09 يونيو 2017
الهند.. تقدّم اقتصادي وفقر مخيف
حققت الهند في عام 2016 نمواً اقتصادياً قدره 7.6% (الصين 6.9 والنمو العالمي: 3.5%) وسوف تكون في العام 2022 الدولة الأكثر سكاناً، وعلى الرغم من الفارق الاقتصادي الكبير بين الهند والصين لصالح الصين (الناتج المحلي الصيني يزيد على 10 تريليونات دولار مقابل حوالي تريليوني دولار للهند)، فإن الهند تبدو منافساً قائماً ومستقبلياً للصين، وتشغل الدراسات والتقارير على نحو دائم بالمقارنة بينهما.
يعتمد الاقتصاد الهندي على تكثيف العمل لأجل تشغيل أكبر عدد ممكن من الشباب، والتنمية الزراعية لتوفير الغذاء، وقد تحولت الهند إلى مصدّر عالمي للغذاء، وتكنولوجيا المعلومات والمهن المطلوبة في الاقتصاد العالمي، وصناعة قطع الغيار، وتوظف انتشار اللغة الانجليزية في مشاركةٍ مهمةٍ في الاقتصاد العالمي من خلال شبكة الإنترنت، أو لاستقطاب الشركات العالمية للعمل والاستثمار في الهند.
ولكن الهند، على الرغم من نموها الاقتصادي وتزايد أهميته السياسية والعالمية، تواجه تحدياتٍ خطيرةً تعوق قدرتها على الازدهار، فما زال الفقر يطحن أكثر من نصف السكان، وما زال أكثر من 250 مليون هندي محرومين من الكهرباء، وينخفض معدل الأعمار (مؤشر الرعاية الصحية والمرض) فيها عن المتوسط العالمي، وما زالت الطبقية وعدم المساواة والإقطاع تشكل حالة انقسام اجتماعي اقتصادي، ومصدراً للصراعات والأزمات الداخلية في الهند، فمازال معظم المزارعين لا يملكون الأراضي التي يعملون فيها؛ ما يجعلهم في حالةٍ من الهشاشة وعدم الأمان وضعف الإنتاجية، وما زالت الدولة في الهند تملك حصصاً كبرى في البنوك.
ويشكّك باحثون ومفكرون اقتصاديون مثل أمارتيا سن (كتاب المجد غير المؤكد: الهند وتناقضاتها) وديريك (فورين أفيرز: كيف يمكن للحكومة الهندية أن تجعل شبه القارة تنمو؟) في الأرقام والحسابات الهندية، أو في مؤشراتها ودلالاتها الحقيقية. يقول سن إن الرواية الهندية للتقدم الاقتصادي تحتاج مراجعة، فما من تقدّم وازدهار من غير استثمار كبير في التعليم والصحة والمدارس والعيادات والمرافق والخدمات العامة الأساسية. وبغير ذلك، فإن أغلبية الهنود يعيشون محرومين على نحوٍ لا يُرى في الدول التي تحترم نفسها، وتحاول أن تتقدّم في العالم. وبالنظر إلى مؤشرات التنمية الإنسانية، ومقارنتها بالدول المجاورة، والمشابهة للهند، يلاحظ سن أنها تحتل مكانةً متأخرةً في مواجهة الفقر وسوء التغذية وعدم القراءة والكتابة، ولا يغيّر من ذلك، كما يقول سن، أن تكون الهند أمة المهندسين اللامعين، والمديرين الكبار في الشركات العالمية، أو أمة العباقرة، كما تقول الكاتبة البريطانية من أصل هندي، أنجيلا سايني (كتاب أمة من العباقرة: كيف تفرض العلوم الهندية هيمنتها على العالم؟)
المشكلة، برأي سن وديريك، في تغييب الفقراء، وهم أغلب الناس، ويشكّلون أغلبية الناخبين عن السياسة العامة والنقاش العام حولها، أي أن الأغلبية لا يُسمع صوتها، وغير قادرة على التأثير
في السياسة والتخطيط والإنفاق العام. وفي الوقت نفسه، ما يمكن تحقيقه من تقدّم يعتمد اعتمادًا كبيرًا على القضايا الممكن تحريكها، نتيجة المشاركة العامة، وهذا ما يجعل كتاب "المجد غير المؤكد" يوجه النقد مباشرةً إلى الخطاب الإعلامي الاحتفالي في معالجة الأحداث والأفكار والتعامل معها؛ فقد انتشرت وسائل الإعلام والفضائيات التي يهيمن عليها القيل والقال والإشاعات والفضائح، والتي تلهث وراء لاعبي الكريكت والمليارديرات ونجوم بوليود، وصراعات النخب السياسية. صحيح أن وسائل الإعلام الهندية ليست فريدةً في اتجاهها وطبيعتها في العالم، لكن مخاطرها في الهند تكون أكبر، خصوصاً أنها تفرض على المجتمعات والحكومات الأولويات والأجندات، وفي بلدٍ، مثل الهند، حيث يعيش أكبر عدد في العالم من الفقراء والجوعى والمرضى والمصابين بسوء التغذية.
