الواقع الكالح للعدالة الاجتماعيّة اللبنانيّة

21 مايو 2014
بيوت الصفيح في طرابلس، شمال لبنان (جوزف عيد/فرانس برس/getty)
+ الخط -
تعتبر العدالة الاجتماعية في لبنان، بعيدة عن واقع المواطنين ومعيشتهم اليومية. فالتفاوت الاجتماعي بين اللبنانيين يخلق فجوة واسعة بين قلّة من المتمولين التابعين بغالبيتهم لزعماء الأحزاب المذهبية، وبين قاعدة ضخمة من المواطنين الذين يؤيدون زعماء الأحزاب ويفتدونَهم بالدم فعلاً لا قولاً فحسب، وطبعاً في مقابل التنازل عن حقوقهم المواطنية والإنسانية والاجتماعية والاقتصادية كافة.

إذ يؤسَّسُ المواطن اللبناني، منذ ولادته حتى مماته، على تقديس الزعامات بعدما تؤمّن له زعامُتُه، الخدمات الحياتية، مباشرة أو عبر المؤسسات التابعة، التي تموَّل بغالبيتها من موازنة الدولة اللبنانية أو من خلال التمويل الخارجي لعدد من الأحزاب.
هذه القداسة تؤدي الى ابتعاد المواطنين عن الاعتراض، اللّهمَّ إلا إذا كان مَن يعادي حقوقَهم هوَ هوَ عدو الزعيم، أما غير ذلك... فقابل للتدجين.

الثلاثية المقدسة

وتسيطر على النسق الاقتصادي اللبناني ثلاثية مقدسة: المصارف، التي تموّل الدولة عبر مبالغ تشكل حوالى 80 في المئة من الدين العام اللبناني البالغ حوالى 66 مليار دولار (كان 4.6 مليارات دولار في العام 1993)، في مقابل استيفائها فوائد مرتفعة جداً بدأت بـ25 في المئة في التسعينيات وتسجل اليوم نسباً عالية أيضاً بين 7 و8 في المئة.

أما العقارات، فهي محررة بالكامل. قطاع تشغّله المصارف عبر ودائعها، وعبر المغتربين والمستثمرين العرب. ولا تخضع المضاربات العقارية الى ضرائب أو رسوم فعلية، وتدير غالبية الشركات العقارية الكبرى شخصيات نافذة.
ويُنتج هذا الواقع قطاعاً عقارياً مفصولاً عن قدرة غالبية اللبنانيين المقيمين الشرائية، بعدما ارتفعت أسعار الشقق والعقارات منذ العام 2006 بمعدلات تزيد عن 200%، ليصل متوسط سعر الشقة الصغيرة الى 160 ألف دولار خارج بيروت، وإلى 7 ملايين دولار على ساحل بيروت، في حين أن الحد الأدنى للأجور في لبنان لا يتعدى الـ450 دولاراً.

وإذا كان الاستيراد أساسياً في بلد قائم على الاستهلاك، إلا أنه يخضع لاحتكارات شديدة، عبر قانون الوكالات الحصرية الذي يحصر الاستيراد بأفراد قلائل، ويمنعه عن غيرهم. في المقابل، تنطبع الأسواق بطابع احتكاري قاس، بحيث يسيطر الاحتكار على أكثر من 66% من الأسواق، بحسب دراسة للخبير الاقتصادي اللبناني توفيق كسبار.
وتتوزع الاحتكارات، وخصوصاً الوكالات الحصرية، وفق حصص مذهبية. وطبعاً، تؤدي هذه الاحتكارات الى تضخم شديد لا يترافق مع تضخم أسعار السلع في بلدان المنشأ، أي أوروبا وأميركا وغيرها. ولا يرتبط التضخم بالطلب المحلي، وإنما بأسعار مفروضة من قبل الجهات المحتكرة.

هذا النَسَق الاقتصادي عزّز حجم العمل غير النظامي في الاقتصاد اللبناني، أي السوق السوداء، التي تقدّر نسبتها في لبنان، وفق تقارير دولية، بين 33.1% و34.1% من إجمالي السوق اللبنانية، ويبلغ حجم هذه السوق 12 ملياراً و960 مليون دولار سنوياً، وفق إحصاءات العام 2011.

ويأتي ذلك في ظل عدم إقرار الموازنة العامة للبلاد منذ تسع سنوات حتى اللحظة. إذ يتم الانفاق خارج أي قواعد دستورية أو محاسبية، ما أدى الى ارتفاع الدين العام اللبناني من 38.6 مليار دولار في العام 2006 (بعد عام من إقرار آخر موازنة للبلاد)، إلى  حوالى 66 مليار دولار حالياً.

هوّة اجتماعية وغياب البدائل

التركيبة الاقتصادية في لبنان أدت الى هوّة اجتماعية سحيقة مع ارتفاع عدد الفقراء الى مليون و232 ألف فقير لبناني. وتشير دراسة للأمم المتحدة ووزارة الشؤون الاجتماعية في لبنان إلى أن 20% من أصحاب الدخل الأعلى في لبنان يستأثرون بأكثر من نصف فاتورة الاستهلاك، فيما 50% من اللبنانيين لا تبلغ حصّتهم من هذه الفاتورة إلا 20%.

أما بالنسبة للقوى الاجتماعية في لبنان، فحدّث ولا حرج. إذ وسط تآكل الأحزاب اليسارية الأساسية وغيابها عن الشارع في مقابل ارتهانها لعدد من أحزاب السلطة، تنشط بعض الجمعيات في مواضيع محددة جداً تتعلق بحقوق المرأة والعمال الأجانب (...)، في حين تغيب الجمعيات، كما الاتحاد العمالي العام، عن مطالب الناس.

فالاتحاد العمالي، الذي يضم أكثر من 52 اتحاداً نقابياً، قيادته تابعة كلياً للسلطة السياسية. وبرغم المشكلات الاجتماعية والاقتصادية الضخمة، لم يخض الاتحاد العمالي تحركات وازنة في الشارع منذ العام 2008، فحينها كانت تظاهرة الاتحاد العمالي العام، التي رفعت شعار تصحيح الأجور، مقدّمة لعملية عسكرية واسعة قام بها حزب الله وحلفاؤه في بيروت، وعُرفت في ما بعد بأحداث "7 أيار".

أما هيئة التنسيق النقابية، التي تمثل الأساتذة والموظفين في القطاع العام اللبناني، فهي تخضع لترهيب ووعيد من السلطة السياسية، بهدف تفتيتها، تماماً كما حصل في ما يتعلق بالاتحاد العمالي العام في بداية التسعينات.

هكذا، تغيب العدالة الاجتماعية عن حياة اللبنانيين، ويضيع هذا المطلب في حناجر المتضررين من السياسات الاقتصادية والاجتماعية القائمة، وسط أملٍ بتغيير قد يتحقّق، بعدما يُهْدَم... بيت العنكبوت.

 

 

المساهمون