01 نوفمبر 2024
الواضح والملتبس في رسائل ترامب أمام قمة الرياض
هل أغلق الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، في قمة الرياض، باب "نادي الأمم" نهائياً بوجه إيران؟ أم تركه مفتوحاً قليلاً، طارحاً شروطه لإعطائها تأشيرة الدخول؟ وهل أن تعامُل خطاب ترامب مع إيران بوصفها "تهديداً" في الشرق الأوسط هو تمهيد لدخول المواجهة معها في مرحلة جديدة، أشد توتراً، مع إمكانية تحولها إلى صراع مسلح؟
ساد الاعتقاد، بعد الاتفاق النووي مع إيران في يوليو/ تموز 2015، بأن هذا البلد سينضم إلى ما يسمى "نادي الأمم"، للمشاركة في إدارة شؤون العالم، ولا سيما منطقة الشرق الأوسط، وفي إعادة بناء الاستقرار فيها. لكن عدم مسارعة الولايات المتحدة إلى فتح ذراعيها لإيران، وتصميمها على إبقاء ملفات خلافية عدة، على طاولة الكباش معها، أعطى الانطباع بأن لواشنطن مطالب لم تتحقق بأكملها، وحسابات تقودها إلى عدم التطبيع مع طهران، إلا بعد حصولها على ضماناتٍ أبعد من المكاسب الاقتصادية التي يمكن أن تحققها من جرّاء "غزوها" المحتمل الاقتصاد الإيراني. تريد واشنطن خطواتٍ إيرانية ملموسة، لوقف سياستها التوسعية، وتدخلها المباشر ومن خلال وكلائها الإقليميين في دول المنطقة، والتي تخلّ بالتوازنات المحلية والإقليمية. وفي الرؤية الأميركية، تشكل هذه المساعي سبباً لزعزعة الاستقرار، وما على طهران إلا وقفها، من دون أن يعني ذلك نفياً مطلقاً لدورها في دول جوارها، حيث لها روابط وتحالفات مع قوى محلية، أو تأثيرات وقنوات نفوذ باتت قائمة بحكم الأمر الواقع.
وتترافق هذه العقدة التي تعيق "الشراكة" مع إيران في الشرق الأوسط، وتمنع حصول هدنة كاملة معها، مع شعور بعدم الثقة لدى الولايات المتحدة بتخلي إيران عن مشروع امتلاك السلاح النووي. ويشكّك تيار واسع في واشنطن بأن الاتفاق النووي يؤخر جهود طهران لصنع القنبلة النووية، لكنه لم يدفعها إلى التخلي عن مثل هذا "الطموح".
في ظل رفض سياسة النفوذ التي تتبعها إيران، وعدم الثقة بنياتها النووية على المدى الطويل، اختارت الولايات المتحدة القيام باستعراض للقوة الدبلوماسية في الإقليم. فمن خلال تجميع الدول العربية والإسلامية وراءها في ثلاث قمم في الرياض، يومي السبت والأحد الماضيين، تكون واشنطن قد حصّنت نفسها، قبل توجيه مجموعة رسائل واضحة إلى لاعبين، غير الحلفاء في الشرق الأوسط، خصوصاً إيران وروسيا، مفادها بأن واشنطن غير غائبة عن عملية إعادة
تشكيل المشهد الجيوسياسي في المنطقة، بل حاضرة مع إمكانات قادرة على استخدامها متى وكيفما تشاء. لم لا وهي الطرف الوحيد الذي أثبت أنه مؤهل لجمع عدد كبير من الحلفاء الإقليميين، والتحدث مع غالبية اللاعبين، وبناء "الشراكات" معهم. واستعراض القوة، السياسي والدبلوماسي، يهدف بالحد الأدنى إلى القول لإيران ولروسيا إن خريطة النفوذ في المنطقة، مرسومة سلفاً، وتعديلها مستحيل، والتقدّم أكثر ممنوع. وقد تكون هناك رسالة غير معلنة، تدعوهما إلى التفاوض على تراجعهما. وكأن واشنطن تستعيد بذلك المثل الشعبي: "ما لنا فهو لنا، وما لكم فهو لنا ولكم"، من الآن فصاعداً.
