انتخابات النظام السوري... فاصل ترفيهي في مسلسل دموي

12 ابريل 2016
تنتشر صور المرشحين في دمشق بكثافة لافتة(لؤي بشارة/فرانس برس)
+ الخط -
لم تغيّر الحرب التي تمر بها سورية منذ خمس سنوات، شيئاً في طريقة إدارة النظام السوري لشؤون البلاد، ومن ضمنها ما يسمى بانتخابات مجلس الشعب المقرر أن تجري يوم غد الأربعاء، بالطريقة نفسها المتبعة منذ أكثر من أربعة عقود. وفيما أنهت اللجان القضائية للانتخابات تلقّي طلبات انسحاب المرشحين في السادس من الشهر الحالي، أكد رئيس اللجنة القضائية العليا للانتخابات القاضي هشام الشعار "الاستعداد التام لإنجاز انتخابات مجلس الشعب للدور التشريعي الثاني في 13 (أبريل/نيسان) الحالي واستكمال كل الإجراءات اللوجستية ومستلزمات المراكز الانتخابية بمختلف المحافظات". وشدد الشعار على ضرورة "إتمام العملية الانتخابية بشفافية وبما يسمح للمواطن بالإدلاء بصوته بكل يسر وسهولة"، موضحاً أن اللجنة القضائية العليا للانتخابات معنية بالإشراف على الانتخابات قضائياً لـ"ضمان نزاهتها ومصداقيتها وشفافيتها".

وقبل يوم واحد من بدء هذا "العرس الديمقراطي" كما تسميه وسائل إعلام النظام، وتشير إلى أنه "يثبت أن الدولة ما زالت قائمة"، تنتشر صور المرشحين في شوارع العاصمة دمشق بكثافة لافتة، إلى جانب صور المطربين والفنانين الذين تدعو إعلاناتهم المواطنين لقضاء أجمل السهرات في الملاهي الليلية، في مشهد قد يستعصي فهمه على المراقب الخارجي الذي يخيل إليه أن عاصمة الدولة التي تشهد معارك طاحنة منذ سنوات، لا بد أن الغلبة فيها لمشاهد الحواجز والمتاريس التي لا تغيب بدورها عن المشهد، مكملة رسم صورة نظام يعتمد المكابرة سياسة رسمية على كل صعيد.

الجديد الشكلي الوحيد في هذه الانتخابات، أن حزب "البعث" طرح قائمة مرشحيه وحيداً، وليس ضمن "الجبهة الوطنية التقدمية" كما فعل في الانتخابات السابقة، وهي قائمة من المعتقد بحسب "أدبيات الانتخابات" أن تفوز بكل المقاعد التي خصصها الحزب لنفسه، وترك في كل محافظة بضعة مقاعد تتنافس عليها أحزاب "الجبهة الوطنية التقدمية"، إضافة إلى "مستقلين"، وهم في هذه الانتخابات إما من المحسوبين على النظام، أو من المغمورين الذين يُعتقد أن الأجهزة الأمنية هي التي تقف خلفهم.

أما القائمة التي طرحها "البعث" (قائمة الوحدة الوطنية) فأعدت بالطريقة نفسها التي كانت تُعدّ فيها قوائم "الجبهة الوطنية التقدمية"، وجاءت لـ"تواكب المرحلة" الجديدة بعد إلغاء المادة الثامنة التي تخوّل "البعث"، "قيادة الدولة والمجتمع"، وفي محاولة للابتعاد عن أحزاب الجبهة المهلهلة أصلاً، فرأى الحزب أن يتحرك بعيداً عنها، بالتحالف مع قوى عوّمتها الحرب، بما يؤمن له على الأرجح ما كان يحصل عليه من تحالفه مع أحزاب الجبهة، وهي 168 من 250 مقعداً، كما كان عليه الحال منذ أربعة عقود.

ومع عقلية مثل التي تحكم الآن في دمشق، من الصعب طرح أسئلة منطقية حول كيفية إجراء الانتخابات في مدن مثل الرقة وإدلب التي لا تسيطر عليها قوات النظام، ولا في معظم الريف السوري الخارج عن السيطرة أيضاً، ولا عن كيفية إدلاء ملايين المهجرين في دول الجوار والعالم بأصواتهم.

والواقع ان أغلب المواطنين السوريين ما كانوا أصلاً يعيرون اهتماماً لانتخابات مجلس الشعب حتى قبل الحرب الراهنة، لأنهم يعتبرونها جزءاً من طقوس السلطة، ولا يشعرون بأن نتائجها يمكن أن تغيّر شيئاً في مجرى حياتهم اليومية، فبالتالي كيف سيكون الوضع اليوم وأكثر من نصف الشعب السوري مهجر ونازح داخل البلاد وخارجها، بينما تدهورت أحوالهم المعيشية والصحية والاجتماعية إلى درجات غير مسبوقة.

ويأتي إصرار النظام على إجراء الانتخابات "في موعدها"، في سياق تمسّكه باتخاذ القرارات "السيادية" ومنع حدوث "فراغ دستوري"، لتأكيد سيطرته على زمام الأمور في البلاد، التي لا يسيطر فعلياً سوى على نحو 20 في المائة من مساحتها، والتي تعبث بها قوات ومقاتلون من جميع أصقاع الأرض.

ولا تحتاج سلطات النظام إلى تزوير الانتخابات كي تحصل على النتائج التي تريدها، لأن العملية كلها تحت سيطرتها، وتستطيع إعلان النتائج التي تريدها، وعلى الرغم من ذلك، فإنه وعلى سبيل التسلية ربما، قامت سلطات الأمن السورية، كما أفاد ضابط منشق عنها، خلال الانتخابات الأخيرة لمجلس الشعب بجمع البطاقات الشخصية لآلاف المعتقلين السياسيين والجنائيين في كل السجون السورية، وأرسلتها للاقتراع في محافظة دمشق من دون إعلام أصحاب البطاقات، وذلك لرفع نسبة الاقتراح بشكل عام، ودعم بعض المرشحين الذين تريدهم السلطة.

كما طلبت الجهات الأمنية من المحافظين توزيع قوائم خاصة من السجلات المدنية تضم أسماء المواطنين على صناديق الاقتراع بغية نقل أسماء المواطنين إلى سجلات الاقتراع مباشرة ومن دون حضور المواطنين، للانتخاب بدلاً عنهم. ومما يروى أنه في إحدى الانتخابات السابقة، طلب مسؤول أمني من أحد المرشحين في محافظة حمص سحب ترشيحه، لكن هذا المرشح أبى، فتم استدعاؤه إلى فرع الأمن للاستفسار عن سبب تمنّعه، فقال إنه طبع عدداً كبيراً من الصور له، وتكلّف عليها، ولا يعرف ماذا يفعل بها. وبعد تفكير، وجد المسؤول الأمني حلاً للمشكلة، فقال له: "استخدم بعض تلك الصور أنت وعائلتك عندما تدخلون إلى التواليت، وأحضر الباقي إلى هنا، ليستخدمها عناصر الفرع للغرض نفسه".

المساهمون