رُوعت مدينة كسلا شرق السودان، مساء الأربعاء الماضي، بحادث مأساوي، حين أقدم رجل، تقول المعلومات الأولية إنه من التكفيريين، على قتل شخصين وإصابة 8 آخرين، داخل أحد مساجد المدينة، قبل أن يلقى حتفه على يد المصلين الذين هاجموه.
وحسب بيانات رسمية من الشرطة المحلية فإن الحادث وقع عقب صلاة العشاء في مسجد في حي مكرام، أحد أشهر أحياء المدينة، الواقعة على الحدود مع إريتريا. وأشارت إلى أن المهاجم طلب، في البداية، إذناً من إمام المسجد لإلقاء خطبة، لكن الإمام رفض طلبه، بحكم معرفته بأفكاره التكفيرية، ليدخلا في مشادات كلامية عنيفة انتهت بطعن الإمام بسكين. ولم يقتصر هجوم التكفيري على الإمام، بل شمل باقي المصلين الذين دافعوا عن إمامهم، ليقتُل اثنين منهم ويصيب آخرين، فيما وصفت إصابة الإمام بالخطرة. ولجأ المصلون إلى الرد برمي المهاجم بالحجارة، للحيلولة دون مواصلة طعنه لهم، ما أدى إلى إصابته بجروح بليغة، أدت إلى وفاته في المستشفى.
وأكدت السلطات المحلية في الولاية أنها اتخذت كافة الإجراءات اللازمة، فضلاً عن القيام بمزيد من التحريات للتأكد ما إن كان الحادث شخصيا أم أن مجموعة تكفيرية تقف خلفه. وحسب مصادر لـ"العربي الجديد" فإن الجاني، واسمه جعفر بابكر في الأربعينيات من عمره، عبّر صراحة، منذ فترة طويلة، عن فكره، من خلال فتاوى صادرة عنه عن حُرمة استخدام الجنسية (أي عدم جواز استخدام وثائق الهوية الوطنية) وحُرمة الحكومة وغيرها من الفتاوى، لكنه، وحسب المصادر، لم ينتم إلى أية جماعة دينية بعينها، بينما شككت مصادر أخرى، في الصحة النفسية للمهاجم.
ويعيد الحادث إلى الأذهان قصص هجمات مماثلة على المصلين في مساجد السودان، أبرزها على الإطلاق ما عرف بحادثة الليبي محمد عبد الرحمن الخليفي، الذي كان معه اثنان من السودانيين، وهاجموا المصلين في أحد المساجد التابعة إلى جماعة "أنصار السنة" في الخرطوم في العام 1994 وقتلوا وأصابوا منهم العشرات، قبل أن يتوجهوا إلى مقر إقامة زعيم تنظيم "القاعدة"، الراحل أسامة بن لادن، خلال إقامته في السودان قبل انتقاله إلى أفغانستان، ويطلقوا النار على المنزل، من دون تعرض بن لادن لأذى. وبعد مطاردات عنيفة تم القبض على الخليفي، ونُفذ فيه حكم الإعدام بعد محاكمة شهيرة. حادثة أخرى وقعت في العام 2000، حين أطلق التكفيري عباس الباقر النار على المصلين في مسجد في منطقة الجرافة شمال الخرطوم، ما أدى إلى سقوط 20 قتيلاً. وبسبب هذا الهجوم، أعلنت الحكومة حالة الطوارئ لمواجهة حالات التطرف. ومنذ هجوم الجرافة، لم تشهد البلاد حوادث مماثلة، وحتى المجموعات التكفيرية سعت للخروج من السودان والانضمام إلى تنظيمات مثل "داعش" و"القاعدة".
ودخل الفكر التكفيري للسودان، للمرة الأولى، في سبعينيات القرن الماضي، آتياً من مصر، حيث نشأت جماعة "التكفير والهجرة" داخل السجون المصرية. ولم ترتكب الجماعات التكفيرية في السودان أعمال عنف إلا في حالات محدودة، مثل إحراق منازل عشوائية تصنع فيها الخمور المحلية، والاعتداء على مصلين داخل مسجد، من دون وقوع إصابات، في مدينة ود مدني وسط السودان، قبل أن يشن الخليفي والباقر هجومين، هما الأعنف من بين كل الحوادث. وقبل أربع سنوات، ومع ازدياد ظاهرة هروب الطلاب الجامعيين والشباب بصورة عامة إلى الخارج للانضمام إلى "داعش" أو "القاعدة"، سواء في سورية أو العراق أو الصومال أو مالي، أنشأ "مجمع الفقه الإسلامي" الحكومي مركزاً متخصصاً للرعاية والتحصين الفكري، هدفه الرئيس الدخول في سجال فكري مع الشباب المتطرفين وإقناعهم بالعدول عن أفكارهم. ونجح المركز، الذي يرأسه وزير الأوقاف الأسبق، عصام البشير، بإقناع نحو 90 في المائة من الذين جادلهم.
