انتخابات مصيرية في السويد: النازيون يطرقون أبواب السلطة

09 سبتمبر 2018
يخشى كثر صعود النازيين للسلطة (جوناثان ناكستراند/فرانس برس)
+ الخط -
تضع الانتخابات السويدية العامة، اليوم الأحد، حزب "ديمقراطيي السويد" على عتبة تغيير وجه البلاد، بعد 8 سنوات من تجربته البرلمانية منذ عام 2010. ورغم تحرره من ماضٍ نازي وفاشي، إلا أنه أبقى على جوهر الخطاب الانعزالي والشعبوي. وتوسعت فئة المؤيدين له تحت خطاب معاداة وتشدّد يطاول نحو 17 في المائة من سكان السويد (المهاجرين غير الغربيين أو المصنفين بالسويديين من مواليد دول أخرى)، وهو ما أكدته أرقام "يوروستات" (الإحصاء الأوروبي). وفي مقابل ذهاب دراسات واستطلاعات جادة منحت الحزب، بزعامة جيمي أوكسون، على الأقل أصوات 1 من كل 5 سويديين، برز ضعف معسكر يسار الوسط، الحزب الاجتماعي الديمقراطي، بزعامة رئيس الوزراء ستيفان لوفين، بأدنى نسبة تأييد خلال العقود الماضية.
وتبرز أهمية انتخابات هذا البلد الإسكندنافي لمكانته التي عُرف بها كـ"قوة إنسانية عظمى" لا يُستهان بها في قضايا الديمقراطية والمساواة والعدالة بين البشر. فاليوم لم يعد الجدل حول تركة رئيس وزراء البلد الأسبق، والأشهر بين العامة والساسة، أولف بالمه، وحفنة من معاصريه وخلفائه السياسيين. فمن سياسة الدعوة إلى "فتح القلوب" لرئيس الوزراء السابق في عام 2014 فريديريك رينفليت لاستقبال اللاجئين "الهاربين من جحيم الحرب في سورية" إلى "ورطة" تحول المهاجرين واللاجئين إلى قائمة أولويات هذه الانتخابات، رغماً عن يسار ويمين الوسط.

في الشارع وعلى وسائل الإعلام، وخلال فترة العقبات التي تلت تشكيل حكومة يسار ويسار الوسط في 2014 من خلال تهديد الديمقراطي لوفين باللجوء إلى انتخابات مبكرة، لم تغب قضية اللاجئين عن سلم الأولويات اليومية، خصوصاً مع بروز قضايا العنف في ضواحي مدن جنوب غربي البلد، والعاصمة استوكهولم.

بتدفق أكثر من 163 ألف مهاجر/لاجئ في 2015 بدأت دعوة رينفليت إلى "قلوب مفتوحة" تُستبدل بأسئلة جادة حول الهوية والوجه الإنساني للبلد، وقدرته على الدمج، ما دفع إلى أولى القرارات بإغلاق السويد لحدودها، وفرض رقابة صارمة على دخول المهاجرين عبر الدنمارك تحديداً، متبوعة بتشديدات أخرى كحلول وسط بعد اشتداد الاحتجاجات وارتفاع الأصوات المطالبة وقف استقبال المزيد. (وصل العدد في 3 سنوات إلى 244 ألف مهاجر/لاجئ).

الخارطة السياسية السويدية، في الطريق نحو استبدال 349 نائباً، حوالي 150 من النساء، وكانت تاريخياً تضع يسار الوسط في المقدمة، لكنها اليوم أكثر تعقيداً. فرغم تأكيد معظم الأحزاب، منذ حصول "ديمقراطيي السويد" على نحو 13 في المائة من الأصوات في عام 2014، أنها لن تقبل به لاعباً سياسياً برلمانياً يقرر مصير الحكومات والسياسات السويدية، إلا أن تراجع الاجتماعي الديمقراطي، من حوالي 31 في المائة في الانتخابات الأخيرة، إلى ما بين 21 و26 في المائة، وفقاً للاستطلاعات وهو تراجع كبير عن النسبة التي حصل عليها تاريخياً، والتي هي نحو 50 في المائة، لا تبشر كثيراً بتحقيق هدف ستيفان لوفين، استمرار حكم يسار الوسط.



