من يتابع الأخبار التي ترد على وكالة الأنباء السورية الرسمية "سانا"، لا يفوته النشاط "الإنساني" و"الثقافي" الذي تتوّلاه أسماء الأسد زوجة رئيس النظام السوري بشّار الأسد. في الصور المرفقة مع هذه الأخبار، تبدو أسماء الأسد تماماً كما كانت منذ ورث زوجها الحكم في سورية، بعد وفاة والده حافظ الأسد عام 2000: شابة أنيقة، بشعر أشقر قصير، وابتسامة ثابتة لا تتزعزع. وصلت إلى القصر الرئاسي في دمشق وهي مبتسمة، أنجبت أطفالها وهي مبتسمة، اندلعت الثورة وهي مبتسمة، وقتل زوجها عشرات آلاف السوريين وبقيت ابتسامتها على وجهها.
لم تكن يوماً أسماء الأخرس مجرّد سيدة أولى، فمنذ 17 عاماً، وهي تعرف جيداً أنّ لها دوراً في تحسين الصورة القمعية ثمّ الدموية لنظام زوجها. في أيام تشبه هذه الأيام، في ديسمبر/كانون الأول من العام 2010 وأثناء زيارة الأسد إلى فرنسا، استقبل الرئيس الفرنسي السابق، نيكولا ساكروزي، وزوجته كارلا بروني، الأسد وزوجته في قصر الإليزيه. "يومها قلنا له إنّ هذه الحفاوة في استقبال دكتاتور بحجم بشار الأسد أمر خطير على سمعة فرنسا، فأجاب ساركوزي: رئيس يحمي المسيحيين، وله زوجة جميلة وشكلها عصري، لا يمكن أن يكون بهذا السوء" يروي وزير الخارجية الفرنسي السابق، برنار كوشنير، في حديث صحافي. كان ذلك بعد أيام قليلة من إشعال الشاب التونسي، محمد البوعزيزي النار في نفسه في تونس، مشعلاً الثورة، التي كانت نيرانها تتحضّر لتصل إلى سورية.
بشار وأسماء الأسد في ضيافة الرئيس الفرنسي السابق نيكولا ساركوزي (Getty)
في الزيارة نفسها أجرت "باري ماتش" مقابلة مع أسماء الأسد، حدّثتنا فيها عن "وقوعها في غرام بشار الأسد وزواجها منه بسبب القيم التي يمثّلها". يومها سمّتها المجلة الفرنسية بـ"النور في بلد تملؤه مساحات الظلام" (عادت المجلة وحذفت الغزل بأسماء الأسد في شهر فبراير/ شباط 2012 بعد سلسلة انتقادات).
لم تكن "باري ماتش" وحدها المسحورة بجمال السيدة الشرقية التي كبرت في لندن، بل مجلة "فوغ" أطلقت عليها لقب "زهرة الصحراء"... استمّرت الأساطير تحاك حول ابنة حمص (مسقط رأس أسماء الأسد) حتى بعد اندلاع الثورة، قيل بداية إنها لا توافق على ما يفعله زوجها، وقيل إنها هربت، وقيل إنها دافعت عن أهل حمص... لكنّ الأساطير سرعان ما انهارت تحت ضغط الدماء التي كانت تسيل في شوارع سورية. أرسلت أسماء الأسد بياناً إلى بعض المطبوعات الغربية وأخبرتهم أنها تدعم زوجها "رئيس كل السوريين". ثم جاءت تسريبات البريد الخاص بالأسد، ليكشف كيف كانت السيدة الأولى تتسوق عبر الإنترنت، فتشتري أحذية وزينة لمنزلها بمئات آلاف الدولارات، بينما كانت قوات زوجها تحصار مدناً وقرى، وتقتل الأطفال والمدنيين، ويجوع الملايين من المحاصرين وسط الحرب.
بدأت الصحافة الغربية، تعيد حساباتها، ولم تعد السيدة الجميلة بأحذية "كريستيان لوبوتان" وفساتين "غوتشي"، مصدراً للأمان حول "علمانية نظام بشار الأسد".
لم تكن أسماء الأسد، التي استضافت في القصر الرئاسي ملك وملكة إسبانيا، وأنجيلينا جولي وبراد بيت، حالة فريدة. السيدة صاحبة الوجه المبتسم، جزء أساسي من مشروع بشار الأسد الذي قتل الشعب السوري، هي شريكة في الدماء، حتى بوجهها المبتسم وأناقتها اللافتة.
