كان محمد علي أعظم ملاكم في كل العصور، هو الذي رحل يوم الجمعة عن عمر يناهز الـ74 عاماً، لكنه كان إنسانياً أيضاً إلى أبعد الحدود، وعلى غرار النواقص والضعف مثل أي بشري، كان علي يعاني من ضعف جسدي، حيث حذّره الأطباء كثيراً من التعرض كثيراً للضرب خلال التدريب والمعارك، لكنه لم يستمع، ولم يتمكن أحد ممن كان حوله أن يقنعه خلاف ذلك.
وقد يتفق الكثيرون مع مدرب الملاكمة إيمانويل ستوارد، أن علي كان ينبغي عليه التوقف عن اللعب بعد فوزه على جورج فورمان في زائير (جمهورية الكونغو الديمقراطية الآن) في عام 1974. وبدلاً من ذلك تابع الملاكمة لمدة سبع سنوات أخرى، ودفع ثمن ذلك بضعف جسدي وعقليّ، حيث قال مدربه أنجيلو دندي إنه كان يعاني بالفعل من تلف في الدماغ عندما خاض آخر نزالين له.
وبدا الأمر أن أكثر الناس شاهدوا علي، وفئة قليلة فهمته، فالكثير من الكتاب الذين تحدثوا عنه، ألقوا الضوء على الحركة المضادة التي حصلت في عام 1960 بالولايات المتحدة الأميركية، ورفض محمد علي الخدمة العسكرية في عام 1967 والقتال في فيتنام. ببساطة كان علي يسير على مبدأ اللاعنف الذي نهله من التعاليم الإسلامية، حيث اعتنقه قبل بضع سنوات من ذلك التاريخ.
كانت علاقة علي مع منظمة أمة الإسلام بعد فترة من اعتناقه الدين الإسلامي معقدة، والتي كان يقودها إلايغا محمد، الذي كان يعتقد أن المسلمين فقط سود وأصلهم من قبيلة في آسيا، إضافة إلى معتقدات مختلفة غريبة، وكانت هذه المنظمة بحسب البعض تسرق المال منه، رغم أن زوجته السابقة خليلة علي أكدت أن المنظمة كانت تقدم له المال.
ويقول المحامي مور إن هاتف علي كان يرنّ دائماً، متصلون يسألون عنه لدفع الإيجار أو قرض من المال، ووفقاً للوثائقي "ذي دون كينغ ستوري"، بعد هزيمة علي على يد لاري هولمز في عام 1980، قام "ميستر كينغ" الذي كان مسيراً للقاء بخداعه، حيث أعطاه مبلغ 50 ألف دولار من 8 ملايين دولار فقط.
حاول علي تحاشي المروجين والوكلاء الذين كانوا يتحدثون عن ملاكمين آخرين، لكن كان إلى جانبه بعض الأشخاص الذين شجعوه على القتال، بغض النظر عن الأضرار التي لحقت بجسده، وبعد انتصاره على إيرني شايفز في عام 1999، أكد الطبيب فيردي باكيو، أنه حذّر المقربين من علي، لأن "البول" كان يحتوي على الدماء.
لم يختر علي بعض الأحيان أناساً جيدين إلى جانبه، على غرار صديقه كوكوسون، وهو الذي كان عضواً في عصابة بتشيري هيل (نوجرسي) والذي قتل في عام 1973، إضافة إلى ريتشارد هيرشفيلد، الذي شنق نفسه في السجن، وكذلك هارولد سميث، والذي استخدم اسم علي لسرقة 21 مليون دولار من ويلز فاغور، واعتبرت تلك العملية من أبرز حالات الاختلاس في التاريخ.
مسيرة محمد علي تجعلك تبكي في بعض الأحيان، فبعد اعتزاله بفترة بقي رمزاً للقوة والصلابة، ولكن حتى خلال حياته المهنية كان يعاني، فالسنوات التي قضاها بعيداً عن الحلبة بين سنوات 1967-1970 كانت ضارة، وقال الملاكم رون لايل، إنه قبل غياب علي، كان من الصعب تلمسه، لكنه بعد عودته كان الأمر أكثر سهولة.
البعض يقول إن جو لويس كان الأعظم في الملاكمة، والأخير يرى أن سوني ليستون كان الأهم في بطولة العالم للوزن الثقيل تاريخياً. وتلخص قصة رواها جين كيلروي، وهو واحد من أصدقاء علي ومدير سابق له قيمة هذا الإنسان: "لقد كان هناك طفل يحتضر بسبب مرض السرطان، زاره علي في المستشفى، وقال له، أنا ذاهب لهزيمة سوني ليستون، وعليك أنت أن تهزم السرطان، لكن الطفل أجابه بكلمة (لا)، أنا ذاهب إلى الله، وسأقول له إنني أعرفك".