01 أكتوبر 2022
الوصفة الناقصة لتغيير النظام في مصر
منذ وقت مبكر في نهايات العام 2011، بدأت محاولات تكرار الثورة المصرية. حاولت قوى ثورية استدعاء روح الثورة بحشود هائلة في بعض أيام الجمع التي حملت أسماء درامية، وأذكر أني شاهدت، على مد بصري، من الجهتين من يهتفون "يسقط حكم العسكر". ثم لا شيء. كانت ذروة النجاح تحديد موعد للانتخابات الرئاسية، لكن لا ثورات أخرى ولا خطاب تنحٍّ درامي. شهدت نقاشات بشأن أسماء المجلس الذي سيتسلم الحكم، كأن هذا قد أصبح مفروغاً منه.
بعد عزل محمد مرسي، حاول أنصاره بدورهم تكرار الثورة، ووصلوا إلى مراحل من الثقة التامة، إلى حد أني سمعت أحد متحدثي ميدان رابعة العدوية يقول إنه حين كان في ميدان التحرير "حاك في صدره شيء"، ثم حين شاهد هذا الجمع المبارك عرف أن الثورة الأولى لم تكن لله، وأنه الآن نشهد الثورة الإسلامية، فلا تسمحوا للعلمانيين بسرقتها منكم.
تكرر المشهد نفسه في نوفمبر/ تشرين الثاني 2013 ، حين قتلت قوات الأمن الطالب محمد رضا داخل الجامعة. كانت هذه الحادثة الأولى من نوعها منذ الثورة، ما تسبب بموجة غضب عارم في الأوساط الطلابية، والتي كانت ما زالت تشمل قطاعات مُسيسة واسعة بفعل الثورة القريبة، اندلعت مظاهرات كاسحة خرجت من الجامعات، وتمكنت إحداها من تجاوز ميدان الجيزة، ومحاولة التوجه إلى ميدان التحرير.
كان الاتفاق أن يكون الحراك بلا شعارات، لكن هذه المظاهرة، حين لاحت لها بوادر النجاح، اشتعلت بصور الإخوان المسلمين وشرعية مرسي قبل أن يجهضها الأمن، ما أدى إلى اندلاع موجة شجارات حادة، كان يركز فيها خطاب الطرف الإخواني على أن النظام يكاد يسقط، وأنهم لن يسمحوا للقوى الأخرى بـ"القفز على ثورتهم"، خصوصا أن منهم "انقلابيين".
تكرّر المشهد العبثي نفسه معكوساً، حين دعت القوى المدنية إلى مظاهرات جزيرتي تيران وصنافير الثانية، بعد نجاح جزئي للأولى التي شهدت تظاهر بضعة آلاف أمام نقابة الصحفيين. حالة من التشنج الحاد من بعضهم ضد إعلان أحد جناحي "الإخوان" مشاركتهم في التظاهرات، وإصرار على التبرؤ والسُباب، واتهام "الإخوان" بمحاولة سرقة الثورة مرة أخرى، حين لاحت بوادر نجاحها!
تكرّر العبث نفسه، أخيرا، فور إعلان الفريق سامي عنان نيته الترشح لانتخابات الرئاسة، فتعامل بعضهم كأن نجاحه محتوم، واندلعت صراعات هائلة بشان هل نتنازل ونقبله رئيساً أم علينا أن نحاكمه؟ هل يجب أن يحصل على وثيقة تنازل من محمد مرسي أولأ؟... إلخ.
نحتاج أن نفهم ما حدث لنفهم ما يحدث. لم تنجح الثورة في 2011 لمجرد وجود أعداد كبيرة من البشر في الشوارع، كما لم تنجح الثورة المضادة في 2013 لمجرد وجود قائد عسكري يدعمها.
ما صنع مشهد 2011 مجموعة من العوامل الداخلية، في مقدمتها وجود إرادة لدى مؤسسة الجيش برفض توريث جمال مبارك، وعنصر المفاجأة في نزول أبناء المناطق الشعبية لكسر الشرطة التي لم تكن مستعدةً لذلك، فتم إحراق الأقسام والمركبات، وأيضاً مفاجأة اضطرار الجيش للنزول السريع بأفرادٍ لم يتم شحنهم المعنوي لهذه الأحداث، وكذلك جانب الشعور الشعبي بالأمل والإمكانية بعد ما حدث في تونس، وأيضاً الشعور الشعبي بالأمن النسبي للمشاركة بعد سنواتٍ من رؤيتهم المتظاهرين يهتفون "يسقط حسني مبارك" في الشوارع، وبعد تدريبات وقفات "كلنا خالد سعيد" الآمنة. أما العوامل الخارجية فتشمل دعماً أميركياً وأوروبياً، في عصر ما قبل صعود اليمين العالمي.
ولمشهد 2013 أيضا عوامله الداخلية والخارجية المركّبة، والتي شملت اتحاد الملايين في الشوارع، مع وجود جميع مؤسسات الدولة، وليس أفراد منها، مع دعم خليجي خارجي، مع إمكانية استخدام عنف أمني غير مسبوق.