الرسالة الأخرى، عسكرية بامتياز، تتمثل في تعزيز سياسة التعاون العسكري مع دول الخليج، من خلال مدّها بكميات كبيرة من الأسلحة الحديثة والفعّالة، تطمئنها وتتيح لها الحماية من إيران، كما تكسبها تفوقاً عسكرياً عليها، ضرورياً لبناء توازن إقليمي، يميل عملياً لصالح السعودية ودول الخليج، في مقاييس الحرب التقليدية النظامية. وهذا معطىً تدركه إيران التي أرهقتها العقوبات الدولية المفروضة على نظامها، منذ عام 1979، وجعلت قواتها المسلحة تفتقر لتقنيات متطورة تمتلكها اليوم دول الخليج، بفضل صفقات شراء السلاح الحديث من الدول الغربية. فارتكاز إيران على المهارات القتالية لقوات الحرس الثوري الإيراني لا يجعلها تتناسى نقاط ضعفها البنيوية على المستوى العسكري، الدفاعي والهجومي. وما محاولات إيران اقتناء أنظمة دفاعية روسية متطورة ومضادة للصواريخ إلا دليل على نيّتها سد ثغراتها في أي مواجهة عسكرية محتملة في المستقبل.
لكن هذه الرسالة العسكرية تبقى ذات بعد ردعيّ، وليس هجومياً، فالتوجه الذي كرّسه ترامب في خطابه في الرياض، والمطابق لما ساد في عهد سلفه، الرئيس باراك أوباما، هو في الحفاظ على الجهوزية العسكرية التامة لردع إيران، إذا لزم الأمر، ولا سيما إذا انتقلت بتصرفاتها إلى مرحلة تهديد خطير لمصالح وأمن واشنطن وحلفائها الخليجيين.
هكذا، تكون واشنطن قد أبدت حرصاً واضحاً على منع أي تأويل خاطئ للتعاون العسكري مع السعودية ودول الخليج. ويقوم هذا التعاون على حسابات البيع أي الربح، وحسابات القوة التي تعني تعزيز الإمكانات الدفاعية للسعودية ودول الخليج، لكي تصبح مؤهلةً لمواجهة "التهديد" الإيراني، بنفسها، بالاعتماد على نفسها. ما تفكّر به الإدارة الأميركية الحالية، شأنها شأن سابقتها، لا يتعدّى حدود هذه الحسابات، أي ليس وارداً بالنسبة لواشنطن القيام بتدخل عسكري جديد في الشرق الأوسط، أو لخوض مواجهة عسكرية بالنيابة عن حلفائها الخليجيين، وهو ما أصرّ ترامب على قوله حرفياً على مسامع مضيفيه الخليجيين. وينطبق هذا التوجه على مكافحة الإرهاب، وكذلك على الصراع مع إيران.
صحيح أن ترامب دان الدور الإيراني في رعاية منظمات يصفها بالإرهابية، في عدد من دول
المنطقة، لكنه لم يصف نظام إيران باعتباره "إرهابياً" أو "دولة إرهابية"، ولم يشبهها بتنظيم القاعدة على غرار ما كان يفعل الرئيس الأسبق، جورج بوش. وقال: "من لبنان إلى العراق إلى اليمن، تقوم إيران بتمويل وتسليح وتدريب الإرهابيين والمليشيات والجماعات المتطرفة الأخرى التي تنشر الدمار والفوضى في المنطقة. على مدى عقود، غذّت إيران حرائق الصراع الطائفي والإرهاب".
