار دولار في آذار/ مارس 2013 لكنها تقل كثيرا عن مستواها قبل 2011 حين وصلت إلى حوالى 36 مليار دولار.

ورأى أبو باشا أن من المرجح أن يستمر نقص الدولار ما دامت مصر تعتمد بدرجة كبيرة على المساعدات الأجنبية لدعم ميزان المدفوعات.

وأضاف " في ظل مثل هذا الوضع الذي يشهده ميزان المدفوعات لن تختفي السوق السوداء قريبا."

المساهمون