وعلى الرغم من أن هذه الانتخابات خدمية بامتياز، إلا أن بُعداً سياسياً كبيراً لها، هذه المرة. وبينما تعوّل المعارضة عليها لتكون منطلقاً لمحاولة إطاحة حكم "العدالة والتنمية"، الحاكم منذ 17 عاماً، مركّزة على ما تصفه بفشل أصاب سياسات الرئيس رجب طيب أردوغان، فإن الحزب الحاكم يدرك خطورة أي تراجع في الأصوات على مستقبله، وإمكانية أن تذهب المعارضة إلى حد المطالبة بانتخابات مبكرة، ما جعل الطرفان يوظّفان كل ما يملكانه من أوراق قوة في المعركة الانتخابية، خصوصاً أن استطلاعات الرأي تظهر تقارباً في نسب الأصوات، ووجود نسبة غير قليلة ممن لم يقرروا بعد الجهة التي سيصوّتون لها.
أما المعارضة، فهي تستفيد من إعادة توزع الخريطة السياسية، مع دخول الحزب "الجيد" القومي المحافظ، على خط الانتخابات، بعد الدخول للبرلمان، وتحقيقه نسبة أصوات جيدة في الانتخابات الرئاسية والبرلمانية، على حساب "العدالة والتنمية". وتسعى المعارضة من خلال "تحالف الشعب"، الذي يضم حزب "الشعب الجمهوري" العلماني الكمالي، والحزب "الجيد"، وحزب "السعادة" الإسلامي، وحزب "الشعوب الديمقراطي"، وأحزاب صغيرة أخرى، لحسم النتائج في أنقرة وإسطنبول لمصلحتها، حينها ستتجه البلاد لا محالة إلى انتخابات مبكرة، وفي حال رفضها أردوغان، فإن المعارضة قد تلجأ إلى الشارع.
وفي العموم، تُظهر الاستطلاعات تفوّقاً لـ"العدالة والتنمية" ضمن "التحالف الجمهوري" في إسطنبول، وتفوقاً بسيطاً جداً في أنقرة مع وجود خطورة في خسارتها. ولكن هذا التحالف يعاني في ولايات إزمير، وبورصة وأضنة. فشركة "أوبتيمار" لاستطلاع الرأي، وجدت أن مرشح "التحالف الجمهوري" في إسطنبول، بن علي يلدريم، متفوق في الاستطلاعات على خصمه مرشح "تحالف الشعب" أكرم إمام أوغلو، بحصوله على 45.9 في المائة من الأصوات مقابل 41.6 في المائة للثاني، فيما بلغت نسبة المترددين 12.5 في المائة، وهؤلاء عادة من يحسم النتائج في يوم الانتخابات. أما شركة "غيزجي" للاستطلاعات، فذكرت أن يلدريم أيضاً في المقدمة بإسطنبول بنسبة 45.2 في المائة، مقابل 40.6 في المائة لإمام أوغلو، ونسبة المترددين 13.1 في المائة.
وفي أنقرة، يتقدّم وفق استطلاعات الرأي مرشح "التحالف الجمهوري" محمد أوزهاسكي على خصمة مرشح "تحالف الشعب" منصور يافاش، بحصوله على 46 في المائة من نوايا التصويت، مقابل 41.1 في المائة للثاني، فيما نسبة غير المقررين بلغت 11.2 في المائة. ويُجمع مسؤولو شركات استطلاع الرأي على أن هناك محددات تتحكم بالنتائج آخر لحظة، منها حصول تطورات سياسية أو اقتصادية مؤثرة، ومنها أيضاً حسم المترددين آراءهم مما يؤثر على سير العملية الانتخابية.
من جهتها، ذكرت شركة "آدا" أن هناك تقدماً لـ"التحالف الجمهوري" في إسطنبول وأنقرة، مقابل تقدّم "تحالف الشعب" وبنسبة كبيرة في ولاية إزمير. كذلك أشارت الشركة إلى أن ولايات كبرى، مثل بورصة وأضنة، تحمل مخاطر بالنسبة لـ"التحالف الجمهوري"، في ظل تقدّم "تحالف الشعب" المعارض، مما سيرفع من حدة المعركة الانتخابية في هذه الولايات.
ويراهن كل تحالف سياسي على مرشحيه البارزين، فحزب "العدالة والتنمية" لجأ إلى طمأنة القاعدة الشعبية الداعمة له، من خلال تقديم أسماء من الوزراء والقياديين في الحزب، مثل رئيس البرلمان بن علي يلدريم لرئاسة بلدية إسطنبول، ووزير التجارة السابق نهاد زيبكجي لولاية إزمير معقل العلمانية. فيما دفعت المعارضة بشخصية شابة في إسطنبول، هو أكرم إمام أوغلو، واسمه قريب من الأوساط المحافظة، وظهر على وسائل التواصل الاجتماعي يقرأ آيات قرآنية في تأبين ضحايا مجزرة نيوزيلاندا. كما أن تحالف المعارضة دفع بالمرشح التوافقي في أنقرة، منصور يافاش، الذي يتمتع بشعبية كبيرة، وكان في الانتخابات المحلية السابقة قريباً من الفوز على خصمه من "العدالة والتنمية" مليح غوكشيك.
