الهدم في سخنين: ترجمة أولية لـ"قانون القومية" وكامينتس ضد فلسطينيي الداخل

25 يوليو 2018
الهدم بسخنين امتحان لردود فعل الشارع العربي (العربي الجديد)
+ الخط -
يعتبر قياديون وأهالٍ في الداخل الفلسطيني أن قيام المؤسسة الإسرائيلية، بجرافاتها وقواتها المدججة بالسلاح، بهدم بيت في مدينة سخنين في الأراضي المحتلة عام 1948، أول من أمس، بحجة البناء غير المرخص، "يتجاوز موضوع الهدم لما هو أخطر". فسخنين ليست مجرد مدينة، بل هي رمز رموز النضال في الداخل الفلسطيني، وتشكّل أحد أضلاع بلدات مثلث يوم الأرض 1976 (سخنين، عرابة ودير حنا)، كما أنها من بلدات شهداء هبة القدس والأقصى في عام 2000. وتأثير ما حدث يمكن أن يلقي بظلاله على مختلف البلدات العربية في الأراضي المحتلة عام 1948.

وكانت عملية الهدم شهدت مواجهات بين الأهالي والشرطة الإسرائيلية، التي استخدمت الرصاص المطاطي والغاز المسيل للدموع، ما تسبب بجرح عدد من المواطنين ونقلهم إلى المستشفيات، فضلاً عن اعتقال آخرين. ويرى نشطاء ومسؤولون في الداخل الفلسطيني أن الهدم في سخنين "بمثابة امتحان لردود فعل الشارع العربي"، علماً أنه أول هدم يتم بعد سن الكنيست الإسرائيلي لـ"قانون القومية" العنصري، الأسبوع الماضي، كما يأتي ضمن سلسلة عمليات هدم شهدتها البلدات العربية في الداخل أخيراً، لا سيما بعد إقرار قانون "كامينتس" الذي يستهدف الوجود العربي والبيوت العربية.



ومن المنتظر اتخاذ عدة خطوات احتجاجية وأخرى عملية، في ظل وجود إجماع حول أهمية إعادة إعمار البيت. وناقشت بلدية سخنين  واللجنة الشعبية في المدينة بعض الخطوات المحتملة. واعتبر رئيس بلدية سخنين واللجنة القطرية لرؤساء السلطات المحلية العربية، مازن غنايم، أن "هدم بيت المواطن حسين عثمان هو بداية التنفيذ الفعلي لقانون القومية العنصري، الذي سن قبل أيام في الكنيست، وأن أجهزة الدولة بدلاً من أن تبحث عن كيفية حل أزمة السكن في مجتمعنا العربي وتقوم بتسريع المصادقة على الخرائط الهيكلية وتوسيعها فإنها تبعث بآليات الهدم لزيادة معاناة المواطنين العرب". وأضاف غنايم أن "بلدية سخنين قامت بكل ما يمكن من خطوات لمنع هدم بيت المواطن حسين عثمان، ووقفت كل الوقت إلى جانب صاحب البيت في مسعى لإيجاد حل قانوني، بدءاً من لجنة التنظيم المحلية وانتهاء بمكتب رئيس الدولة. لكن السياسة العنصرية التي تقودها هذه الحكومة تجاهنا كأقلية عربية، خصوصاً فيما يتعلق بقضايا الأرض والمسكن، لم تدع مجالاً لأي مبادرة أخرى".

تظاهرة في سخنين احتجاجاً على عملية هدم البيت (العربي الجديد)

امتحان لفلسطينيي الداخل

وقال عضو اللجنة الشعبية في سخنين، محمد حيادي، لـ"العربي الجديد"، إن "ما حدث في سخنين هو سابقة خطيرة جداً، قد تكون تطبيقاً لقانون كامينتس وقانون القومية، بحيث إن من يبني ويزرع تُقتلع أشجار زيتونه في أرضه ويُهدم بيته على ما فيه، بمشاركة قوات خاصة واستخدام الغاز المسيل للدموع وغيره. المشهد كان شبيهاً بما يحدث عند السياج الحدودي في قطاع غزة. ما تم هو عمل خطير يستهدف الوجود العربي في فلسطين التاريخية. إذا كانت المؤسسة الإسرائيلية لا تريد أن تسمح للمواطن بالبناء على أرضه الخاصة التي ورثها أباً عن جد، ومن جهة أخرى لا تقدم قسائم للبناء، فما العمل وإلى أين المفر؟ ما حدث مستنكر، ونحن متضامنون مع صاحب البيت الذي وضع كل تعب حياته من أجل بناء البيت، وفي النهاية تأتي المؤسسة وتهدمه ليصبح ركاماً. وهذا ينسحب على جميع أصحاب البيوت التي هدمت أو المهددة بالهدم في الداخل". وأضاف حيادي "ما حدث في سخنين حدث في عدة بلدات عربية، وهناك نحو 50 ألف بيت في المجتمع العربي مهددة بالهدم. أين يحدث أن تقوم دولة، تدّعي أنها عصرية وديمقراطية، بهدم بيوت مواطنيها وتشردهم بدل أن تبني لهم؟ علينا أن نتصدى بكل الوسائل المتاحة للعنصرية والهدم، سواء شعبياً، أو قانونياً أو حتى دولياً. ما حدث في سخنين هو امتحان لكل أبناء الداخل الفلسطيني وردة الفعل يجب أن تتناسب مع مستوى الحدث".

