النفقة الزوجية في فلسطين...أحكام قضائية لا تلبي حاجات النساء والأطفال المالية

30 يوليو 2018
+ الخط -
عاشت الثلاثينية الفلسطينية نصرة إبراهيم، حياة صعبة مع زوجها اتسمت بالعنف والإهانة، قبل أن تكتشف أنه تزوج عليها سراً، ما دفعها إلى العودة مع طفليها إلى منزل والدها، ورفع دعوى نفقة على الزوج، وبالفعل حصلت في عام 2006 على حكم نفقة قضائي لها ولطفليها بمبلغ 165 دينارا أردنيا (233 دولارا أميركيا).

وعلى الرغم من قلة المبلغ مقارنة بتكاليف المعيشة وقدرة الزوج المالية، إلا أنها لم تحصل على المبلغ لمدة عامين، ما دفعها في عام 2008 إلى التوجه لصندوق النفقة الفلسطيني المعني بصرف النفقة للفئات المحكوم لمصلحتها بعد تعذر تنفيذ الحكم من قبل المحكوم عليهم، كما روت لـ"العربي الجديد"، قائلة: "اضطررت للعمل في تنظيف البيوت وتعشيب الأراضي لتوفير الحد الأدنى من متطلبات المعيشة لطفلي، لا يكفي هذا المبلغ لمواجهة الغلاء ومتطلبات الحياة".

وتدخل نصرة وطفلاها ضمن 14882 حالة استفادت من الصندوق في عام 2017 بحسب التقـريـر الإداري والمالـي السـنـوي للصندوق والذي يواجه تحديا، يتمثل في المبالغ المتراكمة للفئات المستفيدة عن السنوات السابقة التي تحتاج إلى عدة سنوات لسدادها، نتيجة الأزمة المالية التي راكمت مستحقات المستفيدات على مدار 3 سنوات بواقع إجمالي 4.5 ملايين شيقل كما أوضحت مديرته العامة فاطمة المؤقت.

ويتبقى من إجمالي المبالغ المتأخرة ما يقارب مليونين شيقل بحسب ما جاء في تقرير عام 2017 الإداري والمالي والذي حدد متوسط الصرف للملف الواحد بمبلغ 872 شيقلا، ومعدل صرف النفقة للزوجة 401 شيقل، بينما بلغ معدل الصرف 265 شيقلا للطفل، وتأتي محافظات وسط الضفة الغربية في أعلى نسبة للمستفيدين، إذ بلغت 45% من إجمالي الحالات، تليها محافظات الشمال 39.9%، ومحافظات جنوب الضفة بواقع 15%، فيما بلغ عدد دعاوى النفقة المنظورة أمام المحاكم الشرعية في الضفة الغربية 5602 دعوى واردة من بينها 3442 قضية مفصولة و2127 قضية مسقطة حتى نهاية العام 2017 بحسب التقرير السنوي لأعمال ديوان قاضي القضاة المنشور على موقع الديوان الإلكتروني.


على أبواب المحاكم

لم تعتمد المحكمة التي قضت لمصلحة أماني عاروري وولديها الملتحقين بمدرسة خاصة بنفقة تبلغ 400 شيقل على البيانات المالية التي تثبت مقدرة طليقها المالية، والذي يعمل في بنك كما تقول لـ"العربي الجديد"، مشيرة إلى أن المبلغ المقدر لا يكفي لمتطلبات ولديها التعليمية والحياتية المختلفة، وهو ما يخالف المادة 168 من قانون الأحوال الشخصية لعام 1976التي تنص في الفقرة (أ) "إذا لم يكن للولد مال فنفقته على أبيه لا يشاركه فيها أحد ما لم يكن الأب فقيراً عاجزاً عن النفقة والكسب لآفة بدنية أو عقلية" وتنص الفقرة (ب) من نفس المادة على أن "تستمر نفقة الأولاد إلى أن تتزوج الأنثى التي ليست موسرة بعملها وكسبها وإلى أن يصل الغلام إلى الحد الذي يتكسب فيه أمثاله ما لم يكن طالب علم".

ويؤكد المحامي الشرعي خالد ناصر الدين أن الأصل هو أن ترفض الزوجة النفقة المتدنية إلى حين الوصول للمبلغ المناسب لها، لكن بعض المحامين يقنعون الزوجة بأن المبلغ مناسب لتقصير أمد التقاضي بالقضية وقد يعقد بعض المحامين صفقة مع محامي المحكوم عليه بـأن يجعل موكلته توافق على المبلغ المتفق عليه مقابل التسهيل عليه في قضية أخرى وكل هذا يندرج تحت ضعف وعي النساء بحقوقهن وضعف تمثيلهن قضائيا".

