صوّت مجلس الأمن الدولي بالإجماع قبل أيام على القرار 2140، الخاص باليمن، تحت الفصل السابع واعتبار الوضع في هذا البلد يشكل تهديداً للأمن والسلم الدولي. البعض يرى في القرار فرصة للتدخل الخارجي في اليمن، آخرون يعتبرونه دعماً للعملية الانتقالية فيما ترى فيه فئة آخرى سيفاً مسلطاً بيد الرئيس اليمني، عبد ربه منصور هادي. الأخير اطاح الجمعة بوزير الداخية، عبد القادر قحطان ورئيس جهاز الأمن السياسي (الاستخبارت)، غالب القمش، الذي يعدّ من أقوى الشخصيات الأمنية في البلاد على مدى العقود الثلاثة الأخيرة. فهل تكون قرارات هادي الجمعة مجرد بداية، مدعوماً بقرار مجلس الأمن؟
قرار مجلس الأمن قضى بتشكيل لجنة عقوبات لتحديد أسماء من يعرقلون التسوية السياسية وتنفيذ مخرجات مؤتمر الحوار أو ينتهكون القانون الدولي والإنساني.
وعلى الإثر، قفزت أسئلة كثيرة إلى الواجهة بعد هذا القرار: ماذا يعنيه في الواقع السياسي اليمني؟ كيف سيطبق عملياً؟ كيف يمكن أن يستخدم لصالح أطراف وضد أخرى؟ وهل يمكن أن يصل إلى التدخل العسكري؟ وهل سيدعم القرار مسيرة التسوية أم سيفتح باب التدخلات الخارجية على مصراعيه؟
مخاوف وطمأنات
يرى بعض المراقبين أن القرار يتعدى مسألة الأطراف والأسماء التي يمكن أن تحددها لجنة العقوبات لتستهدفها في حال اتهامها بعرقلة التسوية السياسية. يتحدثون عن آثار مباشرة مترتبة على صدور القرار نفسه على البلد، كوضعه تحت الوصاية الدولية وكونه باباً يمكن أن تمر عبره الكثير من الأهداف والتدخلات الخارجية.
يتوقف هؤلاء عند التصويت على القرار ضمن الفصل السابع. كما يشيرون إلى أنه جاء شاملاً ولم يحدد المادة 41 التي تخص العقوبات غير العسكرية، وبالتالي فهو يجعل الباب مفتوحاً للمادة 42 التي تنص أنه "إذا رأى مجلس الأمن أن التدابير المنصوص عليها في المادة 41 لا تفي بالغرض أو ثبت أنها لم تف به، جاز له أن يتخذ بطريق القوات الجوية والبحرية والبرية من الأعمال ما يلزم لحفظ السلم والأمن الدولي أو لإعادته إلى نصابه". ولأن جميع البنود جاءت تحت "الفصل السابع" فهي تجعل الاحتمالات قائمة بأن يُفرض ما هو أبعد من العقوبات المالية.
ويرى هؤلاء أن من تلك الآثار، إجراءات يمكن أن تمثل حصاراً اقتصادياً أو تحد من التعامل الاقتصادي والتجاري مع العالم.
في المقابل، يرى المدافعون عن القرار أن العقوبات المحددة فيه هي ما يخص العقوبات المالية فقط، ولم ينص على العقوبات العسكرية. ويذهب هؤلاء إلى حد اعتبار أن التدخل العسكري إن حدث أو مجرد التلويح به هو أيضاً يستهدف "المعرقلين" ويساند الدولة.
يقول الدبلوماسي اليمني السابق، مروان النعمان، لـ"العربي الجديد" رداً على سؤاله حول إمكان التدخل العسكري: "بعيد جداً ولكن يجب نصح صالح والحوثيين (جماعة أنصار الله التي صنفتها السعودية الجمعة على أنها من الجماعات الارهابية) وغيرهم ممن تحت أيديهم أسلحة ثقيلة تسليم تلك الأسلحة لانها مرصودة واستمرارها كذلك خطير".
كذلك يرى نعمان، مثل آخرين، أن العقوبات تستهدف الأطراف التي ستحددها لجنة العقوبات من أفراد وكيانات تعرقل العملية السياسية، وبالتالي فإن القرار يأتي دعماً للحكومة وجهودها، وليس تهديداً لها.