ورأى الصحافي المتخصص في الجماعات المتطرفة، الهادي محمد الأمين، أن الحادثة في كسلا، تؤكد أن الصراع الديني في السودان يصعد وينخفض بين فترة وأخرى، مقابل غياب استراتيجية حقيقية، من الدولة أو الدعاة، لمحاربة الفكر التكفيري. وأشار الأمين، لـ"العربي الجديد"، إلى عدم وجود نص في الدستور أو القانون السوداني يُجرم التكفير، و"هو الأمر الذي ربما يُساهم بتمدد المنظمات والفكر التكفيري بصورة عامة".
ورأى المحلل المتخصص في الجماعات الدينية، بابكر فيصل، أن سبب الحادثة في كسلا، تحديداً، هو انتشار الجماعات السلفية "رغم أن المدينة ظلت، خلال السنوات الماضية، قلعة للتصوف المتسامح، خصوصاً الطريقة الختمية"، مشيراً إلى أن الانتشار السلفي لم يستند إلى أمور دعوية فقط بل نشر معه خدمات لأهالي المنطقة، من مراكز صحية وتعليمية وغيرها. وأضاف فيصل، لـ"العربي الجديد"، أن الفكر السلفي مقسم إلى 3 أجزاء، مسالم وجهادي وتكفيري، في حين تبقى المرجعية الفكرية واحدة لهم جميعاً. وحذر من أن "الجماعات التكفيرية يمكن أن تنشط أكثر في أية لحظة، خصوصاً إذا حدثت تحولات سياسية في البلاد".
لكن أستاذ العلوم السياسية في جامعة أفريقيا العالمية، محمد خليفة الصديق، قال إن الحادثة الأخيرة في كسلا محدودة جداً، ولا تتوازى مع الحوادث السابقة، لا من حيث الأدوات المستخدمة ولا من جهة عدد الضحايا، إضافة إلى أنها جاءت بعد نحو 18 سنة من آخر حادثة شهدتها العاصمة الخرطوم، موضحاً أن الأداة المستخدمة في الواقعة (السكين) تشير إلى أنه حادث غير مخطط له، وربما يكون حادثاً عرضياً تسبب فيه النقاش الحاد بين المهاجم والمصلين، خصوصاً أن "حمل المواطنين للسكين في المنطقة من عادات أهالي المنطقة". لكن الصديق حذر، في حديث لـ"العربي الجديد"، من أن كل المؤشرات تؤكد وجود خلايا نائمة من التكفيريين "ينبغي على الأجهزة الأمنية التعامل معها، إما عبر الإقناع الفكري، كما حدث مع مجموعات أخرى، أو التحفظ عليهم ومراقبة تحركاتهم، حتى لا يؤدي الأمر في النهاية إلى عواقب وخيمة". وأكد أن "قيمة التسامح التي يمتاز بها المجتمع السوداني حالت دون نمو الفكر التكفيري الذي نشط في دول أخرى، بما فيها دول مجاورة للسودان"، مبيناً أن "غالبية المتورطين في الهجمات السابقة من جنسيات غير سودانية، أو هم سودانيون احتكوا طويلاً مع ذوي جنسيات أخرى متطرفة".
اقــرأ أيضاً
وحسب بيانات رسمية من الشرطة المحلية فإن الحادث وقع عقب صلاة العشاء في مسجد في حي مكرام، أحد أشهر أحياء المدينة، الواقعة على الحدود مع إريتريا. وأشارت إلى أن المهاجم طلب، في البداية، إذناً من إمام المسجد لإلقاء خطبة، لكن الإمام رفض طلبه، بحكم معرفته بأفكاره التكفيرية، ليدخلا في مشادات كلامية عنيفة انتهت بطعن الإمام بسكين. ولم يقتصر هجوم التكفيري على الإمام، بل شمل باقي المصلين الذين دافعوا عن إمامهم، ليقتُل اثنين منهم ويصيب آخرين، فيما وصفت إصابة الإمام بالخطرة. ولجأ المصلون إلى الرد برمي المهاجم بالحجارة، للحيلولة دون مواصلة طعنه لهم، ما أدى إلى إصابته بجروح بليغة، أدت إلى وفاته في المستشفى.