ولأجل إثبات وجهة نظرهما (سن وديريك)، فقد شاركا في كتاب "لماذا مسائل النمو؟" بالمشاركة مع اقتصاديين كبار في الهند، في مواجهة أبطال تحرير السوق الذين يعتقدون أن الإنفاق على برامج الرعاية الصحية والاجتماعية يعرقل النمو الاقتصادي.
من الخطأ أن يُقرأ (المجد غير المؤكد) باعتباره مرافعةً ضد الليبرالية؛ فالكتاب أكبر من ذلك، كما يقول جوتيوثوتام المحرّر السابق لشؤون جنوب آسيا في مجلة التايم، لكنه كما يصفه دعوة مخلصة من القلب لإعادة التفكير ومحاولة الإجابة عن السؤال: ما هو التقدم في بلد فقير؟
وتبذل المنظمات الاجتماعية والنقابات العمالية جهوداً للتأثير في السياسة الاقتصادية الهندية، على النحو الذي يحقق للعمال الضمان الاجتماعي وزيادة الحد الأدنى من الأجور، وقد نظمت إضرابات كبرى لأجل ذلك، إذ لا يتمتع بحماية قانون العمل أكثر من 5% من العمال، وتنسحب الدول من تمويل خدمات الفقراء ودعمهم بالسلع الأساسية، وعلى الرغم من النمو الاقتصادي السريع في الهند، فإن الفقر يتراجع ببطء!
وفي المقابل، نجحت الهند في استقطاب عدد كبير من الشركات العالمية للاستثمار فيها في مجالات مهمة وحيوية، مثل الدواء والتعدين وتكنولوجيا الفضاء. وتتمتع الهند أيضا بنسبةٍ عاليةٍ من الشباب المتعلمين تعليماً متقدماً، كما أنها تتقدّم في صناعة السينما.
ويظل التحدّي الأكبر الذي يواجه الهند ويهدّدها أيضا هو الانزلاق إلى التوتر والصراع السياسي والعسكري مع باكستان، وربما الصين، ما يجعلها تستنزف جزءاً كبيراً من مواردها في التسليح والصناعات العسكرية.
يعتمد الاقتصاد الهندي على تكثيف العمل لأجل تشغيل أكبر عدد ممكن من الشباب، والتنمية الزراعية لتوفير الغذاء، وقد تحولت الهند إلى مصدّر عالمي للغذاء، وتكنولوجيا المعلومات والمهن المطلوبة في الاقتصاد العالمي، وصناعة قطع الغيار، وتوظف انتشار اللغة الانجليزية في مشاركةٍ مهمةٍ في الاقتصاد العالمي من خلال شبكة الإنترنت، أو لاستقطاب الشركات العالمية للعمل والاستثمار في الهند.
ولكن الهند، على الرغم من نموها الاقتصادي وتزايد أهميته السياسية والعالمية، تواجه تحدياتٍ خطيرةً تعوق قدرتها على الازدهار، فما زال الفقر يطحن أكثر من نصف السكان، وما زال أكثر من 250 مليون هندي محرومين من الكهرباء، وينخفض معدل الأعمار (مؤشر الرعاية الصحية والمرض) فيها عن المتوسط العالمي، وما زالت الطبقية وعدم المساواة والإقطاع تشكل حالة انقسام اجتماعي اقتصادي، ومصدراً للصراعات والأزمات الداخلية في الهند، فمازال معظم المزارعين لا يملكون الأراضي التي يعملون فيها؛ ما يجعلهم في حالةٍ من الهشاشة وعدم الأمان وضعف الإنتاجية، وما زالت الدولة في الهند تملك حصصاً كبرى في البنوك.
