ليست تونس العاصمة تلك الشوارع الكبرى، والأبنية الضخمة، حيث تُصنع القرارات وتتراكم الثروة، بل هي تلك الفسيفساء التي تجمع كل محافظات البلاد في أحيائها، حيث نقل سكانها عاداتهم ولهجاتهم المميزة وتفاصيل حياتهم من قراهم ومدنهم التي نزحوا منها خلال رحلة البحث عن لقمة العيش.
في كل مقهى أو شارع أو حي في العاصمة أو مدن الساحل الكبرى، يمكن ملاحظة الاختلاف بين طاولة وأخرى، أو بين شقة وأخرى، حيث يستقر عشرات الآلاف من الشباب القادمين من مختلف مدن وقرى البلاد حالمين بحيز من الكرامة في تلك المدن المزدحمة، وهاربين من شريط جغرافي قُدر له أن يبقى في الظل لعقود، يتطلع بشغف وخوف نحو شرق أحرقت شمسه الكثير من أحلام النازحين والحالمين.
كشف التقرير الأخير للمعهد الوطني للإحصاء لعام 2014، أن أكثر من 70% من سكان تونس يعيشون على طول الساحل الشمالي والشرقي للبلاد، وقد فسر هذا الأخير الخلل الديمغرافي بالحصيلة الإيجابية لصافي الهجرة الداخلية التي جعلت من تلك المنطقة قطباً جاذباً بمعدل سنوي ناهز 7%.
غياب التوازنات الاقتصادية
يعلق الباحث الاقتصادي عماد بن سليمان حول تنامي هذه الظاهرة، قائلاً: "إن الهجرة نحو الشريط الشرقي للبلاد، حيث تتركز المدن الكبرى وأغلب النشاطات الاقتصادية، ليس بالظاهرة الحديثة، بل تعود إلى حقبة الاستعمار الفرنسي الذي غير التوازنات الاقتصادية وأعاد ترتيب مراكز الإنتاج والثروة، مما انعكس على التوزيع الديمغرافي للسكان".
ويستطرد الباحث قائلاً:" لم تحاول حكومات ما بعد الاستقلال، بجدية تعديل هذا الخلل على مستوى التنمية الجهوية والتوزع الديمغرافي للسكان، بل واصلت انتهاج السياسة نفسها القائمة على تركز الثروة وأغلب الأنشطة الاقتصادية في المدن الكبرى. لتبقى الجهات الداخلية الغربية مهملة، حيث بقيت الأنشطة الاقتصادية في الشريط الغربي تقليدية تعتمد أساساً على الزراعة البدائية. إذ تمثل اليد العاملة الفلاحية هناك 30.3% مقابل 16.1% كمعدل وطني، كما ظلت الأنشطة الصناعية محدودة جداً بقدرة تشغيلية لم تتجاوز حتى العام 2015 ما يقارب 8% من اليد العاملة مقابل معدل وطني ناهز19%".
يقول الخبير الاقتصادي محمد ياسين السوسي: "إن الهجرة الداخلية تعكس الاختلال الاقتصادي بين الشريط الغربي للبلاد الذي يعتبر منطقة منفرة لسكانه، وبين الشريط الشرقي الذي يستمر في جذب قوافل الباحثين عن لقمة العيش".
ويضيف: "إن الخلل الديمغرافي ناجم بالأساس عن عوامل اقتصادية هي نتاج سياسة تنموية كرّست تهميش المناطق المنفرة لصالح الشريط الساحلي للبلاد. حيث توجد على طول الساحل التونسي أهم المدن وأكثرها تطوراً وإشعاعاً وتركزاً للثروات سواء على مستوى المؤسسات وآليات الإنتاج أو على مستوى اليد العاملة النشيطة. إضافة إلى الحجم الكبير للاستهلاك والادخار. وهو ما ينعكس إيجاباً على سوق العمل، ويسهم في الحد من نسبة البطالة في تلك المناطق".
إذ استحوذت المدن الكبرى في الشرق التونسي على 75% من مواطن العمل إضافة إلى 70% من المؤسسات الاقتصادية. وفي المقابل، فإن الشريط الغربي يسجل نسباً مرتفعة للبطالة والفقر تصل إلى ضعفين أو ثلاثة أضعاف النسب المسجلة في العاصمة أو مدن الوسط الشرقي والتي تتراوح بين 10% و12% في أسوأ الحالات.
يعود هذا التفاوت الاقتصادي بحسب السوسي إلى سياسة الدولة في توجيه الاستثمارات العمومية والخاصة، حيث تم تركيز 85% منها خلال السنوات الخمس الماضية في الأقاليم الشرقية للبلاد.
ويشير الخبير الاقتصادي إلى أن تقسيم البلاد إلى مناطق جاذبة ومنفرة، له ارتدادات اقتصادية واجتماعية خطرة في مناطق الاستقطاب، حيث نشأت في المدن الكبرى ما يُعرف بأحزمة الفقر أو الأحياء العشوائية.