ومن المفارقات أن مرشح حزب "العدالة والتنمية" في ولاية إزمير، نهاد زيبكجي، حاول بشتى الوسائل التقرب من الناخبين العلمانيين، ليجد في نبيذ إزمير ضالته، متعهّداً بنقله إلى العالمية، وتطوير مشاريع للولاية. وتُظهر استطلاعات الرأي أن محاولاته هذه لم تأتِ بالنجاح للحزب في معقل العلمانيين، ليكون القول الفصل للناخبين، مع إغلاق صناديق الاقتراع مساء اليوم، وفرز نتائج الأصوات.
أما أبرز عشرة مرشحين من قبل "التحالف الجمهوري" و"تحالف الشعب" للانتخابات، فهم:
بن علي يلدريم
مرشح "العدالة والتنمية" في إسطنبول، سجله حافل في مجال مشاريع البنى التحتية للمواصلات، ومن أبرز نقاط القوة لديه خبرته في السياسة والإدارة، فضلاً عن قربه من عامة الشعب وكلامه الذي يشبه أبناء منطقة الأناضول المحببة لدى العامة. ولكن تؤخذ عليه تبعيته الكاملة لأردوغان، وأنه ينفذ التعليمات الصادرة منه، الأمر الذي يقلل من مكانته وشخصيته. وتنقلاته الأخيرة تدل على ذلك، من رئاسة الوزراء إلى رئاسة البرلمان، ومن ثم العودة إلى رئاسة بلدية إسطنبول، وهو ما يشكّل نقطة ضعف.
أكرم إمام أوغلو
هو مرشح حزب "الشعب الجمهوري" في إسطنبول، معروف عنه طاقته الشبابية الحيوية، وتقرّبه من العامة، فهو يرقص ويغني معهم، كما ظهر أخيراً يقرأ القرآن لينافس أردوغان الذي كان قد تفرّد بهذا التصرف من بين السياسيين. وتُحسب له سعة صدره إزاء المضايقات التي صادفته في جولاته الميدانية من قبل أنصار "العدالة والتنمية"، بينما يؤخذ عليه أنه غير معروف بشكل كافٍ لدى العامة، حتى أنه غير معروف لجمهور المعارضة، فهو رئيس لإحدى بلديات إسطنبول، ولدورة واحدة، وينافس واحداً من أكثر الخبرات في البلاد، مما يضعه في موقف صعب.
محمد أوزهاسكي
يتميز مرشح "العدالة والتنمية" في أنقرة، بأنه شغل سابقاً رئاسة بلدية قيصري الكبرى مرتين، وقبلها بلديات في الولاية نفسها، ويمتلك خبرة كبيرة في مجال الخدمات، فضلاً عن كونه قيادياً بارزاً في حزب "العدالة والتنمية". خبراته الكبيرة في الإدارة جعلته بديلاً لرئيس بلدية أنقرة السابق مليح غوكشيك، ويسعى لكسب أصوات الناخبين. لكن من نقاط ضعفه عدم معرفته الكافية بالعاصمة أنقرة، وهي الولاية الثانية في البلاد لجهة المساحة، ولها أبعاد وحساسيات سياسية عديدة، وهو القادم من مدينة قيصري المحافظة أمام خصم من أبناء المدينة.
منصور يافاش
مرشح حزب "الشعب الجمهوري" في أنقرة، لديه خبرات كبيرة في رئاسة البلديات، إذ كان رئيساً لبلدية بي بازاري في أنقرة، وترشح للانتخابات السابقة وخسرها بفارق ضئيل أمام منافسه من حزب "العدالة والتنمية". من نقاط قوته أنه محامٍ مخضرم ولديه خبرات كبيرة، ويحظى بإجماع المعارضة. ولكن في المقابل، وُجهت له اتهامات بالتلاعب والابتزاز من قبل بعض المواطنين، وهذه الاتهامات التي أخذت صدى إعلامياً لم تحصل على إجابات كافية. وفي مؤتمر صحافي له، اكتفى بنفي الاتهامات من دون استقبال أسئلة الصحافيين.