ويعيد الحادث إلى الأذهان قصص هجمات مماثلة على المصلين في مساجد السودان، أبرزها على الإطلاق ما عرف بحادثة الليبي محمد عبد الرحمن الخليفي، الذي كان معه اثنان من السودانيين، وهاجموا المصلين في أحد المساجد التابعة إلى جماعة "أنصار السنة" في الخرطوم في العام 1994 وقتلوا وأصابوا منهم العشرات، قبل أن يتوجهوا إلى مقر إقامة زعيم تنظيم "القاعدة"، الراحل أسامة بن لادن، خلال إقامته في السودان قبل انتقاله إلى أفغانستان، ويطلقوا النار على المنزل، من دون تعرض بن لادن لأذى. وبعد مطاردات عنيفة تم القبض على الخليفي، ونُفذ فيه حكم الإعدام بعد محاكمة شهيرة. حادثة أخرى وقعت في العام 2000، حين أطلق التكفيري عباس الباقر النار على المصلين في مسجد في منطقة الجرافة شمال الخرطوم، ما أدى إلى سقوط 20 قتيلاً. وبسبب هذا الهجوم، أعلنت الحكومة حالة الطوارئ لمواجهة حالات التطرف. ومنذ هجوم الجرافة، لم تشهد البلاد حوادث مماثلة، وحتى المجموعات التكفيرية سعت للخروج من السودان والانضمام إلى تنظيمات مثل "داعش" و"القاعدة".
ودخل الفكر التكفيري للسودان، للمرة الأولى، في سبعينيات القرن الماضي، آتياً من مصر، حيث نشأت جماعة "التكفير والهجرة" داخل السجون المصرية. ولم ترتكب الجماعات التكفيرية في السودان أعمال عنف إلا في حالات محدودة، مثل إحراق منازل عشوائية تصنع فيها الخمور المحلية، والاعتداء على مصلين داخل مسجد، من دون وقوع إصابات، في مدينة ود مدني وسط السودان، قبل أن يشن الخليفي والباقر هجومين، هما الأعنف من بين كل الحوادث. وقبل أربع سنوات، ومع ازدياد ظاهرة هروب الطلاب الجامعيين والشباب بصورة عامة إلى الخارج للانضمام إلى "داعش" أو "القاعدة"، سواء في سورية أو العراق أو الصومال أو مالي، أنشأ "مجمع الفقه الإسلامي" الحكومي مركزاً متخصصاً للرعاية والتحصين الفكري، هدفه الرئيس الدخول في سجال فكري مع الشباب المتطرفين وإقناعهم بالعدول عن أفكارهم. ونجح المركز، الذي يرأسه وزير الأوقاف الأسبق، عصام البشير، بإقناع نحو 90 في المائة من الذين جادلهم.
ورأى المحلل المتخصص في الجماعات الدينية، بابكر فيصل، أن سبب الحادثة في كسلا، تحديداً، هو انتشار الجماعات السلفية "رغم أن المدينة ظلت، خلال السنوات الماضية، قلعة للتصوف المتسامح، خصوصاً الطريقة الختمية"، مشيراً إلى أن الانتشار السلفي لم يستند إلى أمور دعوية فقط بل نشر معه خدمات لأهالي المنطقة، من مراكز صحية وتعليمية وغيرها. وأضاف فيصل، لـ"العربي الجديد"، أن الفكر السلفي مقسم إلى 3 أجزاء، مسالم وجهادي وتكفيري، في حين تبقى المرجعية الفكرية واحدة لهم جميعاً. وحذر من أن "الجماعات التكفيرية يمكن أن تنشط أكثر في أية لحظة، خصوصاً إذا حدثت تحولات سياسية في البلاد".
لكن أستاذ العلوم السياسية في جامعة أفريقيا العالمية، محمد خليفة الصديق، قال إن الحادثة الأخيرة في كسلا محدودة جداً، ولا تتوازى مع الحوادث السابقة، لا من حيث الأدوات المستخدمة ولا من جهة عدد الضحايا، إضافة إلى أنها جاءت بعد نحو 18 سنة من آخر حادثة شهدتها العاصمة الخرطوم، موضحاً أن الأداة المستخدمة في الواقعة (السكين) تشير إلى أنه حادث غير مخطط له، وربما يكون حادثاً عرضياً تسبب فيه النقاش الحاد بين المهاجم والمصلين، خصوصاً أن "حمل المواطنين للسكين في المنطقة من عادات أهالي المنطقة". لكن الصديق حذر، في حديث لـ"العربي الجديد"، من أن كل المؤشرات تؤكد وجود خلايا نائمة من التكفيريين "ينبغي على الأجهزة الأمنية التعامل معها، إما عبر الإقناع الفكري، كما حدث مع مجموعات أخرى، أو التحفظ عليهم ومراقبة تحركاتهم، حتى لا يؤدي الأمر في النهاية إلى عواقب وخيمة". وأكد أن "قيمة التسامح التي يمتاز بها المجتمع السوداني حالت دون نمو الفكر التكفيري الذي نشط في دول أخرى، بما فيها دول مجاورة للسودان"، مبيناً أن "غالبية المتورطين في الهجمات السابقة من جنسيات غير سودانية، أو هم سودانيون احتكوا طويلاً مع ذوي جنسيات أخرى متطرفة".