الهاربون بحراً يصعدون الخشبة

01 يوليو 2015
مشهد من العرض (تصوير: دور ماكس)
+ الخط -
في عملها "القاصرون" (2013)، استعادت الروائية النمساوية ألفريده يلينيك صوت أسخيليوس اليوناني في نصّه "المتضرّعات"، وأعارته للاجئين الهاربين عبر البحر إلى حلم أوروبا.

نقطة البدء كانت مع احتجاجات للاجئين، معظمهم باكستانيون، في العاصمة فيينا عام 2012 مطالبين بحقّ العمل والحركة، تلاها في 2013 غرق مئات اللاجئين الأفارقة في المتوسط على أبواب أوروبا.

ضجيج الحدث الأول وفجائعية الثاني التقطتهما يلينيك وذهبت بهما إلى نصّ أقرب إلى نشيد طويل لجوقة من اللاجئين تاهَت في البحث عن مُخاطَب؛ "أيها السادة ونواب السادة ونوابُ نوابِ السادة في هذا البلد، نحنُ نرغبُ، فنحن لا يُسمح لنا، ولكننا نرغبُ.. أن نروي عن لجوئنا البريء وبشكل مفهوم".

ولكن من له الحق في الكلام عن من؟ هل تمثيل يلينيك المقيمة في عزلتها والمُتمتِعة بامتيازات "السادة ونواب السادة" لصوت اللاجئين هو ذاته كتم له؟ في هذه المساحة المتوترة والمشدودة من التمثيلات، جاء اشتغال المخرج الألماني نيكولاس شتيمان في نسخته الإخراجيّة التي حلّ بها مؤخراً ضيفاً على أيام المسرح لمدينة مولهايم الألمانية.

يفضل شتيمان تعدّد الأصوات داخل نصّه، منحازاً إلى الحوار بدلاً من أحادية الجوقة، وقام بتوزيع صوت اللاجئين على ثلاثة ممثلين ينتقلون بين التزامن في الإلقاء والتعثّر في الكلام والمواجهة المباشرة مع الجمهور، وذلك قبل أن يتدخل ممثلان، من ذوي البشرة السوداء، يسائلان صدقيّة ما قيل بعد عجز المجموعة الأولى عن استيعاب الألمانيّة الطلقة والسليمة للممثلين.

عجزٌ صحيح أنّه يحيل مباشرةً إلى العنصريّة، إلا أنّه يضع يده على سؤال عن المسرح نفسه بوصفه فضاءً للتمثيلات لم يخرج بعد من التطابق بين الشخصيّة والممثل أو في حالتنا هذه، بين لون الممثل والشخصيّة.

تطابق أراد شتيمان الفكاك منه عبر العودة إلى حيلة قديمة للمسرح من خلال الأقنعة البيضاء والسوداء، والإعلان الدائم عن المسرحة وإلقاء الممثلين لنصوصهم مباشرةً من الورق.

ودوماً في السؤال عن التمثيل والمصداقيّة أو الموثوقيّة جلب شتيمان جوقة حقيقيّة من اللاجئين. وقد بقيت هذه الجوقة طوال الجزء الأول من العرض في خلفية الخشبة وراء سياج شائك يفصِل بوضوح بينهم كمُستَبعَدين، على حد تعبير يلينيك، وبين فضاء الاستبعاد في مقدمة الخشبة والصالة.

تدريجياً، يدلُف اللاجئون إلى مقدمة الخشبة، ويقفون أمام الجمهور بأجساد خجولة أحياناً ومنكمشة، ومُندفعة وسريعة في أحيان أخرى. الدور لهم الآن، ليس هناك تمثيل، بل حكايات حقيقيّة متنوعة تجمعها قسوة اللجوء وصعوبة اللغة والإيصال، ليبقى الكلام في غالبه شذرات تجعل من أحدهم يستنجد بصورةٍ يتيمة لأخيه الملقى بدمه على الأرض، ويُعلنها وثيقته الوحيدة.

البعض الآخر أسعفته اللغة فزاد في الشرح، مثلما فعلت ناشطة إيرانيّة نسويّة كان لها كتابات مضادة للسلطة في إيران وكادت أن تنتهي في السجن لولا تمكنّها من الهرب. غير أنّ اللغة أو الصورة، إن أحدثت هنا فرقاً طفيفاً، فهي أمام البيرقراطيّة الأوروبية ليست سبباً دائماً لمنح "شرعيّة" الإقامة.

يحلو لـ شتيمان القول عن عرضه بأنّه "عمل قيد الإنجاز"، غير منتهٍ ومفتوح على التنقيح واجتراح الحلول وتعديلها. وصفٌ يرى فيه المخرج تواضعاً ضرورياً أثناء التشابك مع موضوع راهن، كثيف التداول، ومثير لأسئلة ترجع في زمنها إلى الكولونياليّة دون أن تفقد إلى اليوم شحنة توترها. في حين رأى فيه بعض النقاد ارتباكاً وكثيراً من الالتفات يُمنةً ويسرة.

مهما يكن، يبقى صحيحاً أن لا أوهام في لعبة المسرح، وأن لا أحد يدّعي ما لا يفعل فـ "نحن لا نستطيع مساعدتكم، نحن هنا مشغولون بتمثيلكم".

المساهمون