ويشكّك باحثون ومفكرون اقتصاديون مثل أمارتيا سن (كتاب المجد غير المؤكد: الهند وتناقضاتها) وديريك (فورين أفيرز: كيف يمكن للحكومة الهندية أن تجعل شبه القارة تنمو؟) في الأرقام والحسابات الهندية، أو في مؤشراتها ودلالاتها الحقيقية. يقول سن إن الرواية الهندية للتقدم الاقتصادي تحتاج مراجعة، فما من تقدّم وازدهار من غير استثمار كبير في التعليم والصحة والمدارس والعيادات والمرافق والخدمات العامة الأساسية. وبغير ذلك، فإن أغلبية الهنود يعيشون محرومين على نحوٍ لا يُرى في الدول التي تحترم نفسها، وتحاول أن تتقدّم في العالم. وبالنظر إلى مؤشرات التنمية الإنسانية، ومقارنتها بالدول المجاورة، والمشابهة للهند، يلاحظ سن أنها تحتل مكانةً متأخرةً في مواجهة الفقر وسوء التغذية وعدم القراءة والكتابة، ولا يغيّر من ذلك، كما يقول سن، أن تكون الهند أمة المهندسين اللامعين، والمديرين الكبار في الشركات العالمية، أو أمة العباقرة، كما تقول الكاتبة البريطانية من أصل هندي، أنجيلا سايني (كتاب أمة من العباقرة: كيف تفرض العلوم الهندية هيمنتها على العالم؟)
المشكلة، برأي سن وديريك، في تغييب الفقراء، وهم أغلب الناس، ويشكّلون أغلبية الناخبين عن السياسة العامة والنقاش العام حولها، أي أن الأغلبية لا يُسمع صوتها، وغير قادرة على التأثير
ولأجل إثبات وجهة نظرهما (سن وديريك)، فقد شاركا في كتاب "لماذا مسائل النمو؟" بالمشاركة مع اقتصاديين كبار في الهند، في مواجهة أبطال تحرير السوق الذين يعتقدون أن الإنفاق على برامج الرعاية الصحية والاجتماعية يعرقل النمو الاقتصادي.
من الخطأ أن يُقرأ (المجد غير المؤكد) باعتباره مرافعةً ضد الليبرالية؛ فالكتاب أكبر من ذلك، كما يقول جوتيوثوتام المحرّر السابق لشؤون جنوب آسيا في مجلة التايم، لكنه كما يصفه دعوة مخلصة من القلب لإعادة التفكير ومحاولة الإجابة عن السؤال: ما هو التقدم في بلد فقير؟
وتبذل المنظمات الاجتماعية والنقابات العمالية جهوداً للتأثير في السياسة الاقتصادية الهندية، على النحو الذي يحقق للعمال الضمان الاجتماعي وزيادة الحد الأدنى من الأجور، وقد نظمت إضرابات كبرى لأجل ذلك، إذ لا يتمتع بحماية قانون العمل أكثر من 5% من العمال، وتنسحب الدول من تمويل خدمات الفقراء ودعمهم بالسلع الأساسية، وعلى الرغم من النمو الاقتصادي السريع في الهند، فإن الفقر يتراجع ببطء!
وفي المقابل، نجحت الهند في استقطاب عدد كبير من الشركات العالمية للاستثمار فيها في مجالات مهمة وحيوية، مثل الدواء والتعدين وتكنولوجيا الفضاء. وتتمتع الهند أيضا بنسبةٍ عاليةٍ من الشباب المتعلمين تعليماً متقدماً، كما أنها تتقدّم في صناعة السينما.
ويظل التحدّي الأكبر الذي يواجه الهند ويهدّدها أيضا هو الانزلاق إلى التوتر والصراع السياسي والعسكري مع باكستان، وربما الصين، ما يجعلها تستنزف جزءاً كبيراً من مواردها في التسليح والصناعات العسكرية.