اليمن: أطفال شرّدهم الصراع.. يحلمون بالمدرسة

27 فبراير 2015
أصوات الانفجارات ومشاهد القتل تصيبهم بأمراض نفسية
+ الخط -

"أريد كتب المدرسة وملابسي، وأريد أن ألعب بالسيكل في حوش بيتنا"، هذه أقصى أمنيات الطفل محمد (9 أعوام) التي يكشف عنها وهو مخنوق بالوجع والصدمة. "نحن مشردون ومنزلنا فجره الحوثيون، وأتمنى العودة إلى المدرسة فقط".

أم محمد لم تستطع سماع حديث طفلها، وروت لنا وهي تكفكف دموعها الأسباب التي أجبرتها على النزوح من منطقة "أرحب" شمال العاصمة صنعاء ومعها أطفالها الأربعة، "زوجي كان يعمل مديراً لمدرسة، ولكنه أصبح مشرداً منذ اجتياح الحوثيين لمنطقتنا ومنزلنا قبل شهرين، كما تم توقيف راتبه الحكومي، فاضطررت للنزوح من أرحب إلى أحد معارفي، وليس حتى أقاربي في صنعاء".

الطفل حمزة (6 أعوام)، وهو من عائلة أخرى هي "آل الزبيري"، وقد شردهم الصراع المستعر في البلاد أيضاً، وبات حمزة يتوعد بالانتقام ممن أحرقوا سيارتهم وفجروا منزلهم عندما يكبر.

وتؤكد أم حمزة أنه منذ تفجير الحوثيين لمنزلهم تسمعه بين الوقت والآخر يردد بعفوية "جاء الحوثيون، جاء الحوثيون"، معتبرة الأمر دليلاً على أثر الخوف الذي أصابه، والذي ترك انطباعاً واضحاً في طريقة تفكيره.

اقرأ أيضاً:
يتامى الحروب في اليمن... الفَقد والفقر والنزوح


والأطفال في اليمن يشكّلون نحو 50 في المائة من السكان، وتزداد معاناتهم يوماً بعد آخر بسبب ما تعيشه البلاد من صراعات مستمرة، أبرزها الصراع في "صعدة" خلال السنوات الماضية، وانتهاءً بما يعيشه أطفال الأسر النازحة من محافظة عمران ومنطقة أرحب تحديداً، والهاربة من بطش الحوثيين.

لا تقتصر حاجات الأمهات في الأسر النازحة على المعونات الإنسانية الأساسية لاستمرار أطفالهم في الحياة مثل الغذاء والمسكن والمشرب، ولكن الأبعد من ذلك هو الوضع العام الذي قد ينتهي بهؤلاء الأطفال إلى المعاناة من مشكلات واضطرابات نفسية حادة، يتوقع الخبراء أن ترافقهم مدى الحياة.



ويركز أساتذة علم النفس على الصدمة كأكثر الآثار السلبية للحروب انتشاراً بين الأطفال، ويقولون إنه غالباً ما يصاحب الصدمة خوف مزمن (فوبيا) من الأحداث والأشخاص والأشياء التي ترافق وجودها مع شن الغارات، مثل صوت الطائرات، وانفجار الصواريخ، والتي يقابلها الطفل بالبكاء أو العنف أو الغضب أو الاكتئاب الشديد.

أما إذا كانت الصدمة ناجمة عن مشاهدة الطفل حالات وفاة مروعة أو جثثاً مشوهة لأقارب له، فيشيرون إلى أن تلك الصدمة تتسبب في معاناة الأطفال من مشكلات عصبية ونفسية ممتدة، مثل الحركات اللاإرادية، وقلة الشهية للطعام، والابتعاد عن الناس، والميل إلى التشاؤم واليأس، وسرعة ضربات القلب في بعض الحالات.

في السياق ذاته، يعاني نحو مليون طفل في اليمن، دون سن الخامسة، من سوء التغذية الحاد ومشاكل أخرى كثيرة من بينها التهريب والعمالة.

ويحذر ممثل منظمة اليونيسيف لدى اليمن، جوليان هارنس، من جعل الأطفال هدفاً لأي هجمات من قبل أي أطراف متصارعة، مبدياً إدانته لأي حادث يروح ضحيته الأطفال اليمنيون، وهي الهجمات التي بدأت تطول مدارسهم حتى.

إقرأ أيضاً:
يونيسف: سنبقى في اليمن رغم الظروف الصعبة

لم نشأ أن نقطع خلوة العم محمد صالح (62 عاماً) خلال زيارتنا منزله المتواضع، حيث وجدناه شارداً في التفكير مثل حفيده الأصغر شهاب (6 سنوات) والذي صادفناه على مدخل المنزل، وربما لم يصدق الاثنان ما حدث لهما حتى الآن.

الوالد محمد لا يزال يتذكر كيف داهم الحوثيون منزله بعد منتصف الليل، بينما هم نائمون، إذ تعالت أصوات الأطفال والنساء من شدة الخوف والفزع، وصباح اليوم التالي ترك بيته وقرر النزوح ومعه ستة من الأطفال، ولم يكن يمتلك سوى ثلاثة آلاف ريال يمني، قرر السفر بها إلى العاصمة صنعاء، ليس لزيارة ابنه الأكبر محسن، ولكن للنزوح إلى منزله حيث يعيشون جميعاً ظروفاً إنسانية قاسية، ولا يكفي راتب محسن لإعالة الأسرتين.

ويعرّض انتشار النزاعات في اليمن الأطفال بشكل متزايد لخطر التجنيد من قبل المجموعات المسلحة، ويوسع من رقعة الانتهاكات الجنسية، حيث توفر النزاعات عادة الغطاء السياسي لمثل هذه الأفعال.

وفي ظل غياب المعالجات والحلول لمواجهة هذه المشكلة التي تهدّد أحلام الأطفال اليمنيين في الحياة وحقهم في العيش، تؤكد الناشطة الحقوقية، توكل كرمان، والحائزة على جائزة نوبل للسلام، أن حماية الطفولة، خصوصاً أثناء الحرب، تعتبر مسألة ذات أهمية قصوى، ولا ينبغي التساهل بشأنها، وذلك لأن الأطفال هم المستقبل، والمساهمة في الدفع بهم للعيش بطريقة أفضل تجعل المجتمع أفضل حالاً وأمناً، على حد تعبيرها.

إقرأ أيضاً:
أطفال اليمن... التجنيد مستمر
أطفال اليمن يُطالبون المسلّحين بالرحيل عن مدارسهم
المساهمون