أسماء الأسد مع ملكة إسبانيا (Getty)
أسماء الأسد، ببرودها الوحشي، وبردود فعلها المستفزة، تأتي لتكمل تاريخاً مستمّراً من زوجات الرؤساء اللواتي أعطين شرعية دولية ومحلية لقمع أزواجهن الوحشي.
ليلى الطرابلسي زوجة الرئيس التونسي، المخلوع زين العابدين بن علي، تعتبر مدرسة في هذا الإطار. السيدة التي تعتبر أكثر التونسيات المكروهات في البلاد، كانت المرأة الحديدية في عهد النظام المخلوع. عرّابة الفساد والاحتكار السياسي والاقتصادي. صحيفة "غادريان" البريطانية لقبتها بعد سقوط نظام زوجها بـ"ليدي ماكبيث تونس" أما صحيفة "تيليغراف" فاختارت لها لقب "إيملدا ماركوس تونس" (نسبة إلى أرملة الدكتاتور الفيليبيني فرديناند ماركوس).
يروي التونسيون الذين عملوا في القصر الرئاسي أساطير، يبدو تصديقها مستحيلاً، عن وحشية طرابلسي، من غمس يد الطباخ في القصر بالزيت المغلي عقاباً له، إلى ضرب العمّال والشتائم التي كانت تكال ضدهم يومياً.
ليلى طرابلسي كانت أيضاً محبوبة. "وجه مشرق لتونس" بقيادة زي العابدين بن علي، الناشطة الأولى في مجال العمل الخيري، تحديداً ذاك المتعلق بالمرضى، وبذوي الاحتياجات الخاصة، وحقوق النساء.
ترأست منظمة المرأة العربية، وحصلت على أوسمة عربية ودولية، بسبب "نشاطها الإنساني".
ليلى طرابلسي مع السيدة الفرنسية الأولى السابقة برناديت شيراك (Getty)
تتشارك زوجات الدكتاتوريين في قواسم عدة: الطباع الحادة، والتبذير الهستيري، الوقوف خلف أزواجهنّ: سوزان مبارك زوجة الرئيس المصري المخلوع محمد حسني مبارك، تشبه قصتها باقي قصص هؤلاء النساء، كذلك صفية القذافي، زوجة الدكتاتور الليبي الراحل معمّر القذافي، التي وإن كانت بعيدة عن الأضواء، نجحت بجمع ثروة ضخمة خلال حكم زوجها.
ينبهر العالم الغربي بهؤلاء النساء. ينبهر بأناقتهن، بمشاريعهن الخيرية التي يسوّقن لها، تارة لمحو الأمية، وتارة لتمكين النساء أو حماية الأيتام... ثمّ تثور الشعوب، وتظهر الحقائق، والعفن الكامن تحت البريق المكلف والجذّاب.
إلى جنب كل دكتاتور، دكتاتورة، تسانده، وتجمّل صورته، وتمسك بيده بابتسامة واثقة. وها هي صور أسماء الأسد على مواقع التواصل وهي تفتتح أنشطتها الخيرية، وتزرو أطفالاً تيتّموا في حروب زوجها، دليل على أنّ الصورة الدموية لنظام الأسد لا تكتمل بدونها.
اقــرأ أيضاً
بشار وأسماء الأسد في ضيافة الرئيس الفرنسي السابق نيكولا ساركوزي (Getty)
في الزيارة نفسها أجرت "باري ماتش" مقابلة مع أسماء الأسد، حدّثتنا فيها عن "وقوعها في غرام بشار الأسد وزواجها منه بسبب القيم التي يمثّلها". يومها سمّتها المجلة الفرنسية بـ"النور في بلد تملؤه مساحات الظلام" (عادت المجلة وحذفت الغزل بأسماء الأسد في شهر فبراير/ شباط 2012 بعد سلسلة انتقادات).
