27 سبتمبر 2018
الهروب إلى المؤامرة
كلما بدأ حراك شعبي يتكرّر الاتهام نفسه: مؤامرة. تكرّر النظم ذلك، وهي تعرف السبب الحقيقي، لكنها تهدف إلى أن تبرّر قمعها عبر اتهامٍ يخدم ذلك. لكن تكرّر خلفها الاتهام جوقة من "النخب"، بوعي أو بلا وعي: مؤامرة. كل النظم تكرّر ذلك، وكلٌّ يتهم الآخرين بالمؤامرة. يتهم النظام في إيران أميركا بتحريك الشارع، خصوصاً أن أميركا تحاصره، وتهدّد بإزالته. ويتحدث النظام في العراق عن مؤامرة، يعتبرها بعضهم إيرانية، ويعتبرها آخرون غير ذلك. وفي الأردن، جرى الحديث عن مؤامرة، حين بدأت حركة احتجاجات قوية. حتى في فلسطين اعتبرت السلطة أن الحراك من أجل رفع الحصار عن غزة مؤامرة "حمساوية"، بينما اعتبرت سلطة حركة حماس الحراك في غزة مؤامرة من السلطة في رام الله. وهكذا منذ بدء الثورات في البلدان العربية، ليكون كل حراك شعبي مؤامرة مدفوعة الأجر من دولةٍ ما، خصوصاً هنا أميركا الإمبريالية التي تستطيع تحريك الشعوب ببساطة، حتى ضد عملائها.
لا يخفي هذا الأمر استصغار للشعوب، حين يُطلق من "نخب"، وجهل يحكمها تجاه فهم الواقع، وفهم الإمبريالية والمؤامرة، وآليات حراك الشعوب، لكن النظم التي تُطلق "الصرخة" بأن ما يجري هو مؤامرة تعرف ماذا تريد من إطلاق هذه "الصرخة"، فهي تعرف أكثر من غيرها وضع الشعوب، وهي تعرف لأنها تعرف أنها تمارس أقصى أنواع النهب، وأن ذلك سوف يقود إلى التمرّد والثورة. لهذا تتبع سيناريو (تكرّر في كل البلدان التي شهدت حراكاً أو ثورة)، يقوم على مستويين، في مستوى يجري تعميم خطاب يقول بوجود مدسوسين وعملاء، و"طرف ثالث" يريد الوقيعة، وبالتالي يجري الحديث عن مؤامرة. وفي مستوىَ ثانٍ، تمارس الأجهزة القمعية، أجهزة مكافحة الإرهاب والشغب، والأجهزة الأمنية، وحتى الجيش، كل العنف الممكن، حيث ليس من خيار للنظام، حين حراك الشعب سوى العنف العاري. ولتبرير ممارسة ذلك كله يكون المستوى الأول ضرورةً لتبرير المستوى الثاني، حيث ليس من إمكانيةٍ لوقف الثورة إلا عبر العنف العاري. وتحتاج ممارسة العنف إلى مبرِّر، حتى ولو شكليا، والمبرِّر هنا هو هذا الاتهام الذي يبدأ بتسريب "معلومات" عن وجود مندسّين، ومخرّبين، وعملاء، وصولاً إلى الحديث عن مؤامرة.
لهذا بات حراك الشعوب مؤامرة. وربما بات أكثر من ذلك، إنه إرهاب. هذا ما فعله النظام السوري الذي تحدث عن ملايين الإرهابيين. ولا شك في أن مصلحة النظم تفرض هذا "الكذب"، لأنها تريد مبرّراً للقتل والتدمير لسحق الثورة. ولقد أعدّت قوى قمع مدرَّبة جيداً، وبنت قوى "مرتزقة" متماسكة، بالضبط لأنها تعرف أن سياساتها الاقتصادية سوف تقود إلى أن يثور الشعب. وبالتالي عليها قمعه بكل وحشية. وهي لن تقول إنه ثار لأنه بات يموت نتيجة النهب الذي دفعه إلى حالة من العجز عن العيش. لهذا تخترع "نظريةً" متكاملة عن المؤامرة التي بات كل نظام يقلِّد الآخر في تكرارها.