تدويل القضية

بدوره، اعتبر نائب رئيس بلدية سخنين، محمد زبيدات، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن "ما حدث سابقة، فالمدينة لم تشهد هدماً كهذا من قبل". وأضاف "واضح أن الحكومة الإسرائيلية ماضية في عنصريتها وقوننة هذه العنصرية وتطبيقها على أرض الواقع. هدم البيت في سخنين هو بداية لتطبيق قانون القومية العنصري الذي سنّه الكنيست الإسرائيلي قبل أيام، ومن قبله قانون كامينتس. بدل أن تبحث الحكومة عن حلول تخطيطية لحل أزمة السكن، فإنها تبعث بجرافاتها وقواتها للهدم وللتعامل بوحشية مع المواطنين العرب، مثلما حدث في سخنين، إذ استخدمت قوات الشرطة القنابل الصوتية والغاز المسيل للدموع والرصاص المطاطي وغير ذلك من وسائل القمع، ما أدى إلى سقوط جرحى ومعتقلين. هذا يؤكد ويثبت بشكل واضح أن هناك نية مبيتة للتعامل مع الوسط العربي بشكل عنصري".

ولفت زبيدات إلى أنه "لا يمكن أن تدخل جرافات الهدم سخنين ونحن نقف متفرجين. هذا الأمر لا يحدث في سخنين، ومن هنا رد الفعل الشعبي الذي حاول منع هدم البيت، وجوبه بالقوة من قبل الشرطة الإسرائيلية. لا يمكن أن نقبل بظلم يلحق بنا. تعامل الشرطة كان مستفزاً وإطلاق الرصاص كان في جميع الاتجاهات". وأكد زبيدات أنه "يتوجب على فلسطينيي الداخل جميعاً أن يحملوا هذا الملف. للأسف الشديد التحرك الشعبي في مجتمعنا العربي دون المستوى في ظل القوانين والخطوات العنصرية ضدنا من قبل المؤسسة الإسرائيلية وأذرعها المختلفة. لا بد من اتخاذ خطوات أقوى وأكثر فاعلية للتعامل مع التطورات، وآن الأوان لتدويل قضيتنا، لأننا إذا تُركنا لحكومة إسرائيل فإنها تتاجر فينا من أجل كسب الأصوات من قبل مناصريها والمجتمع الاسرائيلي، من خلال التوغل في العنصرية ضد العرب. أيضاً ما يشجع حكومة إسرائيل الاضطهاد من دول الجوار للمواطنين، فترى أنها يجب ألا تكون ديمقراطية وليبرالية أكثر من غيرها في المنطقة تجاه المواطنين العرب، رغم ادعائها الزائف بأنها واحة الديمقراطية".

هناك نحو 50أالف بيت مهدد بالهدم (العربي الجديد)