فالاستطلاعات، على الأقل منذ منتصف أغسطس/آب لا تمنح تحالف اليسار ويسار الوسط مجتمعاً أكثر من 40 في المائة في المتوسط، رغم سعي المعسكر وضع قضايا أخرى على جدول الأولوية، غير الهجرة، كدولة الرفاهية ومستقبلها. فالصحة ورعاية كبار السن والنظام التعليمي والجرائم والعقوبات والبيئة والتغير المناخي، لم تحدّ فيما يبدو في الاستطلاعات وآراء الخبراء من اكتساح اليمين المتشدد.

ويخشى مراقبون وخبراء سويديون على وسائل إعلام بلدهم، وخصوصاً القناة الرسمية "أس في تي"، المتابعة اليومية لمجريات "التطورات التاريخية"، كما يطلقون عليها، "أن تفقد السويد ما اتسمت به من استقرار سياسي، وانفتاح على اللاجئين وعدم احتلال القضية المتعلقة بالمهاجرين سلم الأولويات"، إذ لم تشهد السويد في تاريخها الحديث انتخابات مبكرة، بل منتظمة كل 4 أعوام، على عكس حتى بعض جيرانها الاسكندنافيين المضطرين في أكثر من مناسبة لفعلها.

ويرى هؤلاء أن "ورطة تقدم اليمين القومي المتشدد" لا تقتصر على يسار الوسط. فالإعلان الجازم عقب انتخابات 2014 أن للأحزاب التقليدية، بما فيها يمين الوسط، أنها "لن تقبل الاعتماد على أصوات ديمقراطيي السويد" في البرلمان يضعها في مواجهة مع الحقيقة، في حال ثبت فعلاً حصوله على المرتبة الثانية برلمانياً.

فشروط اللعبة الديمقراطية في السويد تتطلّب وجود 175 مشرّعاً (من أصل 349) لامتلاك الأغلبية. وحتى بافتراض دخول حزب ليبرالي محافظ، الاعتدال، في تحالف مع يسار الوسط، الاجتماعي الديمقراطي، فلن يستطيع الحزبان تجميع عدد كاف من المشرعين لتأييد حكومة ائتلافية، وهو ما يجعل البعض من المراقبين يتخوف على "مصير الاستقرار السياسي في السويد"، وهو استقرار كان يُنتج تحالفات سياسية واسعة وعابرة للأيديولوجيا الحزبية.



وعليه، باتت تسمية "الحصان الأسود" تُطلق منذ فترة على "ديمقراطيي السويد"، وهو الذي استطاع بزعامة الشاب جيمي أوكسون وضع قضية المهاجرين واللاجئين في مقدمة الجدال السياسي، حزبياً وشعبياً، مع مطالب إصلاحية صارمة في قضايا أخرى عديدة، تمس أسس دولة الرخاء والرفاهية في السويد.

نظرة سريعة إلى الشخصيات المتصارعة على سدة الحكم في السويد تكشف أيضاً أن جيمي أوكسون بات فعلاً اللاعب الأساسي في سياسات السويد، إذا ما أضفنا استطلاعات كشفت عن تقدم حزبه في انتخابات مجالس المحافظات والبلديات التي ستجري في نفس اليوم، وما يعنيه ذلك من تأثير مباشر في سياسات المجتمعات المحلية. يهدف أوكسون إلى جعل حزبه أكبر أحزاب السويد، شأنه في ذلك شأن الأحزاب اليمينية القومية حول القارة العجوز، في استبدال التقليدي بآخر يبدو شبابياً وعصرياً في أفكاره المتطرفة.

قبل 3 أيام من إجراء الانتخابات العامة في السويد أشارت استطلاعات "نوفوس" في السويد إلى أن "تقسيم مقاعد البرلمان الـ349 لن تتيح بسهولة لأحد الكتلتين، يسار ويمين، لتشكيل حكومة دون توافق في الوسط لتشكيل حكومة ولاستبعاد أصوات حزب ديمقراطيي السويد"، الذي ظل رئيس الوزراء لوفين يصفه بـ"العنصري صاحب الجذور النازية" حتى ساعات قبل انتهاء الحملات والمناظرات الانتخابية.