ويضيف "الأمر لا يعني كل اليمنيين". ويشير إلى أن "ما يعني اليمنيين خطوات بقية الفترة الانتقالية الموضحة في الفقرات غير العقابية".
يقول الدبلوماسي اليمني السابق، مروان النعمان، لـ"العربي الجديد" رداً على سؤاله حول إمكان التدخل العسكري: "بعيد جداً ولكن يجب نصح صالح والحوثيين (جماعة أنصار الله التي صنفتها السعودية الجمعة على أنها من الجماعات الارهابية) وغيرهم ممن تحت أيديهم أسلحة ثقيلة تسليم تلك الأسلحة لانها مرصودة واستمرارها كذلك خطير".
كذلك يرى نعمان، مثل آخرين، أن العقوبات تستهدف الأطراف التي ستحددها لجنة العقوبات من أفراد وكيانات تعرقل العملية السياسية، وبالتالي فإن القرار يأتي دعماً للحكومة وجهودها، وليس تهديداً لها.
ويضيف "الأمر لا يعني كل اليمنيين". ويشير إلى أن "ما يعني اليمنيين خطوات بقية الفترة الانتقالية الموضحة في الفقرات غير العقابية".
القرار الصادر عن مجلس الأمن يشير إلى أن "الأفراد أو الكيانات الذين تقرر اللجنة (لجنة العقوبات المزمعة) أنهم يهددون السلام أو الأمن أو الاستقرار في اليمن أو يقدمون الدعم لتلك الأعمال"، ويتم تحديدهم وفق ثلاث نقاط.
هذه النقاط تشمل: "عرقلة أو تقويض عملية الانتقال السياسي وفق المبادرة الخليجية وآليتها الأممية. أو إعاقة تنفيذ النتائج التي توصل اليها التقرير النهائي لمؤتمر الحوار الوطني الشامل عن طريق القيام بأعمال عنف، أو شن هجمات على البنى التحتية. أو التخطيط لأعمال تنتهك القانون الدولي لحقوق الإنسان أو القانون الإنساني الدولي، أو أعمال تشكل انتهاكات لحقوق الإنسان، أو توجيه تلك الأعمال أو ارتكابها في اليمن".
هذه النقاط تشمل: "عرقلة أو تقويض عملية الانتقال السياسي وفق المبادرة الخليجية وآليتها الأممية. أو إعاقة تنفيذ النتائج التي توصل اليها التقرير النهائي لمؤتمر الحوار الوطني الشامل عن طريق القيام بأعمال عنف، أو شن هجمات على البنى التحتية. أو التخطيط لأعمال تنتهك القانون الدولي لحقوق الإنسان أو القانون الإنساني الدولي، أو أعمال تشكل انتهاكات لحقوق الإنسان، أو توجيه تلك الأعمال أو ارتكابها في اليمن".
وهو ما يستوجب الإجابة عن سؤال بماذا ستعرّف عملية الانتقال السياسي؟ يرى البعض أن عملية الانتقال السياسي تم تنفيذ أغلب بنودها، وخصوصاً بعد الحوار الوطني وانتهاء مدة العامين التي أعقبت توقيع المبادرة الخليجية. ولذلك، يرى هؤلاء أن تمديد المرحلة الانتقالية أصبح مخالفاً لأساس المبادرة الخليجية. وبالتالي يمكن أن يستخدم هذا النص ضد من يعارض التمديد للرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي أو بعض سياساته، وليس التسوية نفسها.
كذلك يرى منتقدو القرار الأممي أن النقطة الأهم التي جاء لأجلها تتعلق بفرض العقوبات على من يتهم إعاقة تنفيذ مخرجات مؤتمر الحوار الوطني. ويشير هؤلاء إلى أن مجلس الأمن الدولي فرض على اليمنيين نتائج لم يُستفتِ فيها الشعب أو تقرّها مؤسسات منتخبة، بقدر كونها إجماع ممثلي عدد من القوى في مؤتمر حوار جرى تحت إشراف غربي وفي ظل سلطة انتقالية غير مفوضة باتخاذ قرارات مصيرية.