ليست المشكلة هنا، فهذا سيناريو بات واضحاً ومكرّراً، لكن المشكلة في "النخب"، و"اليسارية" خصوصاً، التي تكرّر الخطاب ذاته. التي تقبل نظرية المؤامرة، وتنطلق من "أوهام سياسية" من دون فهم واقع الشعوب. وفي الواقع، تخاف الثورة أكثر من خوفها من النظم نفسها. لهذا تكرّر خطاب النظم حول المندسين والعملاء، والمؤامرة. يدفع الخوف من ثورة الفقراء هؤلاء إلى حضن الأنظمة المافياوية، هكذا ببساطة، فهم من فئات وسطى مهمشة، تمتلك نظرة استعلائية، وتعتقد أنها التي تقرّر مصير العالم. تسخر من الشعب كونه "جاهلا"، و"خانعا"، و"أصوليا"، "متخلفا"، وبالتالي لا يستحق النظر إليه. المهم لديها هي "القيم الوطنية العليا" التي لا تبدو قيماً ولا عليا. ولأنهم في هذه الوضعية يلتحقون، مجرّد بدء الثورات، بالنظم، ويأخذون بالدفاع عنها، تحت شعار: المؤامرة. وهم أيضاً يريدون تبرير مواقفهم باختراع مؤامرة، فكيف يمكن أن تكون ضد ثورة شعب من دون أن تعتبرها مؤامرة من الشيطان الأكبر: الإمبريالية.
لا يخفي هذا الأمر استصغار للشعوب، حين يُطلق من "نخب"، وجهل يحكمها تجاه فهم الواقع، وفهم الإمبريالية والمؤامرة، وآليات حراك الشعوب، لكن النظم التي تُطلق "الصرخة" بأن ما يجري هو مؤامرة تعرف ماذا تريد من إطلاق هذه "الصرخة"، فهي تعرف أكثر من غيرها وضع الشعوب، وهي تعرف لأنها تعرف أنها تمارس أقصى أنواع النهب، وأن ذلك سوف يقود إلى التمرّد والثورة. لهذا تتبع سيناريو (تكرّر في كل البلدان التي شهدت حراكاً أو ثورة)، يقوم على مستويين، في مستوى يجري تعميم خطاب يقول بوجود مدسوسين وعملاء، و"طرف ثالث" يريد الوقيعة، وبالتالي يجري الحديث عن مؤامرة. وفي مستوىَ ثانٍ، تمارس الأجهزة القمعية، أجهزة مكافحة الإرهاب والشغب، والأجهزة الأمنية، وحتى الجيش، كل العنف الممكن، حيث ليس من خيار للنظام، حين حراك الشعب سوى العنف العاري. ولتبرير ممارسة ذلك كله يكون المستوى الأول ضرورةً لتبرير المستوى الثاني، حيث ليس من إمكانيةٍ لوقف الثورة إلا عبر العنف العاري. وتحتاج ممارسة العنف إلى مبرِّر، حتى ولو شكليا، والمبرِّر هنا هو هذا الاتهام الذي يبدأ بتسريب "معلومات" عن وجود مندسّين، ومخرّبين، وعملاء، وصولاً إلى الحديث عن مؤامرة.
لهذا بات حراك الشعوب مؤامرة. وربما بات أكثر من ذلك، إنه إرهاب. هذا ما فعله النظام السوري الذي تحدث عن ملايين الإرهابيين. ولا شك في أن مصلحة النظم تفرض هذا "الكذب"، لأنها تريد مبرّراً للقتل والتدمير لسحق الثورة. ولقد أعدّت قوى قمع مدرَّبة جيداً، وبنت قوى "مرتزقة" متماسكة، بالضبط لأنها تعرف أن سياساتها الاقتصادية سوف تقود إلى أن يثور الشعب. وبالتالي عليها قمعه بكل وحشية. وهي لن تقول إنه ثار لأنه بات يموت نتيجة النهب الذي دفعه إلى حالة من العجز عن العيش. لهذا تخترع "نظريةً" متكاملة عن المؤامرة التي بات كل نظام يقلِّد الآخر في تكرارها.
ليست المشكلة هنا، فهذا سيناريو بات واضحاً ومكرّراً، لكن المشكلة في "النخب"، و"اليسارية" خصوصاً، التي تكرّر الخطاب ذاته. التي تقبل نظرية المؤامرة، وتنطلق من "أوهام سياسية" من دون فهم واقع الشعوب. وفي الواقع، تخاف الثورة أكثر من خوفها من النظم نفسها. لهذا تكرّر خطاب النظم حول المندسين والعملاء، والمؤامرة. يدفع الخوف من ثورة الفقراء هؤلاء إلى حضن الأنظمة المافياوية، هكذا ببساطة، فهم من فئات وسطى مهمشة، تمتلك نظرة استعلائية، وتعتقد أنها التي تقرّر مصير العالم. تسخر من الشعب كونه "جاهلا"، و"خانعا"، و"أصوليا"، "متخلفا"، وبالتالي لا يستحق النظر إليه. المهم لديها هي "القيم الوطنية العليا" التي لا تبدو قيماً ولا عليا. ولأنهم في هذه الوضعية يلتحقون، مجرّد بدء الثورات، بالنظم، ويأخذون بالدفاع عنها، تحت شعار: المؤامرة. وهم أيضاً يريدون تبرير مواقفهم باختراع مؤامرة، فكيف يمكن أن تكون ضد ثورة شعب من دون أن تعتبرها مؤامرة من الشيطان الأكبر: الإمبريالية.