وأظهرت الاستطلاعات أن حزب "ديمقراطيي السويد" سيحصل على نحو 20 في المائة، ما يمنحه حوالي 65 مقعداً برلمانياً. وبغض النظر عن النتيجة، مقارنة بـنحو 13 في المائة في 2014، فإن تقدمه سيجعل منه الحزب الثاني أو الثالث برلمانياً. وربما يحتل مرتبة أولى في كتلة اليمين، متفوقاً على حزب الاعتدال الليبرالي المحافظ. ومن الملاحظ أن الحزب الديمقراطي المسيحي، الأقرب لليمين المتشدد، سيكون لديه حوالي 19 نائباً، إذ تمنحه آخر الاستطلاعات 5.3 في المائة، وهي أصوات يمكنه من خلالها المساومة لتمرير مطالبه المتشددة بشأن المهاجرين، القضية الانتخابية الأسخن في السويد.



ورغم ذلك التقدم لليمين المتطرف، وتراجع يسار الوسط، يلحظ أن الاستطلاعات تمنح حزب "اليسار" تقدماً طفيفاً بحصوله على 37 مقعداً برلمانياً. وتتوقع الاستطلاعات لبقية الأحزاب 87 ليسار الوسط، للاجتماعي الديمقراطي، و20 لحزب البيئة، حليف الديمقراطي في الحكومة الحالية، وحزب الوسط 29 نائباً والحزب الليبرالي 22 نائباً، وحزب الاعتدال، الذي شكل الحكومة السابقة، نحو 70 مقعداً، من دون قدرة لأي من المعسكرين تشكيل حكومة، بعد تقدم ديمقراطيي السويد على حساب يمين الوسط. والحزب الأخير هو أكثر الأحزاب تمثيلاً بين فئة ذكور الأرياف السويدية، فيما يسار الوسط أكثر تمثيلاً إلى جانب المسيحي الديمقراطي بين نساء الأرياف. ويلاحظ أن حزب "فينسترا" (يساري) هو الأعلى تمثيلاً بين نساء المدن إلى جانب الليبرالي والبيئة.

من جهته، رأى المرشح على قائمة الحزب الاجتماعي الديمقراطي، إميل صرصور (من أصل فلسطيني سوري) في حديثه لـ"العربي الجديد" أن "حزب ديمقراطيي السويد يلعب على التخويف من السويديين من أصل مهاجر، واستغل إلى جانب الديمقراطي المسيحي، ذي الميول الصهيونية، بروز داعش وأخواتها في التطرف لبث المزيد من التخويف". وأبدى اعتقاده بأن "حظوظ اليمين المتطرف العنصري كبيرة بوجود أفعال مسيئة للبعض من المهاجرين بما ينعكس على الأغلبية". وعن رأيه بما يمكن أن تنتجه هذه الانتخابات قال إن "خطورة تقدم حزب بميول نازية يمكن أن يؤثر على بروز قرارات متشددة مستقبلاً على المهاجرين واللاجئين الجدد، وعلى دولة الرفاهية عموماً، من خلال التأثير لتبني سياسات غير عادلة في المجتمع". وصرصور، المرشح في محافظة أوبسالا، اعتبر أن "أكثر ما يرعب اليمين المتطرف هو وجود جيل شاب واع ومدرك لأهمية المشاركة السياسية، لأن هذه المشاركة تنسف تماماً أفكار القوى النازية والعنصرية في جعل هذا الجيل على الهامش".

توازن القوى، المتوقع له الاختلال في استوكهولم، تتصدره شخصيات سياسية مفتاحية في هذه الانتخابات. فإلى جانب رئيس الوزراء الحالي، ستيفان لوفين، الأقرب إلى الجناح النقابي الشعبي في "الاجتماعي الديمقراطي"، يبرز منافسه أولف كريسترسون متزعم الليبرالي المحافظ، الاعتدال، الذي خسر الانتخابات الماضية بزعامة رئيس الوزراء السابق رينفليت في 2014. لكن، إلى جانب هذين السياسيين تبرز أيضاً "جوكر" تحالف يمين الوسط، آني لووف، زعيمة "حزب الوسط". تود لووف أن ترى أولف كريسترسون رئيساً للوزراء، لكنها تختلف أيضاً مع بعض أحزاب التحالف الأخرى تجاه عدد من القضايا.