كما بدا كأن خطاب ترامب يعكس دافعيْن، متباعديْن، إن لم يكونا متناقضين، لدى دائرة صنع القرار في البيت الأبيض. يمكن تلمس هذين الدافعين بقوله: "حتى يرغب النظام الإيراني في أن يكون شريكاً في السلام، على جميع الدول أن تعمل معاً لعزل إيران، ومنعها من تمويل الإرهاب، وأن تدعو أن يأتي اليوم الذي يتمتع فيه الشعب الإيراني بالحكومة العادلة الصالحة التي يستحقها". واضحة إذاً التوليفة بين فكرتين: الأولى تعني أن لا نية في تغيير النظام الإيراني، المدعو إلى التفاوض حول كيفية بناء توازن إقليمي جديد، وترسيم حدود النفوذ الإيراني في الشرق الأوسط، لكي يكون بالتالي "شريكاً في السلام" وفق المنظور الأميركي. والفكرة الثانية كناية عن دعوة خجولة وغامضة، تتبناها بعض الأجنحة في الإدارة الأميركية حول تغيير النظام الإيراني، دون إبراز أية إشارة إلى إمكانية حصول تدخل عسكري أميركي لتحقيق هذه "الأمنية". على أية حال، تبدو مسألة عزل إيران ملتبسة أيضاً، لأن هذا البلد يستفيد من تعاون مع روسيا والصين، ومن انفتاح أوروبي على الاستثمار في الاقتصاد الإيراني بعد الاتفاق النووي عام 2015. وهذا ما يدعو إلى التساؤل عمّا إذا كان ترامب يرضي القادة السعوديين بكلماتٍ بعيدة كل البعد عن الواقع؟
وفي إطار دفاعه عن "ضرورة" التعبئة الإقليمية ضد الإرهاب، قصد ذلك الذي تدعمه إيران
أو الذي يجسده "داعش"، وجه ترامب رسالة جلية، مفادها بأن "الولايات المتحدة مستعدة للوقوف معكم (حلفائها في المنطقة) من أجل المصالح المتبادلة والأمن المشترك"، مضيفاً بتعبير دقيق يقطع الطريق على أي اجتهاد: "لكن دول الشرق الأوسط لا يمكنها انتظار تدمير القوة الأميركية هذا العدو (الإرهاب) بالنيابة عنها". وكان باراك أوباما قال في قمة جمعته مع قادة دول الخليج في مارس/ آذار 2016 في كامب ديفيد، إن "الولايات المتحدة ستحافظ وستعزّز التعاون في المجال الأمني مع شركائها في مجلس تعاون دول الخليج، من خلال مساعدتهم على تحسين قدراتهم الدفاعية"، وقد أبلغ ضيوفه الخليجيين في حينها، في اجتماعاته معهم، أن واشنطن لا تتعهد بالتدخل عسكرياً إلا إن أقدمت طهران على مهاجمتهم، أما "أدوات" إيران في المنطقة، فتبقى مسؤولية تلك الدول، بحسب نظرية أوباما في الأمس، وترامب اليوم.
وكأن الولايات المتحدة قالت، ولا تزال تقول للأنظمة العربية والخليجية، إنها لن تتركهم وحدهم بمواجهة التوسع الإيراني، وأن بإمكانهم الاعتماد على الدور الأميركي، وما تمثله أميركا من قوة مرجحة عالمياً، مع كل إمكاناتها الردعية العسكرية، وعلى قدرتها على إعادة إنتاج معادلة سياسية في الشرق الأوسط، تكون فيها واشنطن ضابط الإيقاع الذي لا يسمح بقلب التوازنات بشكل يهدّد مصالحه ومصالح حلفائه. لكن واشنطن تريد حصر القسم الأكبر من اللعبة الشرق أوسطية بين اللاعبين الإقليميين، ما يعني أن لا تدخل أميركياً مباشراً، طالما أن المصالح الحيوية والاستراتيجية بعيدة عن تهديد خطير.
