الوكالة الدولية للطاقة الذرية الأكثر تعاوناً مع إسرائيل

04 أكتوبر 2016
شنّ نتنياهو حملة ضد النووي الإيراني (دون إميرت/فرانس برس)
+ الخط -
كشف تقرير لصحيفة "هآرتس" الإسرائيلية أن سياسة الضبابية والغموض التي اعتمدتها الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة منذ أوائل الستينيات من القرن الماضي بشأن حقيقة مفاعلها الذري في ديمونة، وترسانتها النووية الحقيقية، عادت بالفائدة على إسرائيل. وبحسب تقرير للصحافي حاييم ليفنسون، اتضح أن الوكالة الدولية للطاقة الذرية، هي أكثر المنظمات الدولية التابعة للأمم المتحدة، التي تحمل موقفاً إيجابياً ومتعاوناً مع إسرائيل، علماً أن وظيفتها الرئيسية بالأساس متابعة تطبيق معاهدة حظر نشر أسلحة الدمار الشامل. ومع أن إسرائيل لا تزال تمارس السياسة "الضبابية" نفسها، إلا أن ذلك لم يمنع توافد عدد محدود من كبار مسؤولي وكالة الطاقة الذرية الدولية، على الجناح الإسرائيلي الذي افتُتح في مقر الوكالة في فيينا الثلاثاء الماضي مع انطلاق مؤتمرها السنوي. وأشار تقرير "هآرتس" إلى أنها المرة الأولى التي تفتتح فيها إسرائيل جناحاً لها في أروقة الوكالة الدولة منذ تأسيس الوكالة قبل ستين عاماً.
وقال كاتب التقرير إن الجناح الإسرائيلي بدا بائساً مقارنة بأجنحة الدول الأخرى، مثل الولايات المتحدة وروسيا، لكنه تضمّن عروضاً لخدمات "وخبرات" إسرائيلية مقدّمة لزوار المعرض، تتمحور في المجال التجاري فقط، من خلال شركة تابعة لمركز أبحاث الذرة الإسرائيلية. وتتراوح العروض الإسرائيلية، بحسب الصحيفة، بين رزم تطوير حزمات أشعة لمرضى السرطان، واستخدام الأشعة في مكافحة الحشرات، وغيرها. واعتبر التقرير أن أهمية الحدث ليست نابعة من "المعروضات الإسرائيلية" وإنما من مجرد افتتاح جناح إسرائيلي في المؤتمر السنوي، وحضور اثنين من نواب رئيس الوكالة الدولية لتدشين الجناح، مع سفراء عدد من "الدول الصديقة" وفي مقدمتهم السفير الدنماركي.

وأكد التقرير أن الأسبوع الماضي كان مصدر نجاح لإسرائيل، إذ إنه ومن باب المفارقة، فإن إسرائيل على الرغم من امتلاكها قدرة نووية بشكل يتناقض مع الأجندة الأساسية لوكالة الطاقة الذرية الدولية، فإن هذه الوكالة هي المنظمة الدولية التي تملك فيها إسرائيل هيمنة ثابتة وتحظى فيها بأكبر حجم من المساعدات. وخلافاً لمجلس حقوق الإنسان التابع للمنظمة الدولية وهيئته العامة، فإن إسرائيل تتمتع في وكالة الطاقة الذرية الدولية بأغلبية وتحظى مواقفها عادة بالقبول.

وأضاف التقرير أنه حتى بعد ثلاثين عاماً على كشف صحيفة "صنداي تلغراف" البريطانية في الخامس من أكتوبر/تشرين الأول 1986 عن أسرار الذرة الإسرائيلية، بمساعدة مردخاي فعنونو، فقد تم نسيان أمر المفاعل الذري في ديمونة وكأنه لم يكن. إذ تسلّم الدول الغربية بحقيقة القدرات الذرية لإسرائيل، ويلاحظ تراجع حدة الضغوط الدولية على إسرائيل بهذا الشأن. وقد فشل الرئيس الأميركي باراك أوباما، في أول عامين من توليه منصب الرئاسة، في الضغط على إسرائيل لتنضم لاتفاقية حظر انتشار أسلحة الدمار الشامل. وأهمل الأميركيون هذا المطلب منذ ذلك الحين، بل إن الولايات المتحدة وافقت على التعاون مع إسرائيل لأول مرة في مجال استخدام الذرة للأغراض السلمية من دون أن توقّع على المعاهدة.



ونقلت الصحيفة في تقريرها عن دبلوماسي غربي، قوله إن إسرائيل تصرفت في ملفها الذري بحكمة، إذ "كانت سياسة الضبابية، عبقرية، فإسرائيل تحذر الدول المعادية لها، ولكنها من جهة ثانية تفرض على نفسها عدم تهديد الآخرين". وأضاف: "نحن قلقون من إمكانية أن يؤدي السلاح الذري إلى ضرب الاستقرار في مناطق معينة، لكن إسرائيل لم تهدد يوماً باستخدام الذرة، ولو حتى بالتلميح إلى ذلك في حروبها السابقة، ولا يوجد سبب موضوعي يدعو لطرح موضوع الذرة الإسرائيلي".