اقرأ أيضاً:الدائرة الاقتصادية التونسية: منظومة عاجزة ومجتمع محبط
في كل مقهى أو شارع أو حي في العاصمة أو مدن الساحل الكبرى، يمكن ملاحظة الاختلاف بين طاولة وأخرى، أو بين شقة وأخرى، حيث يستقر عشرات الآلاف من الشباب القادمين من مختلف مدن وقرى البلاد حالمين بحيز من الكرامة في تلك المدن المزدحمة، وهاربين من شريط جغرافي قُدر له أن يبقى في الظل لعقود، يتطلع بشغف وخوف نحو شرق أحرقت شمسه الكثير من أحلام النازحين والحالمين.
كشف التقرير الأخير للمعهد الوطني للإحصاء لعام 2014، أن أكثر من 70% من سكان تونس يعيشون على طول الساحل الشمالي والشرقي للبلاد، وقد فسر هذا الأخير الخلل الديمغرافي بالحصيلة الإيجابية لصافي الهجرة الداخلية التي جعلت من تلك المنطقة قطباً جاذباً بمعدل سنوي ناهز 7%.
غياب التوازنات الاقتصادية
يعلق الباحث الاقتصادي عماد بن سليمان حول تنامي هذه الظاهرة، قائلاً: "إن الهجرة نحو الشريط الشرقي للبلاد، حيث تتركز المدن الكبرى وأغلب النشاطات الاقتصادية، ليس بالظاهرة الحديثة، بل تعود إلى حقبة الاستعمار الفرنسي الذي غير التوازنات الاقتصادية وأعاد ترتيب مراكز الإنتاج والثروة، مما انعكس على التوزيع الديمغرافي للسكان".
ويستطرد الباحث قائلاً:" لم تحاول حكومات ما بعد الاستقلال، بجدية تعديل هذا الخلل على مستوى التنمية الجهوية والتوزع الديمغرافي للسكان، بل واصلت انتهاج السياسة نفسها القائمة على تركز الثروة وأغلب الأنشطة الاقتصادية في المدن الكبرى. لتبقى الجهات الداخلية الغربية مهملة، حيث بقيت الأنشطة الاقتصادية في الشريط الغربي تقليدية تعتمد أساساً على الزراعة البدائية. إذ تمثل اليد العاملة الفلاحية هناك 30.3% مقابل 16.1% كمعدل وطني، كما ظلت الأنشطة الصناعية محدودة جداً بقدرة تشغيلية لم تتجاوز حتى العام 2015 ما يقارب 8% من اليد العاملة مقابل معدل وطني ناهز19%".
يقول الخبير الاقتصادي محمد ياسين السوسي: "إن الهجرة الداخلية تعكس الاختلال الاقتصادي بين الشريط الغربي للبلاد الذي يعتبر منطقة منفرة لسكانه، وبين الشريط الشرقي الذي يستمر في جذب قوافل الباحثين عن لقمة العيش".
ويضيف: "إن الخلل الديمغرافي ناجم بالأساس عن عوامل اقتصادية هي نتاج سياسة تنموية كرّست تهميش المناطق المنفرة لصالح الشريط الساحلي للبلاد. حيث توجد على طول الساحل التونسي أهم المدن وأكثرها تطوراً وإشعاعاً وتركزاً للثروات سواء على مستوى المؤسسات وآليات الإنتاج أو على مستوى اليد العاملة النشيطة. إضافة إلى الحجم الكبير للاستهلاك والادخار. وهو ما ينعكس إيجاباً على سوق العمل، ويسهم في الحد من نسبة البطالة في تلك المناطق".
إذ استحوذت المدن الكبرى في الشرق التونسي على 75% من مواطن العمل إضافة إلى 70% من المؤسسات الاقتصادية. وفي المقابل، فإن الشريط الغربي يسجل نسباً مرتفعة للبطالة والفقر تصل إلى ضعفين أو ثلاثة أضعاف النسب المسجلة في العاصمة أو مدن الوسط الشرقي والتي تتراوح بين 10% و12% في أسوأ الحالات.
يعود هذا التفاوت الاقتصادي بحسب السوسي إلى سياسة الدولة في توجيه الاستثمارات العمومية والخاصة، حيث تم تركيز 85% منها خلال السنوات الخمس الماضية في الأقاليم الشرقية للبلاد.
ويشير الخبير الاقتصادي إلى أن تقسيم البلاد إلى مناطق جاذبة ومنفرة، له ارتدادات اقتصادية واجتماعية خطرة في مناطق الاستقطاب، حيث نشأت في المدن الكبرى ما يُعرف بأحزمة الفقر أو الأحياء العشوائية.
اقرأ أيضاً:الدائرة الاقتصادية التونسية: منظومة عاجزة ومجتمع محبط