وثمّة رسالة ضمنية، يعكسها خطاب ترامب حول إيران، وهو دعوتها إلى أن تكون شريكة في إعادة بسط الاستقرار في الشرق الأوسط. بمعنى آخر، يمكن التساؤل عما إذا كانت هناك دعوة للتفاوض، وما إذا كانت مفاوضات أميركية – إيرانية انطلقت أو ستنطلق للاتفاق على ترتيبات لإعادة الاستقرار إلى المنطقة؟ وما الذي سيمنع الأميركيين من جر طهران إلى التفاوض ما دامت توّاقة لتوظيف الاتفاق النووي مع المجتمع الدولي، بغية تطوير اقتصادها وفتح أسواقها أمام الاستثمارات الأجنبية. وإرادة الإيرانيين جليّة في هذا الصدد، وهم عبروا عنها بإعادة انتخاب الرئيس حسن روحاني لولاية ثانية. لكن السؤال يتمثل هنا في معرفة ما إذا كانت دوائر صنع القرار في طهران تعتقد أن في وسعها، في الآن معاً، قطف ثمار الاتفاق النووي اقتصادياً، والاستمرار بسياساتها التوسعية نفسها في الشرق الأوسط، وبلعب الدور نفسه في سورية والعراق واليمن ولبنان، بشكل يثير نقمة لاعبين محليين أساسيين في هذه البلدان، وغضب السعودية ودول الخليج؟
من الصعب التكهن بطبيعة الأجوبة التي ستحملها الأيام المقبلة. ولكن تعليق الرئيس الإيراني، روحاني، على مخرجات قمة الرياض، بقوله إنه من غير الممكن استعادة الاستقرار في الشرق الأوسط من دون إيران، ينطوي على ملاقاة ترامب عند منتصف الطريق، ما قد يعزّز فرص حصول مفاوضات حول كيفية إعادة ترسيم النفوذ وبسط الاستقرار في المنطقة، وعلى قاعدة تعبيد الطريق أمام صيغ تعاون اقتصادي مربح للجميع (Win-win game). صيغة لا تكون فيها السعودية مطلقة اليدين، ولا تسرح وتمرح فيها إيران كما يحلو لها، في هذا المنطقة غير المتجانسة.
ساد الاعتقاد، بعد الاتفاق النووي مع إيران في يوليو/ تموز 2015، بأن هذا البلد سينضم إلى ما يسمى "نادي الأمم"، للمشاركة في إدارة شؤون العالم، ولا سيما منطقة الشرق الأوسط، وفي إعادة بناء الاستقرار فيها. لكن عدم مسارعة الولايات المتحدة إلى فتح ذراعيها لإيران، وتصميمها على إبقاء ملفات خلافية عدة، على طاولة الكباش معها، أعطى الانطباع بأن لواشنطن مطالب لم تتحقق بأكملها، وحسابات تقودها إلى عدم التطبيع مع طهران، إلا بعد حصولها على ضماناتٍ أبعد من المكاسب الاقتصادية التي يمكن أن تحققها من جرّاء "غزوها" المحتمل الاقتصاد الإيراني. تريد واشنطن خطواتٍ إيرانية ملموسة، لوقف سياستها التوسعية، وتدخلها المباشر ومن خلال وكلائها الإقليميين في دول المنطقة، والتي تخلّ بالتوازنات المحلية والإقليمية. وفي الرؤية الأميركية، تشكل هذه المساعي سبباً لزعزعة الاستقرار، وما على طهران إلا وقفها، من دون أن يعني ذلك نفياً مطلقاً لدورها في دول جوارها، حيث لها روابط وتحالفات مع قوى محلية، أو تأثيرات وقنوات نفوذ باتت قائمة بحكم الأمر الواقع.
وتترافق هذه العقدة التي تعيق "الشراكة" مع إيران في الشرق الأوسط، وتمنع حصول هدنة كاملة معها، مع شعور بعدم الثقة لدى الولايات المتحدة بتخلي إيران عن مشروع امتلاك السلاح النووي. ويشكّك تيار واسع في واشنطن بأن الاتفاق النووي يؤخر جهود طهران لصنع القنبلة النووية، لكنه لم يدفعها إلى التخلي عن مثل هذا "الطموح".