ورغم أن أغلب رموز "الاعتدال" أكدوا رفضهم التعاون المباشر مع أوكسون المتشدد، إلا أن كريسترسون ترك الباب مفتوحاً لمثل هذا التعاون استناداً إلى المتوقع في النتائج، وذلك من أجل "تشكيل حكومة مصغرة"، مدعوماً بموقف مماثل من "الديمقراطي المسيحي"، يستند على دعم "سلبي" من نواب "ديمقراطيي السويد"، على طريقة نظيره "الشعب الدنماركي" في برلمان الدنمارك بشأن حكم تحالف يمين الوسط بزعامة لارس لوكا راسموسن.
وبالنسبة للسياسية لووف "فهذا أمر مرفوض تماماً"، كما جاء في المناظرات التلفزيونية قبيل التصويت، وهو أيضاً موقف يدعمها فيه "الحزب الليبرالي". لووف ترى أنه يمكن تشكيل "حكومة وسط"، من يمين ويسار وسط، وهو الأمر الذي يُعول عليه لجعل "ديمقراطيي السويد" ونوابه بلا تأثير.

موقف زعامة حزب الاعتدال الجديد، في الدعم غير المباشر لجيمي أوكسون، يخشاه مراقبون من أن يؤدي إلى تشظي الحزب الأكبر في معسكر يمين الوسط. فزعيمه السابق فردريك رينفليت وصف الحزب بأن "نواته الصلبة مشكلة من أكثرية عنصريي السويد وكارهي الأجانب"، وهو موقف يشاطره فيه عددٌ من التيارات والشخصيات السويدية، على جانبي الخارطة الحزبية.

وما عمّق المخاوف في يمين الوسط أن هذا الحزب الليبرالي المحافظ، الاعتدال، غير من خطاباته السياسية بالتدريج ليحصل تقارب بينه وبين اليمين القومي المتشدد في "ديمقراطيي السويد"، وخصوصاً في قضية الهجرة واللجوء. وهي القضية التي يبدو أنها ستحسم اتجاهات رياح السويد الجديدة من "قوة إنسانية عظمى" (كما يطلق عليها في اسكندنافيا والشمال) إلى أخرى تشبه بقية اتجاهات القارة الأوروبية نحو تطبيع مع الشعبوية، وتبشير بأيديولوجيا "المجتمعات المتجانسة"، بتهميش نسب كبيرة من ساكنيها، ذوي الأصول المهاجرة، وهو ما يرى فيه مراقبون وخبراء "دخولاً في حلقة مفرغة" من تراجع للأحزاب التقليدية الوازنة في عموم القارة لمصلحة مغامرة بنفس قومي يكتسح في أكثر من مكان.

وفي الأرقام فإن حوالي 86 في المائة شاركوا في الانتخابات السابقة 2014. وتشكّل النساء نحو 44 في المائة من البرلمان السويدي، وهي نسبة تتجاوز جارتها الدنمارك، التي تتمثل فيها 37.4 في المائة بمقاعد برلمانية. ويتمثل تحالف "الحمر الخضر" بمجموع 159 نائباً. وهو تحالف مشكّل من الاجتماعي الديمقراطي بـ113 نائباً وحزب البيئة 25 نائباً والحزب اليساري 21 نائباً. أما تحالف يمين الوسط فيملك مجموع 141 نائباً. وفي المقدمة يقف حزب الاعتدال بـ 84 نائباً وحزب الوسط 22 نائباً والحزب الليبرالي 19 نائباً والمسيحي الديمقراطي 16 نائباً. أما في معسكر اليمين القومي المتشدد فقد حصل حزب "ديمقراطيي السويد" على 49 نائباً في انتخابات 2014، ويخشى مراقبون أن يضاعف العدد، أو زيادته بشكل ملحوظ، ما يجعل الخارطة معقدة، مع تراجع بقية الأحزاب.


دلالات