وقفت شابة ولدت لأب بيروفي وأم دنماركية، أسلمت وتزوجت بشاب مختلط النسب أيضا، في أحد مكاتب خدمة الجمهور في مكتبة بمدينة آرهوس وسط البلاد، فنظرت إليها الموظفة متفحصة، معقبة على اسمها الذي يحتوي كنية الأب اللاتيني، بأنه "ليس اسما دنماركيا. ثم ما هذا الذي ترتدينه؟" في إشارة إلى الحجاب.
شعرت الشابة بارتباك وصدمة، وقالت لـ"العربي الجديد": "لم أصدق أذني، هي المرة الأولى في حياتي التي أتعرض فيها لموقف مشابه. انسحبت بصمت ولم أقدم حتى شكوى. وعندما أصبحت في بيتي بدأت أبكي".
قصة الشابة ليست فريدة في بلد اسكندنافي، وإنما يعاني نحو 41 في المائة من المستطلعين في الدنمارك من تمييز على مستويات عدة، وفق نتائج دراسة للوكالة الأوروبية للحقوق الأساسية في ديسمبر/كانون الأول الماضي.
في عام 2017، تعرض صبي لاجئ لمحاولة حرق من قبل زملائه في مدرسة قرية صغيرة في الدنمارك، وقبل التحقيق بالحادثة سارعت الشرطة والمدرسة لنفي أنها "على خلفية كراهية أو عنصرية"، ما فتح موجة تساؤلات حقوقية.
يتغلغل التمييز والعنصرية في أوروبا من السياسة إلى الصحافة إلى الشارع، وما زالت تنتشر بصورة مقلقة، حتى وصلت حد التمييز بحق دول وشعوب كاملة، على الرغم من أن بلدان أوروبا تملك تشريعات تعاقب على ذلك.
وأقرت منظمة الأمم المتحدة يوم 21 مارس/آذار، يوما عالميا للقضاء على التمييز العنصري، في أعقاب مذبحة بحق متظاهرين سلميين عام 1960، على يد شرطة نظام الفصل العنصري في جنوب أفريقيا، لكن السنوات الأخيرة شهدت استمرار انتشار التمييز والعنصرية حول العالم.
وأشارت دراسة حول حياة "الآخر" (غير الأوروبي، أو مختلف اللون أو الاسم)، إلى أن التمييز والعنصرية ليست مقتصرة على دولة دون أخرى، أو قطاع دون آخر، بل تمتد من التنمر والعنف الجسدي والنفسي، إلى اتهامات نمطية وعنف إعلامي وحملات كراهية على وسائل التواصل، مبينة أوروبا خلال الأعوام القليلة الماضية باتت بؤرة حقيقية لانتشار الكراهية والعنصرية.
وتحتل لوكسمبورغ المرتبة الأولى في قائمة الدول الأكثر تمييزا، بينما فنلندا في المرتبة الثانية، ومدينة هيلسنكي المعروف عنها تطورها وسعادة مجتمعها ورفاهيته، يشعر 45 في المائة من المستطلعين بالتمييز.
وعبر المسؤول في الحكومة الفنلندية، كيرس بييمي، عن صدمته من نتائج الدراسة، قائلا إن "هذه النتائج تظهر أنه لا يزال لدينا في فنلندا عنصرية".
وفي السويد، عايش 38 في المائة من المستطلعين التمييز، ويجري ذلك مع تقدم واضح في قوة اليمين المتطرف، ودخول النازيين الجدد في المنافسة على مقاعد المجلس التشريعي، ولا يختلف الأمر في هولندا كثيرا.
وعرفت أوروبا قائمة طويلة من الساسة الذين ينتهجون خطاب العنصرية والتمييز خلال العقدين الماضيين، قبل أن يبرز خطاب الرئيس الأميركي دونالد ترامب، وبين هؤلاء قادة أحزاب ومجتمعات أسهموا في التعامل مع جريمة العنصرية باعتبارها "مجرد تعبير عن الرأي". ورغم التشريعات، فقد كررت وزيرة الهجرة والدمج الدنماركية، انغا ستويبرغ، ألفاظا يعاقب عليها القانون عن المسلمين.
وبات متكررا أن يخرج عضو برلمان أو سياسي أو وزير ليطالب بـ"تنظيف البلد من المسلمين"، وحين تصدت البرلمانية من أصل تركي، أوزليم تشكيك، لهذه الأفكار، قوبلت بحملة عنصرية على وسائل التواصل وفي الصحف، ووصلت إلى موقعها الرسمي.
ورغم ملاحظات اللجنة الأوروبية لمناهضة التمييز عام 2017، لا تزال حكومة يمين الوسط، وفي المقدمة الوزيرة المثيرة للجدل ستويبرغ، رافضة لتغيير القوانين، بل تصرح علانية بأن "الإسلام هو السبب في كون المسلمين في الدنمارك يختارون العيش في مجتمعات موازية خارج المجتمع".
ويقول الباحث في شأن الهجرة، جون فيسترغورد، لـ"العربي الجديد"، إنه رغم الانتقادات لم تتراجع الحكومة عن التمييز ضد الجيل الثاني والثالث من أبناء المهاجرين بتهم يتلقفها اليمين المتعصب بعد أن أصبحت ستويبرغ قدوة لهؤلاء الذين يرون أنه من العادي أن تطلب استمرار المحرقة النازية، ولكن هذه المرة بحق المسلمين.
ويؤكد الحقوقي الدنماركي، هيليا راتز، لـ"العربي الجديد"، أن القضية ليست محصورة في بلدان اسكندنافية، ولكن لأن موقع وقيمة الحقوق في هذه الزاوية من العالم ظلت لعقود المثل الأعلى، فإن خطورة تقدم التطرف وإنشاء أحزاب عنصرية تجعل التمييز خطيرا جدا على مستقبل أوروبا والتعايش فيها.