لم تكن "باري ماتش" وحدها المسحورة بجمال السيدة الشرقية التي كبرت في لندن، بل مجلة "فوغ" أطلقت عليها لقب "زهرة الصحراء"... استمّرت الأساطير تحاك حول ابنة حمص (مسقط رأس أسماء الأسد) حتى بعد اندلاع الثورة، قيل بداية إنها لا توافق على ما يفعله زوجها، وقيل إنها هربت، وقيل إنها دافعت عن أهل حمص... لكنّ الأساطير سرعان ما انهارت تحت ضغط الدماء التي كانت تسيل في شوارع سورية. أرسلت أسماء الأسد بياناً إلى بعض المطبوعات الغربية وأخبرتهم أنها تدعم زوجها "رئيس كل السوريين". ثم جاءت تسريبات البريد الخاص بالأسد، ليكشف كيف كانت السيدة الأولى تتسوق عبر الإنترنت، فتشتري أحذية وزينة لمنزلها بمئات آلاف الدولارات، بينما كانت قوات زوجها تحصار مدناً وقرى، وتقتل الأطفال والمدنيين، ويجوع الملايين من المحاصرين وسط الحرب.
بدأت الصحافة الغربية، تعيد حساباتها، ولم تعد السيدة الجميلة بأحذية "كريستيان لوبوتان" وفساتين "غوتشي"، مصدراً للأمان حول "علمانية نظام بشار الأسد".
لم تكن أسماء الأسد، التي استضافت في القصر الرئاسي ملك وملكة إسبانيا، وأنجيلينا جولي وبراد بيت، حالة فريدة. السيدة صاحبة الوجه المبتسم، جزء أساسي من مشروع بشار الأسد الذي قتل الشعب السوري، هي شريكة في الدماء، حتى بوجهها المبتسم وأناقتها اللافتة.
أسماء الأسد مع ملكة إسبانيا (Getty)
أسماء الأسد، ببرودها الوحشي، وبردود فعلها المستفزة، تأتي لتكمل تاريخاً مستمّراً من زوجات الرؤساء اللواتي أعطين شرعية دولية ومحلية لقمع أزواجهن الوحشي.
ليلى الطرابلسي زوجة الرئيس التونسي، المخلوع زين العابدين بن علي، تعتبر مدرسة في هذا الإطار. السيدة التي تعتبر أكثر التونسيات المكروهات في البلاد، كانت المرأة الحديدية في عهد النظام المخلوع. عرّابة الفساد والاحتكار السياسي والاقتصادي. صحيفة "غادريان" البريطانية لقبتها بعد سقوط نظام زوجها بـ"ليدي ماكبيث تونس" أما صحيفة "تيليغراف" فاختارت لها لقب "إيملدا ماركوس تونس" (نسبة إلى أرملة الدكتاتور الفيليبيني فرديناند ماركوس).
يروي التونسيون الذين عملوا في القصر الرئاسي أساطير، يبدو تصديقها مستحيلاً، عن وحشية طرابلسي، من غمس يد الطباخ في القصر بالزيت المغلي عقاباً له، إلى ضرب العمّال والشتائم التي كانت تكال ضدهم يومياً.
ليلى طرابلسي كانت أيضاً محبوبة. "وجه مشرق لتونس" بقيادة زي العابدين بن علي، الناشطة الأولى في مجال العمل الخيري، تحديداً ذاك المتعلق بالمرضى، وبذوي الاحتياجات الخاصة، وحقوق النساء.
ترأست منظمة المرأة العربية، وحصلت على أوسمة عربية ودولية، بسبب "نشاطها الإنساني".
ليلى طرابلسي مع السيدة الفرنسية الأولى السابقة برناديت شيراك (Getty)
تتشارك زوجات الدكتاتوريين في قواسم عدة: الطباع الحادة، والتبذير الهستيري، الوقوف خلف أزواجهنّ: سوزان مبارك زوجة الرئيس المصري المخلوع محمد حسني مبارك، تشبه قصتها باقي قصص هؤلاء النساء، كذلك صفية القذافي، زوجة الدكتاتور الليبي الراحل معمّر القذافي، التي وإن كانت بعيدة عن الأضواء، نجحت بجمع ثروة ضخمة خلال حكم زوجها.
ينبهر العالم الغربي بهؤلاء النساء. ينبهر بأناقتهن، بمشاريعهن الخيرية التي يسوّقن لها، تارة لمحو الأمية، وتارة لتمكين النساء أو حماية الأيتام... ثمّ تثور الشعوب، وتظهر الحقائق، والعفن الكامن تحت البريق المكلف والجذّاب.
إلى جنب كل دكتاتور، دكتاتورة، تسانده، وتجمّل صورته، وتمسك بيده بابتسامة واثقة. وها هي صور أسماء الأسد على مواقع التواصل وهي تفتتح أنشطتها الخيرية، وتزرو أطفالاً تيتّموا في حروب زوجها، دليل على أنّ الصورة الدموية لنظام الأسد لا تكتمل بدونها.