وللتخلص من طول أمد التقاضي، دعا المحامي ناصر الدين المحامين إلى اللجوء لاستخدام المادة 97 من قانون أصول المحاكمات الشرعية الذي ينص على أنه: "إذا كانت الدعوى مستندة إلى سند رسمي أو سند اعترف به المدعى عليه أو حكم عليه أو حكم سابق لم يستأنف أو كان المدعى به من المواد التي يخشى عليها التلف كالخضروات والفاكهة أو كان في تأخر إنفاذ الحكم ضرر ظاهر للمحكوم له كالنفقة يجوز للقاضي عند إصداره الحكم في الدعوى أن يقرر تعجيل التنفيذ بناءً على طلب المدعي ولو اعترض عليه المستأنف وفي هذه الحالة يؤخذ من المحكوم له كفالة أو تأمينات قوية فإذا امتنع عند تقديم الكفالة يحصل المبلغ المحكوم به ويحفظ أمانة إلى أن يقدم الكفالة والتأمينات اللازمة".

مشيرا إلى أن هذا النص القانوني من شأنه أن يوفر النفقة للنساء وأطفالهن بالمبلغ الذي يحكمه القاضي بواسطة الخبراء، وسيذهب إلى دوائر التنفيذ، ولن يستطيع الزوج أن يستأنف في ما بعد.  




آلية تقليدية لتقدير النفقة

يعتمد القضاء الشرعي في تحديد النفقة على المادة 70 من قانون الأحوال الشخصية لعام 1976 التي تنص على الآتي: "تفرض نفقة الزوجة بحسب حال الزوج يسراً وعسراً وتجوز زيادتها ونقصها تبعاً لحالته على ألا تقل عن الحد الأدنى من القوت والكسوة الضروريين للزوجة وتلزم النفقة إما بتراضي الزوجين على قدر معين، أو بحكم القاضي وتسقط نفقة المدة التي سبقت التراضي أو الطلب من القاضي".

لكن المحامية في مركز المرأة للإرشاد القانوني والاجتماعي ريما شماسنة، انتقدت هذه الآلية بالقول: "تقدير النفقة يكون إما بالتراضي، أو بأن يقترح القاضي مبلغا إذا قبلت به الزوجة يتم اعتماده، أو من خلال الخبراء حيث يتم اختيار 3 خبراء من قبل الزوجة و3 آخرين من طرف الزوج ويختار القاضي الخبراء بطريقة عشوائية بحسب الهويات مثلا، أو القرعة وقد يكون الخبراء من أهلها، أو من أهله، هي وحظها، وعلى أساس ما يقوله الخبراء تقدر النفقة، وفي كل الحالات فإن حكم القاضي لا يتعدى مبلغا معينا في حكمه بحيث لا تتجاوز النفقة بكل ما فيها 700 شيقل للزوجة والأطفال أقل من ذلك"، وتابعت في إفادتها لـ"العربي الجديد": "القضاة لا يعتمدون على أية بيانات مالية، أو أية إثباتات لما يملكه الزوج عند تقديرهم النفقة ولا ينظرون إلى الأرقام الإحصائية الوطنية للغلاء المعيشي وخط الفقر وغيرها".


مطالبات برفع النفقة

على الرغم من أن المادة 71 من قانون الأحوال الشخصية لعام 1976 تنص على أنه "لا تسمع دعوى الزيادة، أو النقص في النفقة المفروضة قبل مضي ستة أشهر على فرضها ما لم تحدث طوارئ استثنائية، كارتفاع الأسعار"، إلا أن محامين شرعيين أكدوا لمعدة التحقيق أن دعوى الزيادة لا يفصل فيها سوى بمبلغ زهيد جدا، قد لا يتجاوز 20 شيقلا.

وتؤكد فاطمة المؤقت أن أحكام النفقة متدنية جدا، قائلة: "لا بد من وضع مؤشرات أكثر عدالة لإنصاف الفئات المحكوم لها بالنفقة، مع ضرورة تطوير أدوات تحديد قيمة النفقة وفقا لمعايير واضحة بالاعتماد على البيانات المالية وإثباتات دخل الزوج".

وبحسب إحصاءات صندوق النفقة، فإن 35 ٪ من النساء المستفيدات من الصندوق يعتبرن أن النفقة هي مصدر دخلهن الرئيس ويعتمدن عليها بشكل أساسي لسد حاجتهن وحاجة أطفالهن.

ولا تنكر صمود الضميري رئيس نيابة الأحوال الشخصية وجود إشكاليات في تقدير القضاة لحكم النفقة، مؤكدة أهمية ربط النفقة بمؤشر الغلاء المعيشي الذي تقره المؤسسات الرسمية سنويا. 