في هذا السياق، يرى الكاتب السياسي سامي غالب، الذي يعارض القرار، أنه استهدف أمرين: الأول "تعويض انعدام شرعية هادي وحكومة الوفاق والبرلمان والسلطات المحلية، بشرعية البند السابع". ووفقاً لغالب "صار لليمنيين سلطة أمر واقع تتغول على الشعب في مجلس الأمن الذي ترتهن إليه". أما الهدف الثاني للقرار من وجهة نظره، فهو "إضفاء شرعية على بعض مخرجات حوار جرى في فندق 5 نجوم بين 560 يمنياً لم ينتخبهم الشعب اليمني قرروا مستقبله، بل تم اختارتهم النخبة الفاسدة في صنعاء".
انتقادات غالب للقرار، التي نشرها في مقال على موقع "فايسبوك"، تمتد أيضاً لتشمل التحذير من أن القرار يشجع على المضي قدماً في تغيير طبيعة الدولة اليمنية من دولة بسيطة إلى دولة مركبة". ويوضح هنا أن "أي قارئ سياسة أو فاعل سياسي حديث التجربة، يعرف أن الوصفة الفدرالية التي ينص عليها القرار الأممي قبل أن يقول اليمنيون كلمتهم، ستفتك بـ(المريض اليماني) الذي تعمل فيه مشارط القوى المحلية والاقليمية والدولية تمزيقاً وتقطيعاً وتمثيلاً لكأنه جثة ميت مجهول الهوية صارت موضوع تعلم وموضع تجريب في مشرحة كلية الطب".
تجاوُز التوافق
مما سبق، يتضح أن تطبيق القرار على أرض الواقع يأتي لمنح الرئيس هادي دعماً قوياً. ويمكن أن يتجاوز بموجبه "التوافق" المطلوب من أبرز القوى لاتخاذ قرارات سياسية هامة، وتكون هذه الأطرف عرضة للاتهام بعرقلة التسوية أو مخرجات الحوار ومهددة بـ"سيف الفصل السابع" في ما لو اختلفت مع هادي. وقد يكون ما حدث الجمعة بإقالة وزيري الداخلية ورئيس الاستخبارات أول مفاعيل القرار.
ويمكن أن يستفيد هادي من القرار، سواء كان يهدف إلى استخدامه ضد المجموعات المسلحة والمناوئة لحكمه أو المسؤولة عن التخريب، أو في ما يصب في خدمة أجندات إقليمية ودولية تستغل وجوده وحاجته إلى دعمها ولا تكون بالضرورة بمصلحة اليمنيين، وإن كانت تضع حداً لتدخل بعض القوى التقليدية المحسوبة على النظام السابق.
ولذلك، فإن كيفية تطبيق القرار تعتمد على نوايا الأطراف التي عملت على إصدار القرار الدولي. ووفقاً لذلك يمكن أن يكون تهديداً أو دعماً، غير أن سوابق التدخل الدولي و"الفصل السابع" تظل محل توجس لدى الكثيرين.
ولذلك، فإن كيفية تطبيق القرار تعتمد على نوايا الأطراف التي عملت على إصدار القرار الدولي. ووفقاً لذلك يمكن أن يكون تهديداً أو دعماً، غير أن سوابق التدخل الدولي و"الفصل السابع" تظل محل توجس لدى الكثيرين.
وفي السياق، يقول الباحث اليمني في شؤون النزاعات المسلحة، علي محمد الذهب، لـ"العربي الجديد"، إن التطبيق في المجمل سيكون وفق آلية مقرّة من قبل مجلس الأمن، طبقاً لما بيّنه القرار 2140 عن طريق لجان مخصصة، مثل لجنة الجزاءات.
ويضيف: "هنا، تظهر إشكالية في الجهة التي سيمثل أمامها مرتكبو الانتهاكات بحقوق الإنسان أهي داخلية أم خارجية؟ وهل سيخضع هؤلاء فعلاً لقرار كهذا؟". يضاف إلى ذلك "إشكالية تعريف الإرهاب ومن يمارسه في هذا البلد؟ سواء من الاطراف الرسمية (الجيش مثلاً) أو الأطراف التي تقف في مواجهته، الحوثيين أو الحراك الجنوبي أو القاعدة أو أي جماعة أخرى قد تظهر خلال السنوات المقبلة لها موقف مما يجري وقد تعبر عنه بإشهار السلاح وإعلان المواجهة المسلحة".