في ظل رفض سياسة النفوذ التي تتبعها إيران، وعدم الثقة بنياتها النووية على المدى الطويل، اختارت الولايات المتحدة القيام باستعراض للقوة الدبلوماسية في الإقليم. فمن خلال تجميع الدول العربية والإسلامية وراءها في ثلاث قمم في الرياض، يومي السبت والأحد الماضيين، تكون واشنطن قد حصّنت نفسها، قبل توجيه مجموعة رسائل واضحة إلى لاعبين، غير الحلفاء في الشرق الأوسط، خصوصاً إيران وروسيا، مفادها بأن واشنطن غير غائبة عن عملية إعادة
الرسالة الأخرى، عسكرية بامتياز، تتمثل في تعزيز سياسة التعاون العسكري مع دول الخليج، من خلال مدّها بكميات كبيرة من الأسلحة الحديثة والفعّالة، تطمئنها وتتيح لها الحماية من إيران، كما تكسبها تفوقاً عسكرياً عليها، ضرورياً لبناء توازن إقليمي، يميل عملياً لصالح السعودية ودول الخليج، في مقاييس الحرب التقليدية النظامية. وهذا معطىً تدركه إيران التي أرهقتها العقوبات الدولية المفروضة على نظامها، منذ عام 1979، وجعلت قواتها المسلحة تفتقر لتقنيات متطورة تمتلكها اليوم دول الخليج، بفضل صفقات شراء السلاح الحديث من الدول الغربية. فارتكاز إيران على المهارات القتالية لقوات الحرس الثوري الإيراني لا يجعلها تتناسى نقاط ضعفها البنيوية على المستوى العسكري، الدفاعي والهجومي. وما محاولات إيران اقتناء أنظمة دفاعية روسية متطورة ومضادة للصواريخ إلا دليل على نيّتها سد ثغراتها في أي مواجهة عسكرية محتملة في المستقبل.
لكن هذه الرسالة العسكرية تبقى ذات بعد ردعيّ، وليس هجومياً، فالتوجه الذي كرّسه ترامب في خطابه في الرياض، والمطابق لما ساد في عهد سلفه، الرئيس باراك أوباما، هو في الحفاظ على الجهوزية العسكرية التامة لردع إيران، إذا لزم الأمر، ولا سيما إذا انتقلت بتصرفاتها إلى مرحلة تهديد خطير لمصالح وأمن واشنطن وحلفائها الخليجيين.
هكذا، تكون واشنطن قد أبدت حرصاً واضحاً على منع أي تأويل خاطئ للتعاون العسكري مع السعودية ودول الخليج. ويقوم هذا التعاون على حسابات البيع أي الربح، وحسابات القوة التي تعني تعزيز الإمكانات الدفاعية للسعودية ودول الخليج، لكي تصبح مؤهلةً لمواجهة "التهديد" الإيراني، بنفسها، بالاعتماد على نفسها. ما تفكّر به الإدارة الأميركية الحالية، شأنها شأن سابقتها، لا يتعدّى حدود هذه الحسابات، أي ليس وارداً بالنسبة لواشنطن القيام بتدخل عسكري جديد في الشرق الأوسط، أو لخوض مواجهة عسكرية بالنيابة عن حلفائها الخليجيين، وهو ما أصرّ ترامب على قوله حرفياً على مسامع مضيفيه الخليجيين. وينطبق هذا التوجه على مكافحة الإرهاب، وكذلك على الصراع مع إيران.
