طالت قرارات وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين التابعة للأمم المتحدة (أونروا)، مختلف المجالات، ما انعكس سلباً على أوضاع اللاجئين الفلسطينيين في لبنان، وأولئك النازحين من سورية. اليوم، تعاني الوكالة من عجز مالي يتجاوز المائة مليون دولار أميركي. وتعزو مسؤولة الإعلام في الوكالة في بيروت زيزيت دركزللي، في حديث لـ"العربي الجديد"، هذا العجز إلى "عوامل خارجية تتعلق بازدياد الأزمات في الشرق الأوسط والعالم، وتزايد أعداد اللاجئين والأمراض المستعصية التي تحتاج إلى تمويل كبير، ما أدى إلى حدوث مشكلة تمويل في المشاريع". وتشيرُ إلى عوامل داخلية أخرى تتمثّل في ارتفاع كلفة المعيشة في لبنان، والتي تشمل الغذاء والدواء وبدل إيجارات مكاتب الوكالة ومؤسساتها الصحية والتربوية المنتشرة في جميع المناطق، وفرض بدل مالي على إقامة اللاجئين النازحين من سورية.
عجزٌ دفع الوكالة إلى اتخاذ تدابير تقشفية طالت الإدارة والمشاريع، بهدف الحد من المصاريف. فلجأت إلى صرف عدد من الموظفين الفلسطينيين وخفض نسبة التقديمات. وتشير دراسة لمكتب شؤون اللاجئين في حركة المقاومة الإسلامية (حماس)، إلى تأثير قرارات الأونروا على مختلف التقديمات الصحية والتربوية بالإضافة إلى بدلات الإيواء، ما يضع أكثر من نصف مليون لاجئ فلسطيني في لبنان، و44 ألفاً آخرين لجأوا من سورية، في دائرة الخطر الاجتماعي.
وتوضح الدراسة أن هذه التخفيضات طالت ملف إعادة إعمار مخيم نهر البارد في شمال لبنان، بعدما ألغت عقود العديد من مهندسي مشروع إعادة إعمار المخيم، عدا عن صرف حوالي 60 موظفاً، إلى جانب وقف تقديم بدلات الإيواء، وهي مائة دولار شهرياً للنازحين من سورية، وتقليص المساعدات الغذائية الشهرية من 30 إلى 20 دولاراً، ثم إلى 11 دولاراً فقط. كما شملت التخفيضات الحادة قطاع التعليمي الحيوي، ما قد يؤثّر على مستقبل التلاميذ الفلسطينيين في لبنان، والذي يقدّر عددهم بأكثر من ثلاثين ألفاً، يتلقون التعليم في 69 مدرسة تابعة للوكالة في مختلف المناطق اللبنانية. وقد قررت الوكالة زيادة عدد التلاميذ في كل صف إلى 50 طالباً، علماً أن إحصائيات مكتب "حماس" تشير إلى وجود 55 تلميذاً في 38 غرفة من أصل 1100 غرفة في مختلف مدارس الوكالة. وتؤكد الإحصاءات أن الأثر لن يطال التلاميذ وحدهم، إذ يواجه 300 مدرس ومدرسة خطر الفصل نتيجة خفض التكاليف.
في هذا الإطار، انتشرت شائعات عن قرار الوكالة تأجيل بدء العام الدراسي، الأمر الذي نفاه الناطق الإعلامي باسم الأونروا، سامي مشعشع، في بيان. من جهتها، تشير دركزللي إلى استمرار التقديمات من قبل الوكالة للاجئين والنازحين، من "خدمات اعتيادية كالصحة والتعليم، بالإضافة إلى تقديم خدمات إغاثية للنازحين من سورية، تشمل الحماية والاستشارة القانونية وتمويل المشاريع الصغيرة (مايكرو فايننس)".
ودفعت هذه الأخبار الفصائل الفلسطينية إلى الإعلان عن سلسلة تحركات احتجاجية أمام مراكز الوكالة في مختلف المخيمات في لبنان. ولم تخلُ مواقف ممثلي الفصائل من تحذيرات سياسية حول تأثير خفض المساعدات على حق العودة للاجئين الفلسطينيين. ويشير ممثل "حماس" في لبنان، علي بركة، إلى الاستعداد لتنظيم مسيرة إلى حدود لبنان الجنوبية مع فلسطين المحتلة، "تأكيداً على حق العودة الذي تسلبه منّا الدول من خلال وقف تقديماتها للأونروا، ما ينعكس سلباً على معيشة اللاجئين".
ويحذر عضو المكتب السياسي للجبهة الديموقراطية لتحرير فلسطين، علي فيصل، من فرض حلول تهدف إلى تصفية قضية اللاجئين واستهداف حق العودة، من خلال جعل اللاجئين يعيشون مزيداً من الحرمان والفقر والجهل واليأس.
إلى ذلك، أعربت منظمات حقوقية فلسطينية عن قلقها من تأثير هذه التخفيضات على الاستقرار الاجتماعي في المخيمات التي يعاني سكانها من أوضاع اقتصادية واجتماعية ضاغطة جداً. وفي الإطار نفسه، تحذّر ﻣﺠﻤﻮﻋﺔ ﺍﻟﻌﻤﻞ ﺍﻟﻠﺒﻨﺎﻧﻴﺔ ﺣﻮﻝ ﻗﻀﺎﻳﺎ ﺍﻟﻼﺟﺌﻴﻦ ﺍﻟﻔﻠﺴﻄﻴﻨﻴﻴﻦ، والمؤلفة ﻣﻦ ﻣﻤﺜﻠﻴﻦ ﻋﻦ ﺍﻟﻜﺘﻞ ﺍﻟﻨﻴﺎﺑﻴﺔ ﺍﻷﺳﺎﺳﻴﺔ ﻭﻟﺠﻨﺔ ﺍﻟﺤﻮﺍﺭ ﺍﻟﻠﺒﻨﺎﻧﻲ ﺍﻟﻔﻠﺴﻄﻴﻨﻲ التابعة لرئاسة الحكومة، من ﻣﻀﺎﻋﻔﺎﺕ تقليص ﺍلأﻭﻧﺮﻭﺍ خدماتها، ﻭﺑﻌﺾ ﺍﻹﺟﺮﺍﺀﺍﺕ ﺍﻟﻤﻘﺘﺮﺣﺔ ﻟﺘﺨﻔﻴﻒ ﺍﻟﻘﻴﻮﺩ ﺍﻟﻤﺴﺘﺠﺪﺓ ﻋﻠﻰ ﻋﻤﻞ ﺍﻟﻼﺟﺌﻴﻦ. وتخشى تضاعف حاجات اللاجئين مع بلوغ عجز الأونروا 101 ﻣﻠﻴﻮﻥ ﺩﻭﻻﺭ، ﺑﻔﻌﻞ ﻧﻘﺺ ﺍﻟﺘﻤﻮﻳﻞ ﻣﻦ قبل ﺍﻟﻤﺎﻧﺤﻴﻦ.
وقدمت المجموعة مذكرات عدة للحكومة اللبنانية لتحسين أوضاع اللاجئين الفلسطينيين في لبنان، من خلال ﺣﻞ ﻣﺸﻜﻠﺔ عمل ﺳﺎﺋﻘﻲ ﺍﻟﺴﻴﺎﺭﺍﺕ ﺍﻟﻌامة ﻭﺍﻟﺼﻴﺎﺩﻳﻦ ﻭﺍﻟﻤﻤﺮﺿﻴﻦ.
اقرأ أيضاً: فلسطينيّون مصروفون.. المنظمات الدوليّة تستغني عن خدمات العشرات