الخروج من مرحلة رد الفعل

عضو لجنة المتابعة العليا لفلسطينيي الداخل، إبراهيم حجازي، تحدث لـ"العربي الجديد" عن مستويين أساسيين، في قراءته لسلسلة عمليات الهدم التي تستهدف البيوت العربية، وربط الأمر بالقضية الفلسطينية عامة. وقال "نحن نتحدث عن حكومة يمينية فاشية بقيادة (رئيس الحكومة بنيامين) نتنياهو منذ أكثر من 10 سنوات، تضم بين من تضم تيارات كانت ذات يوم هامشية في المشهد السياسي الإسرائيلي. هؤلاء باتوا اليوم من أصحاب القرار الرسمي وأصبحوا يتصدرون المشهد. وما كان يبدو وكأنه على الهامش بات البرنامج الأساسي للحكومة الإسرائيلية، وعلى رأس ذلك قضية الاستيطان في الضفة الغربية وتحويلها إلى كانتونات، والإجهاز على إمكانية إقامة دولة فلسطينية". وأضاف "أما على صعيد الداخل الفلسطيني، فتسعى أيضاً إلى حصار المدن والقرى العربية وضرب المجتمع الفلسطيني في الداخل، وتفكيك المجتمع عن طريق إغراق المجتمع العربي بالسلاح والتستر على جرائم القتل وإشاعة الفوضى، بالإضافة إلى سن القوانين العنصرية، وآخرها قانونان خطيران جداً، هما كامينتس والقومية. قانونان يستهدفان وجودنا في وطننا، ويهدفان إلى إلغاء وجودنا على المستوى الرسمي، لكننا باقون وصامدون في أرضنا رغم كل ما تحيكه المؤسسة الإسرائيلية لنا. طبعاً التطبيقات العملية موجودة منذ عقود، لكن القوانين تأتي لتعطيها صفة رسمية وشرعية بمفهوم المؤسسة".

وأضاف حجازي "الآن ما من شك أننا أمام تحديات كبيرة جداً، في أساسها تحدٍ وجودي، إذ تحاول المؤسسة الإسرائيلية إلغاء وجودنا وهويتنا ولغتنا. الهدم الذي يضرب في كل مرة بلدة عربية مختلفة، في سخنين وطمرة والنقب وقلنسوة وغيرها، يأتي في هذا السياق، وهو تنفيذ عملي لقانون كامينتس الذي يحرمنا من التوجه للقضاء ويعطي الشرعية للجان التنظيم والبناء لتقوم مكان الجهات القضائية". وتابع "عمليات الهدم خصوصاً في سخنين، والتي تأتي في أعقاب سن قانون القومية، وكأنها إطلاق بالون اختبار من قبل المؤسسة الإسرائيلية، لدراسة ردة فعلنا حيال التطبيق العملي للقوانين العنصرية، كما أنها إمعان في استهدافنا. في سخنين اتخذوا قراراً بأن عملية الهدم لن تمر والأهالي فهموا الرسالة ودوافع السلطة بشكل صحيح وواجهوا الهدم، وهذا حق مشروع لكل إنسان في سخنين وغيرها، بأن يدافع عن بيته وأرضه، رغم كل وسائل القمع الوحشية. ما يحدث يجب ألا يمر مرور الكرام ويجب أن نقوم بفعل مقابل كل فعل بحجم الممارسات".

إضراب... وبناء استراتيجية

وفي إطار القرارات التي اتخذتها لجنة المتابعة، الإضراب الشامل الذي عم سخنين أمس الثلاثاء، احتجاجاً على عملية الهدم. وتطرق حجازي، في حديثه لـ "العربي الجديد"، إلى خطوات أخرى، بينها "تنظيم تظاهرة ضخمة في تل أبيب في الأيام القريبة، نتوقع أن يشارك فيها عشرات الآلاف، حتى نُسمع صوت الداخل الفلسطيني الرافض لهذه السياسات، ولكي ينتبه الجمهور الإسرائيلي للخطر الداهم الذي لن يقف عندنا لكنه سيعم الجميع، فلا يظن المجتمع اليهودي أن هذه الحكومة تعمل لصالحه، بالإضافة إلى خطوات أخرى". وشدد على أنه "يجب أن يكون لكل فعل رد فعل، ويجب أن يكون بحجم هذه الممارسات". وأكد أن "الأمر الأهم يكمن في الجانب الاستراتيجي، فما لم تكن لدى الداخل الفلسطيني رؤية جامعة تتحول إلى أهداف استراتيجية، ومن ثم إلى برنامج ومشروع سياسي واضح، سواء بشقه المدني أو الوطني، يوحدنا حوله ويشكل بوصلة للعمل، فإننا سنبقى كل الوقت في مكان رد الفعل، ولكن وجود الخطة والأهداف يعني أننا نخرج من القفص الذي وضعتنا فيه إسرائيل باتجاه أن نفرض وجودنا كأبناء شعب أصلي في هذه البلاد ونملك الحق بأن نكون أصحاب قرار في وطننا". وتابع "في اجتماع لجنة المتابعة أكدنا أننا يجب ألا نبقى عند رد الفعل، وإنما أن نخطط أين نريد أن نكون بعد 10 سنوات، وأن نكون جاهزين كل الوقت لمواجهة مخططات المؤسسة الإسرائيلية".