ينحو الوضع العراقي نحو المزيد من التطوّرات المرتقبة، خصوصاً بعد الاتفاق الضمني والعلني، بين الولايات المتحدة وإيران، على دعم حكومة، نوري المالكي. ومع استغلال الطرفين، للقاءات فيينا المتعلّقة بالملف النووي الإيراني، المنعقدة في الفترة بين 16 و20 يونيو/حزيران الحالي، من أجل ترسيخ التعاون المشترك عراقياً، أعلن البيت الأبيض، عن إعداده اقتراحاً بتحويل بعض الأموال المخصصة لأفغانستان، من أجل القيام بعمليات عسكرية محتملة في العراق، ويأتي الاقتراح الأميركي غداة إعلان الرئيس، باراك أوباما، عزمه إرسال 275 جندياً أميركياً "مجهزين قتالياً" إلى العراق لـ"توفير الحماية والأمن للموظفين الأميركيين وللسفارة الأميركية في بغداد"، قبل أن تفضح وسائل إعلامية أميركية نيته إرسال 100 جندي آخرين، لتدريب القوات العراقية على التعامل مع "تنظيم الدولة الإسلامية" (داعش).
ومن المتوقّع أن تؤدي المساعدات الأميركية عملاً جيداً في مؤازرة المالكي، بعد اقتراب المسلّحين من بغداد، إثر هجوم مفاجئ فجر اليوم الثلاثاء، وتكثيف ضغطهم على بعقوبة، خط الدفاع الأخير في الطريق الى بغداد، وسط ارتفاع متزايد في أسعار السلع الغذائية والخضروات في العاصمة.
وكان مساعدون في الكونغرس أعلنوا، أن "البيت الأبيض يعدّ اقتراحاً بتحويل بعض الأموال التي كانت مخصصة لاستخدامها في أفغانستان، إلى عمليات عسكرية محتملة في العراق". كما ذكرت وكالة "رويترز".
وفي الوقت الذي يعدّ فيه مسؤولو البيت الأبيض ردّاً على الأزمة العراقية، تم إبلاغ نواب في الكونغرس بأنهم سيقدمون هذا الأسبوع، أو الذي يليه، طلباً من أجل تمويل "العمليات الخارجية الطارئة"، مقتطعين بعض الأموال المخصصة لأفغانستان.
كما نقلت وسائل إعلامية أميركية عن مسؤولين أميركيين لم تفصح عن هوياتهم، أن "البيت الأبيض يدرس إرسال قوة خاصة صغيرة تتكون من حوالي 100 جندي، إلى العراق، لتدريب القوات العراقية على التعامل مع داعش".
ورغم إعلان أوباما عدم نيته إرسال قوات أميركية للقتال في العراق، إلا أن عدداً من المعلقين الأميركيين عبروا عن اعتقادهم بأن أوباما "يرغب في إرسال جنود أميركيين إلى العراق لتدريب قوات الأمن العراقية التي تبدو على وشك التفكك"، حسب ما أفادت وكالة "الأناضول".
ميدانياً، يواصل تحالف من أربعة فصائل مسلّحة فرض حصار شبه كامل على العاصمة العراقية بغداد، لليوم الثالث على التوالي، بينما تتابع القوات الحكومية والمليشيات المساندة لها، حشدها داخل العاصمة، وسط إجراءات أمنية مشددة، رافقها ارتفاع في أسعار المواد الغذائية والوقود، بعد قطع معظم الطرق بين العاصمة والمدن الزراعية المحيطة بها.
وفي وقت كان المراقبون يترقّبون مجريات الوضع في بغداد، فجّر المسلّحون مفاجأة غير متوقعة، في ساعة مبكرة من صباح اليوم الثلاثاء، في مدينة بعقوبة، مركز محافظة ديالى، المجاورة لإيران، ونجحوا في السيطرة على الجزء الغربي من المدينة، في سيناريو شبيه بما حدث في مدينة الموصل، الأسبوع الماضي.
وأشار ضابط بشرطة بعقوبة، في اتصال مع "العربي الجديد"، الى أن "المواجهات العنيفة التي دارت بين الشرطة والجيش من جهة، والمسلّحين من جهة أخرى، أسفرت عن سيطرتهم على الجانب الغربي من المدينة، الذي يضم مناطق القاطون وأم العظام والرازي والدور والزراعة، فضلاً عن سيطرتهم على مقر السرية الخامسة في الجيش، ومركزين للشرطة يضمّان عدداً من السجناء الذين تم تحريرهم".
