اليمين يستثمر قضايا المهاجرين لانتقاد الحكومة الفرنسية

17 يناير 2017
استثمار قضايا الهجرة في الانتخابات (العربي الجديد)
+ الخط -
بينت الإحصاءات الجديدة عن الهجرة في فرنسا ارتفاع عدد من سُوّيت أوضاعهم من المهاجرين، وتدخل موضوعات الهجرة واللاجئين بقوة، في مختلف الحملات والسجالات الانتخابية وفي المناظرات السياسية في فرنسا، ويُركز عليها مرشحون كُثُر من اليمين واليمين المتطرف وبعض مرشحي اليسار، كمانويل فالس.

ولم يعد مستغربا أن يستثمر اليمين الكلاسيكي والمتطرف قضايا الهجرة في انتقاد السياسة الحكومية، والتهويل من الأرقام، والتخويف من القادمين الجدد. 

وحسب المعطيات الجديدة، فقد استقبلت فرنسا سنة 2016 ما مجموعه 227 ألفاً و550 شخصا من الأجانب، أي بارتفاع بنسبة 4.6 في المائة مقارنة بالسنة الماضية، وهو ارتفاع اعتبرته وزارة الداخلية "متواضعا"، في حين أن كثيرا من المعلقين اليمينيين اعتبروه خطيرا ويهدد التماسك الاجتماعي.

وفي التفاصيل، أن نسبة وثائق الإقامة "الإنسانية" ارتفعت بنسبة 41 في المائة، إلى 33 ألف شخص، في حين أن الهجرة المهنية ارتفعت بنسبة 9.4 في المائة فوصل عدد المستفيدين إلى 22 ألفاً و600 شخص. ويظلّ السبب الرئيسي لقبول المهاجرين هو الهجرة العائلية 88 ألفاً، والتي تراجعت بنسبة 2.3 في المائة. أما التجمع العائلي، فقد شمل 11ألفاً و500 شخص، سنة 2015، في حين أنّ إحصاءات سنة 2016 ليست متوفرة بعد، إضافة إلى وصول 70 ألفاً و300 طالب أجنبي، وهو رقم لا يختلف عن نظيره في السنة الماضية.

ولكن استقبال هؤلاء القادمين الجدد ترافقه عمليات طرد وترحيل الكثيرين، خارج دول الاتحاد الأوروبي، من الذين رفضت طلباتهم في الإقامة أو اللجوء. وقد شملت 6200 شخص، بانخفاض 2.3 في المائة عن السنة الماضية. أما من شملهم قرار الإبعاد من دون أي مساعدة مالية، من أوروبيين أو مهاجرين مُسجَّلين في بلدان أخرى، فهم في حدود 13 ألف شخص، أي أن هذا الرقم انخفض بنسبة 16.3 في المائة.

وإذا كان استقبال فرنسا للأجانب، سنة 2016، قد تميّز بأريحية نسبيّة، فإنه لا يجب إغفال أن الرقم ارتفع بسبب ظاهرة تدفق اللاجئين والمهاجرين، إذ إن فرنسا استقبلت 32 ألفاً و285 منهم، أي بزيادة 41 في المائة، عن السنة الماضية.

سياسات حكومية متشابهة

غالبا ما يتم الحديث عن الموقف الملائكي لليسار، حين يتعلق الأمر بالهجرة واللجوء، وهو ليس صحيحا. فإذا كان مرسوم مانويل فالس الصادر في 28 نوفمبر/تشرين الثاني 2012، قد ساهم في تسوية أوضاع نحو 30 ألفاً من المهاجرين، من بينهم 7100 شخص سنة 2016، فهو رقمٌ يظل ضئيلاً، إذا قارنّاه بـ 80 ألفاً في حكومة ليونيل جوسبان، سنة 1997، أو بـرقم 131 ألف شخص، سُوّيت أوضاعهم القانونية، حين وصل فرانسوا ميتران إلى السلطة، سنة 1981.