لكن هذه التصريحات لا تتفق مع الواقع، على الأقل وفق تقارير إسرائيلية نُشرت في سنوات سابقة، أفاد بعضها مثلاً بأن الرئيس الإسرائيلي الراحل شمعون بيريز كان قد عرض قبل حرب يونيو/حزيران، أن تجري إسرائيل تجربة ذرية لردع الدول العربية، لكن اقتراحه رُفض. في المقابل باشرت رئيس الوزراء الإسرائيلية الراحلة غولدا مئير بعد ذلك بالسعي للحصول على الجسر الجوي الأميركي، مهددة بأنه في حال لم تقدّم الولايات المتحدة السلاح لإسرائيل، فإن الأخيرة ستلجأ لخيارها الأخير، وهو المعروف بكلمة السر "خيار شمشون" في إشارة للأسطورة اليهودية عن البطل اليهودي شمشون الذي هدم المعبد على نفسه وعلى أعدائه. وكان الكاتب الإسرائيلي يوسي ميلمان نشر مقالاً حول هذا التهديد عام 2010، وهو تهديد تكرر أيضاً في حرب أكتوبر/تشرين الأول 1973.

واوضح تقرير "هآرتس" أن وكالة الطاقة الدولية، مقسمة في تعيين مندوبي الدول إليها وفق تقسيم جغرافي لمجموعات مختلفة، لا تنتمي إسرائيل إلى عضوية أي منها بفعل المعارضة العربية، وبالتالي ليس بمقدورها أن تُنتَخب كواحدة من بين 35 دولة في إدارة الوكالة. ولكن هذه العقبة الإجرائية، لا تشكّل أي عقبة أمام إسرائيل، فهي شريكة وعضو فعال في كافة مجموعات الأبحاث العلمية في فيينا، وكان أحد ممثلي إسرائيل من مفاعل سوريك الإسرائيلي، عضواً في الفريق الذي حقق في كارثة المفاعل الذري الياباني فوكوشيما ومن واضعي توصيات لجنة التحقيق الدولية. كما تساهم إسرائيل كثيراً في نشاط المختبرات العلمية لوكالة الطاقة المقامة في إحدى المدن المجاورة لفيينا، والتي تجري فيها تقييمات ودراسات لتحديد حقيقة ما تشمله خطة الذرة الإيرانية.

وبالإضافة إلى ذلك، توجد في إسرائيل ثلاث محطات مراقبة تابعة لقسم تطبيق معاهدة منع انتشار أسلحة الدمار الشامل، وتوجد إحدى هذه المحطات في مدينة إيلات جنوب إسرائيل وأخرى في ناحل سوريك والثالثة في جبل الجرمق في الجليل. وقد عقد المؤتمر السنوي للاحتفاء بمرور عشرين عاماً على هذا القسم في إسرائيل، في العام الماضي، وبحضور المدير العام المسؤول عن هذا القسم، أو الهيئة المعروفة باسم CTBTO، لاسينا زرابو، الذي التقى خلال المؤتمر برئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو. ولا يقف الأمر عند هذا الحد، إذ تحتفظ إسرائيل بعلاقات جيدة للغاية مع المدير العام لوكالة الطاقة الدولية الذرية يوكيو أمانو، علماً بأن إسرائيل تعاملت معه بتحفظ شديد في بداية ولايته. وعندما زار إسرائيل لمرة واحدة عام 2010 فضّل نتنياهو مواصلته إجازته العائلية. ولكن إسرائيل رغم أنها لا تملك حق التصويت، أعلنت عن تأييدها لانتخاب أمانو لولاية ثالثة، كما فعلت الولايات المتحدة. ويأتي هذا التأييد بفعل معارضة أمانو لكل محاولات الدول العربية إرغام وكالة الطاقة الدولية الذرية على بحث الملف النووي الإسرائيلي.

ولفت تقرير "هآرتس" إلى أن المؤتمر السنوي هذا العام شهد تغييراً في السياسة العربية تجاه الملف النووي الإسرائيلي، فقد اكتفت دولة المغرب، الممثلة المناوبة عن المجموعة العربية، هذا العام بالمطالبة بمناقشة القدرات النووية الإسرائيلية، من دون التصويت على الموضوع. أما مصر فلم تتطرق للموضوع واكتفى ممثلوها بعبارات عامة عن نزع السلاح الشامل من المنطقة، فيما ركّز المندوب الإيراني علي صالحي على العقوبات المفروضة على بلاده، وذكر إسرائيل في ختام كلمته من باب إسقاط الواجب. مع ذلك أشار التقرير إلى أن إسرائيل تواجه في الوكالة الدولية للطاقة الذرية مثلث الدول المعارضة لسياستها وهي النمسا والسويد وأيرلندا، التي تطالب إسرائيل بالتوقيع على معاهدة حظر انتشار أسلحة الدمار الشامل.

المساهمون