صحيح أن ترامب دان الدور الإيراني في رعاية منظمات يصفها بالإرهابية، في عدد من دول
كما بدا كأن خطاب ترامب يعكس دافعيْن، متباعديْن، إن لم يكونا متناقضين، لدى دائرة صنع القرار في البيت الأبيض. يمكن تلمس هذين الدافعين بقوله: "حتى يرغب النظام الإيراني في أن يكون شريكاً في السلام، على جميع الدول أن تعمل معاً لعزل إيران، ومنعها من تمويل الإرهاب، وأن تدعو أن يأتي اليوم الذي يتمتع فيه الشعب الإيراني بالحكومة العادلة الصالحة التي يستحقها". واضحة إذاً التوليفة بين فكرتين: الأولى تعني أن لا نية في تغيير النظام الإيراني، المدعو إلى التفاوض حول كيفية بناء توازن إقليمي جديد، وترسيم حدود النفوذ الإيراني في الشرق الأوسط، لكي يكون بالتالي "شريكاً في السلام" وفق المنظور الأميركي. والفكرة الثانية كناية عن دعوة خجولة وغامضة، تتبناها بعض الأجنحة في الإدارة الأميركية حول تغيير النظام الإيراني، دون إبراز أية إشارة إلى إمكانية حصول تدخل عسكري أميركي لتحقيق هذه "الأمنية". على أية حال، تبدو مسألة عزل إيران ملتبسة أيضاً، لأن هذا البلد يستفيد من تعاون مع روسيا والصين، ومن انفتاح أوروبي على الاستثمار في الاقتصاد الإيراني بعد الاتفاق النووي عام 2015. وهذا ما يدعو إلى التساؤل عمّا إذا كان ترامب يرضي القادة السعوديين بكلماتٍ بعيدة كل البعد عن الواقع؟
وفي إطار دفاعه عن "ضرورة" التعبئة الإقليمية ضد الإرهاب، قصد ذلك الذي تدعمه إيران
وكأن الولايات المتحدة قالت، ولا تزال تقول للأنظمة العربية والخليجية، إنها لن تتركهم وحدهم بمواجهة التوسع الإيراني، وأن بإمكانهم الاعتماد على الدور الأميركي، وما تمثله أميركا من قوة مرجحة عالمياً، مع كل إمكاناتها الردعية العسكرية، وعلى قدرتها على إعادة إنتاج معادلة سياسية في الشرق الأوسط، تكون فيها واشنطن ضابط الإيقاع الذي لا يسمح بقلب التوازنات بشكل يهدّد مصالحه ومصالح حلفائه. لكن واشنطن تريد حصر القسم الأكبر من اللعبة الشرق أوسطية بين اللاعبين الإقليميين، ما يعني أن لا تدخل أميركياً مباشراً، طالما أن المصالح الحيوية والاستراتيجية بعيدة عن تهديد خطير.
وثمّة رسالة ضمنية، يعكسها خطاب ترامب حول إيران، وهو دعوتها إلى أن تكون شريكة في إعادة بسط الاستقرار في الشرق الأوسط. بمعنى آخر، يمكن التساؤل عما إذا كانت هناك دعوة للتفاوض، وما إذا كانت مفاوضات أميركية – إيرانية انطلقت أو ستنطلق للاتفاق على ترتيبات لإعادة الاستقرار إلى المنطقة؟ وما الذي سيمنع الأميركيين من جر طهران إلى التفاوض ما دامت توّاقة لتوظيف الاتفاق النووي مع المجتمع الدولي، بغية تطوير اقتصادها وفتح أسواقها أمام الاستثمارات الأجنبية. وإرادة الإيرانيين جليّة في هذا الصدد، وهم عبروا عنها بإعادة انتخاب الرئيس حسن روحاني لولاية ثانية. لكن السؤال يتمثل هنا في معرفة ما إذا كانت دوائر صنع القرار في طهران تعتقد أن في وسعها، في الآن معاً، قطف ثمار الاتفاق النووي اقتصادياً، والاستمرار بسياساتها التوسعية نفسها في الشرق الأوسط، وبلعب الدور نفسه في سورية والعراق واليمن ولبنان، بشكل يثير نقمة لاعبين محليين أساسيين في هذه البلدان، وغضب السعودية ودول الخليج؟
من الصعب التكهن بطبيعة الأجوبة التي ستحملها الأيام المقبلة. ولكن تعليق الرئيس الإيراني، روحاني، على مخرجات قمة الرياض، بقوله إنه من غير الممكن استعادة الاستقرار في الشرق الأوسط من دون إيران، ينطوي على ملاقاة ترامب عند منتصف الطريق، ما قد يعزّز فرص حصول مفاوضات حول كيفية إعادة ترسيم النفوذ وبسط الاستقرار في المنطقة، وعلى قاعدة تعبيد الطريق أمام صيغ تعاون اقتصادي مربح للجميع (Win-win game). صيغة لا تكون فيها السعودية مطلقة اليدين، ولا تسرح وتمرح فيها إيران كما يحلو لها، في هذا المنطقة غير المتجانسة.