لم تعد القلنسوة التي يرتديها رجال الدين اليهود تلفت نظر أحد في مؤتمرات حوار الأديان التي تستضيفها الدوحة سنوياً، بعدما تكررت مشاركات حاخامات غير إسرائيليين عدة مرات في هذه المؤتمرات، على الرغم من أن مشاركتهم الأولى في الدورة الثامنة للمؤتمر في العام 2011 أثارت، في حينها، جدلا واسعاً. وانتظر كثيرون منهم أَن يقدموا للعالمين، العربي والإسلامي، صورة مختلفة عن صورة إسرائيل، لكنهم غالباً ما فشلوا في ذلك. ودفعت المشاركات اليهودية في "حوار الأديان"، آنذاك، رئيس الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، الشيخ يوسف القرضاوي، إلى مقاطعة المشاركة في المؤتمر، ابتداءً من دورته العاشرة، والتي تحول فيها المؤتمر من حوار إسلامي – مسيحي إلى حوار يجمع أتباع الديانات السماوية الثلاث.
وبرر القرضاوي موقفه، آنذاك، بقوله إنه بعد الإعلان عن توسيع المؤتمر، ليكون حواراً إسلاميا مسيحياً يهودياً، قرر ألا يشارك فيه، حتى لا يجلس مع اليهود على منصة واحدة، "ما دام اليهود يغتصبون فلسطين والمسجد الأقصى، ويدمرون بيوت الله، وما دامت قضية فلسطين معلقة ولم تحل". وأَوضح القرضاوي الذي شارك في دورات سابقة للمؤتمر أنه "ليس هناك ظلم أكثر من الذي فعله اليهود بأهلنا في فلسطين، حيث جاءوا من أنحاء الأرض، وأخرجوا أَهلها وشردوهم في الآفاق، وبقروا بطون نسائهم". وعلى الرغم من موقف القرضاوي، استمر الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين في المشاركة بالمؤتمر الحالي، ممثلاً بأمينه العام، الشيخ علي محيي الدين القرة داغي.
وحرص مركز الدوحة الدولي لحوار الأديان على تأكيد أنه يدعو رجال الدين اليهودي من الدول الغربية للمشاركة في المؤتمر، وليس من إسرائيل، وهو ما أوضحه رئيس مجلس إدارة المركز، الدكتور إبراهيم النعيمي، في رد على سؤال "العربي الجديد" عن هويات المشاركين اليهود في المؤتمر، وقال "لا يوجه مركز الدوحة لحوار الأديان دعوات لشخصيات من دول لا تربطها بقطر علاقات دبلوماسية، والمشاركون في المؤتمر هم حاخامات يهود، جنسياتهم مختلفة، منها الأميركية والبريطانية والروسية".
اللافت أن مشاركات الحاخامات في المؤتمر لم تترك أَثراً يذكر في المؤتمرات المتعاقبة، وهم يأتون، في كلماتهم، على نصوص توراتية، تتحدث عن التسامح والاعتراف بالآخر، من دون أن ينجحوا في كسب ثقة علماء الدين المسلمين ورجال الدين المسيحي القادمين من الدول العربية، في مواقف تميزهم عن ممارسات إسرائيل ضد الشعب الفلسطيني. ولم يخرج أستاذ الحضارة اليهودية في الشرق الأدنى في جامعة برنستون الأميركية، الدكتور مارك كوهين، في جلسة افتتاح المؤتمر الحادية عشرة، أمس الثلاثاء، عن ذلك، وإن أشار إلى التسامح الذي عاشه اليهود في القرون الوسطى، في ظل الحضارة الإسلامية، إلا أنه، في الوقت نفسه، تجنب التطرق، في كلمته، إلى واقع الصراع الإسلامي اليهودي، في ما يخص فلسطين والمسجد الأقصى، وهرب من ذلك عندما تحدث عما وصفها بخصومات بين أتباع الإسلام واليهودية. ودعا الشباب إلى دور فاعل في مواجهة الاصطفاف الديني، والتركيز على القواسم المشتركة بين الديانتين، وتعزيز العلاقات بين الأديان والثقافات، من دون أن يوضح كيف يكون ذلك.
وأَبلغ مشاركون في مؤتمرات حوار الأديان "العربي الجديد" أَن الحوار الذي يجري سنوياً في الكواليس الجانبية للمؤتمر بين أتباع الديانات الثلاث يتطرق إلى القضايا الخلافية، وإلى الممارسات الإسرائيلية ضد الشعب الفلسطيني، إِلا أَن المشاركين اليهود يرفضون إدانة إسرائيل، والاعتراف بحقوق الشعب الفلسطيني في وطنه، وإدانة تهويد المسجد الأقصى، ما دفع القرضاوي لمقاطعة المؤتمر، واستقبل في منزله، في أثناء المؤتمر الثامن الذي شهد أول مشاركة يهودية وفداً من منظمة " ناطوري كارتا" اليهودية، والتي لا تعترف بإسرائيل، وشاركت في المؤتمر، ليؤكد أنه يميز بين الديانة اليهودية واليهود الصهاينة الذين لا يعترفون بحقوق الشعب الفلسطيني.
وجعلت مواقف اليهود المشاركين في مؤتمرات "حوار الأديان" في الدوحة مفتي القدس والخطيب السابق في المسجد الأقصى، الشيخ تيسر التميمي، يقول إنهم لا يختلفون في مواقفهم عن الاحتلال الإسرائيلي، وإنه لا جدوى من الحوار معهم. إلا أن رئيس مركز الدوحة الدولي لحوار الأديان، إبراهيم النعيمي، قال لـ"العربي الجديد" إن المشاركين في المؤتمر يسعون إلى الوصول إلى قواسم مشتركة، وإلى رغبة حقيقية في إرساء دعائم السلام العالمي، مؤمنين بالحوار سبيلاً إلى حل المشكلات وفض النزاعات وإرجاع الحقوق إلى أصحابها. ولفت إلى أن إنشاء مركز الدوحة الدولي لحوار الأديان جاء لنشر ثقافة الحوار والتعايش السلمي وقبول الآخر، وهي مهمة لا يراها سهلة، في ظل توظيف الدين في الصراعات السياسية، إلا أنه لا يراها مستحيلة.