نهاد زيبكجي
يُحسب لمرشح "العدالة والتنمية" في إزمير أنه قاد في مرحلة ما دفة وزارة التجارة والاقتصاد، إذ عرفت تركيا خلال ولايته نمواً ونجاحات اقتصادية كبيرة، ما أضاف له خبرات كبيرة في مجال الإدارة والتخطيط، وشكّل جزءاً من نجاحات حزب "العدالة والتنمية". هو من الشخصيات التي يثق بها أردوغان، ولكن يؤخذ عليه أنه ليس من ولاية إزمير، بل من مدينة دنزلي القريبة، كما يؤخذ عليه إفراطه في محاولات التقرب من الناخب العلماني في تصريحات جدلية حول المعتقدات التي تختزل العلمانيين واهتماماتهم.
مصطفى تونج سويار
هو مرشح حزب "الشعب الجمهوري" في إزمير، يتمتع بخبرة إدارية كبيرة، وكان رئيس بلدية مدينة سفري حصار، كما شغل منصب رئيس غرفة تجارة إزمير، فضلاً عن ترؤسه ملف معرض إزمير إكسبو العالمي بتعيين من قبل الحكومة. لديه خبرات كبيرة ومعرفة بالأمور الإدارية والقانونية والمالية، ويعمل مع "الشعب الجمهوري" منذ الفترة الانتخابية السابقة. يؤخذ عليه عدم إجماع المعارضة على ترشحه، إذ ظهرت أصوات داخل الحزب تعترض على ترشحه، وكذلك من بعض أبناء المدينة، مع تفضيل ترشيح آخر، وهو غير معروف من قبل كل أبناء الولاية.
علي نور أكتاش
مرشح "العدالة والتنمية" في بورصة، هو الرئيس الحالي لبلدية بورصة وينتمي لهذه الولاية، ولديه معرفة كبيرة في إدارة شؤونها. من مؤسسي حزب "العدالة والتنمية"، وتدرج في المناصب فيه، ويُعرف بأنه مقرب من قيادات الحزب. عمله في القطاع الخاص جعله يمتلك الخبرة الإدارية المناسبة، ولكن ما يؤخذ عليه أن الخدمات المقدّمة في الولاية لاقت انتقادات أخيراً لجهة تطوير الطرقات العامة، وعدم مواكبتها التطورات في تركيا، الأمر الذي انعكس على تراجع أصوات "العدالة والتنمية" في بورصة.
مصطفى بوزباي
مرشح حزب "الشعب الجمهوري" في بورصة، هو رئيس بلدية نيلوفر في بورصة، وله خبرة إدارية اكتسبها من تحصيله العالي للهندسة المدنية. مدرك لأوضاع المدينة، والبلدية التي يترأسها من أفضل المناطق الجديدة ضمن بورصة، وتضم أحياء حديثة متطورة. تلقى تحصيله العلمي كله حتى الجامعة في بورصة، ما يجعله يدرك المشاكل التي تعاني منها الولاية. لكن من النقاط التي تؤثر عليه أن أبناء الولاية المحافظين القوميين قد يرفضون التحالف مع حزب "الشعوب الديمقراطي" المؤيد لحزب "العمال الكردستاني"، الأمر الذي قد يثير حفيظة الناخب.
جمعة علي أتيلا
مرشح حزب "العدالة والتنمية" في ديار بكر، وهو رئيس بلدية ديار بكر الحالي المعين من قبل الحكومة بقرار رئاسي بعد توجيه اتهامات للبلدية السابقة المنتمية للأحزاب الكردية بموالاتها لحزب "العمال الكردستاني". قيادي بيروقراطي، شغل مناصب قائم مقام في عدة ولايات، يحسب له أنه تمكّن عبر دعم حكومي من تقديم خدمات كثيرة للمدينة ذات الأغلبية الكردية، لكن هذه الخدمات قد لا تكون كافية لكسبه الانتخابات، إذ إن الأكراد القوميين يعتبرون الولاية معقلهم، ولكن الحكومة هددت بفرض رئيس بلدية في حال كانت موالية لـ"العمال الكردستاني".
عدنان سلجوق مزراقلي
مرشح حزب "الشعوب الديمقراطي" في ديار بكر، كردي من ولاية أورفة، طبيب ومتميز في التعليم الأكاديمي، كما ساهم في تأسيس كليات طب جديدة في المنطقة، نظراً لدراسته الطب في أفضل الجامعات التركية، وهي نقاط قوته إضافة لانتمائه القومي، فيما لا يمتلك الخبرة الإدارية والخدمية الكافية لإدارة شؤون البلدية، وربما الاعتقالات التي طاولت قيادات الحزب الكردي هي التي أدت للاستعانة بشخصيات معروفة فقط بمجالها الاجتماعي. وسبق أن اعتقل في إطار التحقيقات التي تجريها الحكومة حول القيادات الموالية لـ"العمال الكردستاني".