وحتى الرئيس الفرنسي اليميني السابق، نيكولا ساركوزي، الذي يتحدث عن تدفق المهاجرين واللاجئين إلى فرنسا وينتقد "تسامح" الاشتراكيين، فلا يختلف موقفه عن موقف اليسار، إذ إنّ عدد الذين رحَّلهم من فرنسا، خلال ولايته الرئاسية، سنتي 2011 و2012، لم يتعدَّ 12 ألف شخص، سنويا. وهي عمليات كان يتم الإعلان عنها في جلبة في وسائل الإعلام، كما هي عادة وفلسفة ساركوزي، من أجل طمأنة الرأي العام، وخاصة الناخب اليميني، بأن الأمور تحت السيطرة، في  حين أن الحقيقة تكشف أنها عمليات مكلفة ماديا، وأنها لن تمنع الشخص المطرود من العودة، كما تعترف كل الدوائر الأمنية، خاصة "الإدارة العامة للأجانب في فرنسا".

وإذا كانت صحيفة "لوفيغارو" لم تجد في هذه الإحصاءات سوى أن تضع عنواناً مستفزا: "المهاجرون السريون: عمليات الطرد في انهيار بنسبة 16 في المائة"، وهو ما يعني أنها قرأت في هذه الأرقام فشلا ظاهرا لليسار، على أمل تبني اليمين لسياسة جديدة. فهي في الحقيقة تستعيد موقفا عبّر عنه فرانسوا فيون، مرشح اليمين والوسط، في خطاب وجهه لأنصاره بعنوان "الوحدة الوطنية تقتضي سياسة جديدة للهجرة".

فقد طالب فرانسوا فيون أنصارَه بعدم السقوط في أوامر مانحي الدروس، "الذين يوجهون لنا، دوما، نفسَ الخطاب، الذي يريد أن يبدو ملائكيا، ولكنه في الواقع، خطابٌ لا واعٍ: (الحرية للمهاجرين والعار للحدود)".

إن فرنسا كريمة، يكتب فيون، "ولكنها ليست فسيفساء ولا أرضا بلا حدود. إنها أمّة لها الحق في اختيار من تريد اللحاق بها، ولها الحق في أن تفرض على الأجانب أن يخضعوا لقواعدها وعاداتها"، ويضيف: "توجد، لدينا، ومنذ المسيحية الأولى، تقاليدُ الضيافة، بالنسبة لضحايا الاضطهاد السياسي، وتوجد لدينا تقاليد الانفتاح على المواهب القادمة من الخارج، ولكن تقاليد الانفتاح، هذه، يجب أن تكون معقولة ومنطقية؛ إذ لدينا 6 ملايين عاطل عن الشغل، وما يقرب من 9 ملايين فقير، وفي هذا السياق فإن سياسة الهجرة يجب أن تكون تحت السيطرة ويتم خفضُها إلى الحد الأدنى".

هل هناك حل نهائي للهجرة؟

يدرك الساسة في فرنسا أنه ليس هناك حل نهائي للهجرة، ويقول فيون إنه يريد "الحد الأدنى" لكن من دون أن يدخل في التفاصيل، ولكن القضية التي يتهرب الساسة الفرنسيون جميعا من إثارتها، تتمثل في جيش المهاجرين السريين، وهم الذين تسهم سياسةُ تقنين اللجوء والتشدد في منح الإقامة للمهاجرين في رفع أعدادهم بشكل مهول، علما بأن فرنسا، كغيرها من الدول الغنية، يأتي إليها مهاجرون من ضحايا التغيرات المناخية وليس فقط لاجئون سياسيون ومهاجرون بسبب الأوضاع الاقتصادية، وتفتخر فرنسا بدورها الرئيسي في إنجاز (كوب 21)، وتؤكد بوضوح، أنها مع دول الاتحاد الأوروبي، ولن تتساهل مع تشكيك دونالد ترامب فيه، ولكنها تتردد في التعامل، برحمة وإنسانية، مع ضحايا هذه التغيرات المناخية، أي مع هذا الصنف الجديد من المهاجرين واللاجئين، كما يقول المرشح الاشتراكي، بونوا هامون. 




المساهمون