وأضاف أن "الجيش بدأ بقصف المنطقة بعد ساعات من سقوطها، وهناك عمليات نزوح كبيرة منها الى وسط أحياء بعقوبة، بعد تمركز المسلحين في شوارعها".
وأفاد شاهد عيان يسكن المنطقة، لـ"العربي الجديد"، أن "المسلّحين الذين يقدّر عددهم بالعشرات ويحملون أسلحة متوسطة وخفيفة وقذائف صاروخية محمولة على الكتف، طالبوا الأهالي البقاء في منازلهم، حفاظاً على أرواحهم من القصف، ومنحوهم حرية البقاء أو النزوح لحين السيطرة التامة على المدينة".
ولفت الى أن "الجيش عزل تلك المنطقة الغربية عن باقي أحياء المدينة، تحسباً لمحاولة المسلحين التقدم الى مركز مدينة بعقوبة".
وفيما لا يزال الوضع على حاله في المناطق التي تسيطر عليها الجماعات المسلّحة دون أي محاولة من قبل قوات الحكومة استعادتها، يواصل سلاح الجو قصف مناطق مختلفة من البلاد.
وذكر رئيس الأطباء في مستشفى الفلوجة العام، أحمد الشامي، لـ"العربي الجديد"، أن "القصف الصاروخي أدّى الى مقتل 10 مدنيين، بينهم سبعة من الأطفال والنساء، وجرح 5 آخرين".
وأفاد مصدر أمني عراقي رفيع المستوى، لـ"العربي الجديد"، أن "الجماعات المسلّحة تطبق على بغداد من المحور الجنوبي والغربي والشمالي، فيما لا تزال المناطق الشرقية من بغداد آمنة حتى الآن".
وأوضح المصدر العامل في وكالة الاستخبارات العراقية، أن "الجماعات المسلحة تستخدم أسلحة ثقيلة وآليات، استولت عليها من الجيش العراقي في معارك سابقة في بغداد والفلوجة، والكفة متساوية معهم من حيث المعدات والأسلحة، باستثناء القوة العددية للقوات العسكرية والأمنية التي تفوقهم بأكثر من أربعة أضعاف".
وذكر أن "المسلّحين يحاولون إرباك الجيش في حال التقدم في اتجاه بغداد، من خلال استخدامهم أسلحة ودبابات وآليات، وحتى ملابس عسكرية تشبه ملابس الجنود، وهو ما سيؤدي الى تداخل الخطوط، ما قد يوقع أخطاء عسكرية كبيرة، نحاول اليوم تلافيها، من خلال استبدال بزات الجنود والقوات المساندة لها بأخرى جديدة مختلفة".
ولفت الى أن "أقرب نقطة تماس بين الطرفين باتت لا تتجاوز 7 الى 8 كيلومترات، كما أخلى سكان القرى في تلك المنطقة المحصورة بين الطرفين، مساكنهم ونزحوا الى مناطق أخرى بسبب تبادل القصف المدفعي والصاروخي بين الطرفين".
وكشف عن "وجود مساعدة أميركية في تأمين بغداد، بواسطة طائرات مراقبة للتصوير الليلي، مهمتها مراقبة تحرّكات الجماعات المسلّحة، وتسليم غرفة الرصد العسكري إحداثيات المناطق لاستهدافها، وهي مساعدة توفّرها واشنطن للعراق منذ سنوات طويلة، وليست بجديدة، لكنها كانت في السابق محدودة ومتعلّقة بالحدود والمناطق الصحراوية، غرب البلاد".
الى ذلك، اتهم "المجلس العسكري لعشائر العراق" القوات الحكومية بإعدام عشرات السجناء في تلعفر وبعقوبة قبل انسحابهم من السجون ومراكز الشرطة.
وشهدت بغداد ارتفاعاً كبيراً في أسعار المواد الغذائية وخاصة الخضار والفواكه، بعد سقوط المدن الزراعية المحيطة بالعاصمة في أيدي المسلّحين، كما ارتفعت أسعار المحروقات بعد السيطرة على مصفى بيجي، حيث بلغ سعر قنينة الغاز أكثر من 38 دولاراً.