انتخابات أميركا 2016: تحولات تاريخية ديمقراطية في ولايات جمهورية

27 أكتوبر 2016
يتوقع تصويت 40 % من الأميركيين مبكراً (إيثان ميلر/Getty)
+ الخط -
وسعت الحملة الانتخابية الديمقراطية خارطتها على وقع التقدم الكبير الذي تحرزه مرشحة الحزب الديمقراطي إلى الرئاسة الأميركية، هيلاري كلينتون في استطلاعات الرأي على مرشح الحزب الجمهوري، دونالد ترامب. وصرفت الحملة خلال الأيام القليلة الماضية ملايين إضافية من الدولارات على إعلانات انتخابية تلفزيونية جديدة في ولايات جمهورية، كانت حتى الانتخابات الماضية عصية على مرشحي الحزب الديمقراطي، مثل أريزونا وتكساس ويوتا وأوهايو وبنسلفانيا وجورجيا في الشرق والجنوب، وذلك بعد ظهور مؤشرات على تحولات كبيرة في توجهات ناخبي تلك الولايات وانفتاحهم على احتمال الاقتراع لصالح مرشحي الحزب الديمقراطي في الثامن من نوفمبر/تشرين الثاني المقبل.

وبعد تقدمها بـ12 نقطة على ترامب على المستوى الوطني (50 في المائة مقابل 38 في المائة) في آخر استطلاع للرأي أجرته محطة "أي بي سي نيوز"، اكتسبت كلينتون مزيداً من الثقة بالفوز، وحولت جهودها من التركيز على فضح خطاب ترامب إلى دعم حملات مرشحي الحزب الديمقراطي إلى انتخابات مجلسي الشيوخ والنواب، لتؤمن سيطرة ديمقراطية كاملة على مركزي القرار في واشنطن، البيت الأبيض والكونغرس، وتتجنب الصعوبات التي تواجهها إدارة الرئيس باراك أوباما في ظل سيطرة الجمهوريين على الكونغرس.

وتصب غالبية أرقام استطلاعات الرأي العام، وكذلك النتائج الأولية لعمليات الاقتراع المبكر التي تشهدها أكثر من ثلاثين ولاية، في صالح كلينتون. ومن المتوقع أن يقترع نحو 40 في المائة من الناخبين الأميركيين قبل موعد الاقتراع الرسمي في الثامن من نوفمبر/تشرين الثاني، وهذه نسبة غير مسبوقة في تاريخ الانتخابات الرئاسية الأميركية. وتظهر الخارطة الانتخابية لتوزع نفوذ وسيطرة الحزبين الرئيسيين، الديمقراطي والجمهوري، تغييرات عميقة في اتجاهات التصويت، حيث تلوح في الأفق هزيمة تاريخية للحزب الجمهوري، لن تقتصر على فشل مرشحه للرئاسة في الوصول إلى البيت الأبيض، بل ستحرم الجمهوريين أيضاً من السيطرة على الغالبية في مجلسي النواب والشيوخ.


تصويت الولايات
وتسجل مرشحة الحزب الديمقراطي تقدماً كبيراً على المرشح الجمهوري في كافة الولايات الأميركية، سواء الديمقراطية أو المتأرجحة، وحتى في الولايات المحسوبة على الجمهوريين منذ عشرات السنين. وحسب خارطة للتصويت، أعدتها صحيفة "نيويورك تايمز"، استناداً إلى أرقام استطلاعات الرأي العام، فإنه من المتوقع أن تحقق كلينتون فوزاً ساحقاً، وأن ينسحب هذا التفوق الديمقراطي على انتخابات الكونغرس. وتتقدم كلينتون بعشر نقاط في فرجينيا، وهي من الولايات المتأرجحة، ويتقاسم الجمهوريون والديمقراطيون تأييد الناخبين فيها. وتعتبر فرجينيا من الولايات المحظية حكومياً بسبب مجاورتها لواشنطن عاصمة القرار السياسي الأميركي. ويشكل الناخبون البيض القوة الانتخابية الأبرز، يليهم الأقليات من السود واللاتين والمسلمين. وفي فلوريدا وكولورادو ونيفادا، التي يشكل الناخبون من أصول لاتينية وآسيوية القوة الأبرز فيها، تتقدم كلينتون بثلاث نقاط، وفي مينيسوتا تسع نقاط. كما تتقدم بسبع نقاط في ويسكونسن ونيوهامشر وبنسلفانيا، وبنقطة واحدة في أوهايو. في الولايات المحسوبة تاريخياً على الحزب الديمقراطي، يصل الفارق بين كلينتون وترامب إلى 18 نقطة، كما هو الحال في نيوجرسي، و17 نقطة في نيويورك وديلاوير، و16 في كونكتكيت، و14 في واشنطن، و11 في أوريغون، و9 في نيو مكسيكو، و8 نقاط في ميشيغن التي تستقبل جالية عربية كبيرة تتركز في محيط مدينة ديترويت.