وبالقطع، في الحالتين، لم يبدأ التحالف الداعم لهما في الصراع الداخلي، قبل وجود الغنائم أصلاً، يجب أن تصطاد الدب أولاً قبل بيع فرائه. لا مستحيلات في السياسة، ولا ثوابت بحياة البشر، لكن ما بيدنا هو الاستقراء والاجتهاد.
بعد عزل محمد مرسي، حاول أنصاره بدورهم تكرار الثورة، ووصلوا إلى مراحل من الثقة التامة، إلى حد أني سمعت أحد متحدثي ميدان رابعة العدوية يقول إنه حين كان في ميدان التحرير "حاك في صدره شيء"، ثم حين شاهد هذا الجمع المبارك عرف أن الثورة الأولى لم تكن لله، وأنه الآن نشهد الثورة الإسلامية، فلا تسمحوا للعلمانيين بسرقتها منكم.
تكرر المشهد نفسه في نوفمبر/ تشرين الثاني 2013 ، حين قتلت قوات الأمن الطالب محمد رضا داخل الجامعة. كانت هذه الحادثة الأولى من نوعها منذ الثورة، ما تسبب بموجة غضب عارم في الأوساط الطلابية، والتي كانت ما زالت تشمل قطاعات مُسيسة واسعة بفعل الثورة القريبة، اندلعت مظاهرات كاسحة خرجت من الجامعات، وتمكنت إحداها من تجاوز ميدان الجيزة، ومحاولة التوجه إلى ميدان التحرير.
كان الاتفاق أن يكون الحراك بلا شعارات، لكن هذه المظاهرة، حين لاحت لها بوادر النجاح، اشتعلت بصور الإخوان المسلمين وشرعية مرسي قبل أن يجهضها الأمن، ما أدى إلى اندلاع موجة شجارات حادة، كان يركز فيها خطاب الطرف الإخواني على أن النظام يكاد يسقط، وأنهم لن يسمحوا للقوى الأخرى بـ"القفز على ثورتهم"، خصوصا أن منهم "انقلابيين".
تكرّر المشهد العبثي نفسه معكوساً، حين دعت القوى المدنية إلى مظاهرات جزيرتي تيران وصنافير الثانية، بعد نجاح جزئي للأولى التي شهدت تظاهر بضعة آلاف أمام نقابة الصحفيين. حالة من التشنج الحاد من بعضهم ضد إعلان أحد جناحي "الإخوان" مشاركتهم في التظاهرات، وإصرار على التبرؤ والسُباب، واتهام "الإخوان" بمحاولة سرقة الثورة مرة أخرى، حين لاحت بوادر نجاحها!
تكرّر العبث نفسه، أخيرا، فور إعلان الفريق سامي عنان نيته الترشح لانتخابات الرئاسة، فتعامل بعضهم كأن نجاحه محتوم، واندلعت صراعات هائلة بشان هل نتنازل ونقبله رئيساً أم علينا أن نحاكمه؟ هل يجب أن يحصل على وثيقة تنازل من محمد مرسي أولأ؟... إلخ.
نحتاج أن نفهم ما حدث لنفهم ما يحدث. لم تنجح الثورة في 2011 لمجرد وجود أعداد كبيرة من البشر في الشوارع، كما لم تنجح الثورة المضادة في 2013 لمجرد وجود قائد عسكري يدعمها.
ما صنع مشهد 2011 مجموعة من العوامل الداخلية، في مقدمتها وجود إرادة لدى مؤسسة الجيش برفض توريث جمال مبارك، وعنصر المفاجأة في نزول أبناء المناطق الشعبية لكسر الشرطة التي لم تكن مستعدةً لذلك، فتم إحراق الأقسام والمركبات، وأيضاً مفاجأة اضطرار الجيش للنزول السريع بأفرادٍ لم يتم شحنهم المعنوي لهذه الأحداث، وكذلك جانب الشعور الشعبي بالأمل والإمكانية بعد ما حدث في تونس، وأيضاً الشعور الشعبي بالأمن النسبي للمشاركة بعد سنواتٍ من رؤيتهم المتظاهرين يهتفون "يسقط حسني مبارك" في الشوارع، وبعد تدريبات وقفات "كلنا خالد سعيد" الآمنة. أما العوامل الخارجية فتشمل دعماً أميركياً وأوروبياً، في عصر ما قبل صعود اليمين العالمي.
ولمشهد 2013 أيضا عوامله الداخلية والخارجية المركّبة، والتي شملت اتحاد الملايين في الشوارع، مع وجود جميع مؤسسات الدولة، وليس أفراد منها، مع دعم خليجي خارجي، مع إمكانية استخدام عنف أمني غير مسبوق.
وبالقطع، في الحالتين، لم يبدأ التحالف الداعم لهما في الصراع الداخلي، قبل وجود الغنائم أصلاً، يجب أن تصطاد الدب أولاً قبل بيع فرائه. لا مستحيلات في السياسة، ولا ثوابت بحياة البشر، لكن ما بيدنا هو الاستقراء والاجتهاد.