وترى الضميري أن على الزوجة أن تثبت حال الزوج من خلال الخبراء الذين تنتدبهم المحكمة، لكن إذا لم تستطع إثبات ذلك سوف يتضرر مسار العدالة، مضيفة أن الزوج يستطيع أن يقدم للقاضي أي أدلة تدل أن عليه ديونا، أو قروضا ويعتمدها القاضي وسيخفض قيمة النفقة حسب القدرة القانونية، "هذا جزء من التوازن" كما تقول، والتي علقت على إمكانية إصدار تعميمات حول رفع قيمة النفقة على غرار فترة الشيخ تيسير التميمي بالقول: "لا يمكن إصدار تعميمات في كل شاردة وواردة، والتعميمات لا تكون في حالة وجود نصوص قانونية".

وسجل الرقم القياسي لأسعار المستهلك في فلسطين ارتفاعاً نسبته 0.21% خلال العام 2017 مقارنة بالعام 2016، بحسب ما جاء في بيانات مسح الرقم القياسي لأسعار المستهلك الفلسطيني، ولفتت رئيسة نيابة الأحوال الشخصية إلى أن ديوان قاضي القضاة ناقش علاقة النفقة بالغلاء المعيشي خلال جلسات تقصير أمد التقاضي نهاية العام 2017، وانبثقت عن هذه الجلسات مجموعة من مقترحات وقرارات قيد الدراسة، لكن لم يتم اعتماد هذه المقترحات حتى الآن وفقا لتوثيق معدة التحقيق.

وكان قاضي القضاة الأسبق الشيخ تيسير التميمي قد أصدر في العام 2008 تعميما بضرورة رفع قيمة النفقة تماشيا مع الأوضاع الاقتصادية، لكن هذا التعميم لم يكن ملزما، وفي السنوات اللاحقة عاد القضاة إلى تقديراتهم المرتكزة على حدود النص القانوني.

ويؤكد التميمي وجوب رفع قيمة النفقة بما يتماشى مع الوضع الاقتصادي والغلاء المعيشي، قائلا لـ"العربي الجديد": "المشكلة هنا بمن يقدر النفقة، إذ إن القضاة يقدرون رقما ماليا يعتبرون أنه لا يجوز تجاوزه دون معايير، وهذا غير صحيح"، موضحا أن بعض القضاة لا يعتمدون على شهادة الخبراء، وإنما يقول القاضي "نحكم بكذا وكذا"، وبالتالي يرجع الخبراء إلى ما يريده القاضي وعليه يتم الحكم بالنفقة ويستجيب الخبراء لما يقوله القاضي.



ضعف التمثيل القانوني

تعاني النساء في فلسطين من ضعف التمثيل القانوني لهن قضائيا، نتيجة غياب الإمكانات المادية التي تمكنهن من توكيل محام ذي خبرة عالية لتحصيل حقوقهن بالنفقة وفي بعض الأوقات لا يستطعن توكيل محام بالأساس، وهو ما يضعف وضعهن أمام كافة الأجهزة القضائية والنيابة العامة بحسب الضميري.

ويعاني 20% من أفراد الأسر التي ترأسها نساء من الفقر المدقع مقارنة بـ17% من أفراد الأسر التي يرأسها رجال، وفق ما جاء في تقرير معالم الفقر في فلسطين الصادر في عام 2017 عن الجهاز المركزي للإحصاء.



التأخر في مراجعة القانون

قدمت اللجنة المعنية بالقضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة في فلسطين، مجموعة ملاحظات حول قانون الأحوال الشخصية وبنوده المتعلقة بالنساء ولجوئهن للقضاء، وتؤكد المستشارة القانونية في وزارة شؤون المرأة وفاء الأعرج أن الحكومة شكلت لجنة خبراء في العام 2015 بقيادة وزارة الخارجية انبثقت منها لجنة لدارسة ومراجعة قانون الأحوال الشخصية من أجل موائمته مع المعاهدات الدولية التي وقعت عليها السلطة الفلسطينية، إلا أن هذه اللجنة وبحسب الأعرج لم تجتمع حتى تاريخ إعداد المقابلة معها بتاريخ 20 مارس/آذار للعام 2018، لكن صمود الضميري قالت لـ"العربي الجديد" إن تعديل قانون الأحوال الشخصية وتحسين وضع المرأة القانوني هما ضمن الخطة الإستراتيجية لقطاع العدالة (2017 - 2022).

وتخشى الأعرج من أن عملية تحديد جدول زمني لتعديلات قانون الأحوال الشخصية الذي يبلغ عمره 42 عاما قد تؤدي إلى "سلقه"، وبالتالي تقع ثغرات في التعديلات لا تلبي احتياجات الأسر الفلسطينية، وفي انتظار هذه التعديلات تمضي حياة الأربعينية سعاد محمد المطلقة منذ 21 عاما والتي لم تزد نفقة أولادها عن 100 دينار لكل منهم حتى اليوم، على الرغم من أن بينهم من هو في الجامعة ويحتاج أضعاف النفقة التي أقرتها القوانين الفلسطينية.