انقلاب الولايات الجمهورية
الجديد في انتخابات 2016 هو الانقلاب الذي تشهده الولايات التي تصوت تاريخياً لصالح الحزب الجمهوري، مثل أريزونا التي لم يفز الديمقراطيون بأصواتها منذ العام 1945. ويواصل ترامب التقدم بنقطة واحدة على كلينتون في هذه الولاية، لكن هذا الأمر يعتبر إنجازاً كبيراً لم يكن الحزب الديمقراطي يتوقعه. وشكل التحول الكبير في توجهات التصويت في أوساط الناخبين من أصول أميركية لاتينية، والذين باتوا يشكلون قوة انتخابية وازنة، تحديا كبيرا أمام مرشحي الحزب الجمهوري إلى انتخابات الكونغرس في هذه الولاية الملاصقة للحدود المكسيكية. وأبعد خطاب المرشح الجمهوري المعادي للمهاجرين من أميركا اللاتينية، ودعوته إلى بناء جدار فاصل على الحدود الأميركية المكسيكية لمنع تهريب المهاجرين والمخدرات، القواعد الشعبية اللاتينية التي كانت تقترع في السابق لصالح الحزب الجمهوري، ما أخل بالمعادلة الانتخابية لصالح الحزب الديمقراطي. ويحافظ الجمهوريون على تقدمهم في ميسوري بست نقاط، وفي إنديانا بثماني نقاط، وذلك بسبب ترشح حاكم الولاية مايك بينس إلى منصب نائب الرئيس إلى جانب دونالد ترامب.

ويتقدم الديمقراطيون في نبراسكا بنقطتين، وكذلك في ولاية نورث كارولاينا التي تشهد اضطرابات وصراعات انتخابية حادة، حيث يعتمد ترامب على المجموعات العنصرية المتطرفة من البيض، فيما تلقى كلينتون دعم الأميركيين السود الذين يعتبرون قوة انتخابية مرجحة في الولاية. كما يرتبط تراجع الجمهوريين في نورث كارولاينا بانقسامات الحزب الجمهوري والحرب القائمة بين المؤسسة الحزبية وترامب. وفي ولاية جورجيا المجاورة لعب العامل الديمغرافي الذي تغير في السنوات الأخيرة لصالح الأقلية الأميركية اللاتينية دوراً مهماً في نجاح الحزب الديمقراطي في إيجاد موطئ قدم في الولاية الجنوبية المحافظة، ومنافسة الجمهوريين على تمثيلها في مجلسي النواب والشيوخ. وبالتوازي مع تقدمها على ترامب بأصوات الناخبين على المستوى الوطني، تتوقع استطلاعات رأي سيطرة شبه كاملة لكلينتون على أعداد المندوبين الذين تختارهم الولايات، ويشكلون الهيئة الناخبة للرئيس. وتظهر الخارطة الانتخابية الحالية أن مرشحة الحزب الديمقراطي ستحصل على 307 مقابل 171 مندوباً لترامب، علماً أن الفوز في الإنتخابات الرئاسية الأميركية يلزم المرشح الحصول على 270 مندوباً.

ويتخوف مراقبون من تداعيات حملة التشكيك بنزاهة العملية الانتخابية، ومقولة تزوير الانتخابات التي لجأ إليها ترامب، على سلمية المشهد الإنتخابي الأميركي. ويخشون من لجوء مجموعات عنصرية متطرفة تناصر ترامب إلى العنف بهدف تعطيل العملية الانتخابية والتأثير على نتائجها، أو للاحتجاج على تلك النتائج إذا هزم ترامب. ويرى مراقبون أن الحملات الإعلامية العنيفة التي تعرض لها ترامب على كافة الجبهات، بعد سلسلة الفضائح التي ضربت حملته الانتخابية، أكسبته المزيد من التعاطف في أوساط جمهوره من البيض الحانقين على المؤسسات الحزبية، الجمهورية والديمقراطية، وعلى النظام السياسي الأميركي، والذين يجذبهم خطابه اليميني المعادي للمهاجرين من بلدان أميركا اللاتينية والمسلمين. ويذهب محللو اتجاهات الرأي في الولايات المتحدة إلى أن تلك المجموعات العنصرية المتطرفة هي التي صنعت ظاهرة ترامب، وجعلت من نجم تلفزيون الواقع ومنظم مسابقات ملكات الجمال زعيماً سياسياً شعبوياً.

وفي مقابل العزلة التي يواجهها ترامب في الحزب الجمهوري، وابتعاد رموز الحزب عنه، تحظى كلينتون بدعم ميداني من رموز الحزب الديمقراطي، من أوباما وزوجته ميشيل ونائبه جو بايدن، إلى السيناتور بيرني ساندرز وزوجها الرئيس الأميركي الأسبق، بيل كلينتون ونائبه المرشح الديمقراطي السابق آل غور. وينظر الديمقراطيون إلى الاستحقاق الانتخابي المقبل، في ظل الانقسامات الجمهورية، على أنه فرصة تاريخية يجب انتهازها لتثبيت واستكمال السياسات والبرامج التي إنطلقت في عهد أوباما، والتي أبدى الجمهوريون معارضة شديدة لها، مثل خطة الإصلاح الصحي، أو ما يعرف بـ"أوباما كير"، وقضايا الهجرة واللاجئين وغيرها من القضايا الإجتماعية الخلافية التي يعتبرها الطرفان قضايا جوهرية في تشكيل الهوية الأميركية. على أن الحضور الديمقراطي القوي والمتماسك مقابل التشتت والانقسام الجمهوري لن تقتصر نتائجه فقط على تقدم الديمقراطيين في انتخابات 2016، بل سيطرح علامات استفهام كبيرة حول مستقبل الحزب الجمهوري في الحياة السياسية الأميركية، في ظل التحولات السياسية والديمغرافية التاريخية التي شهدتها الولايات المتحدة خلال العقود الماضية، والتطورات المنتظرة في العقود المقبلة.

المساهمون