النفط يُغرق بورصات العالم

15 فبراير 2016
تهاوي البورصات بسبب أسعار النفط (اندريه بونتون/Getty)
+ الخط -
تواجه أسواق الأسهم العالمية أسوأ بداية سنوية في تاريخها. ويرجع ذلك، جزئياً، إلى الانخفاض السريع في أسعار النفط، الذي تجاوز ما نسبته 20٪ هذا العام، متسبباً في انخفاض أسهم شركات الطاقة المدرجة في مختلف البورصات العالمية بنسبة تجاوزت 15٪. وتبعاً لذلك، ألقى تراجع أسهم الطاقة بظلاله القاتمة على جميع مؤشرات الأسهم العالمية، رغم انخفاض أسعار النفط، وما يترتب عليه من تراجع أسعار البنزين وأنواع الوقود الأخرى، من المفترض أن يمثل عنصراً إيجابياً بالنسبة للمستهلكين وللعديد من القطاعات الصناعية والخدمية حول العالم.
إلا أن المفارقة، أن أغلب مؤسسات الأبحاث الاقتصادية حول العالم أظهرت قلقها "العميق"، خلال الفترة المؤدية إلى الأزمة المالية العالمية عام 2008، في أن تجر أسعار النفط المرتفعة، حينذاك، الاقتصاد العالمي إلى فترة طويلة من الكساد. لكن المؤسسات ذاتها تُظهر خشيتها اليوم، في أن يتسبب تراجع أسعار النفط الحاد في تسريع وتيرة التباطؤ الاقتصادي العالمي. ومن المفارقات، أيضاً، أن يأتي انخفاض أسعار النفط والأسهم في الوقت الذي ينعم فيه الاقتصاد الأميركي، الذي يعد الأكبر عالمياً، بأفضل الأوضاع منذ ثماني سنوات.

لكن لماذا يتسبب تراجع أسعار النفط في إلحاق الضرر بأسواق الأسهم؟ في الواقع، إن أرباح شركات النفط العالمية في انحدار حاد ومتواصل، وهو ما تسبب في تراجع أسهمها في البورصات المدرجة لديها، ما يزيد من الضغوطات على أسواق الأسهم. على سبيل المثال، تُقدر نسبة انخفاض أرباح الشركات المدرجة في المؤشر الأميركي "ستاندرد اند بورز 500" بنحو 6% في العام الماضي، لكن عند حذف أرباح شركات الطاقة من إجمالي الأرباح، فإن النسبة تصبح إيجابية جداً وبواقع 6%، أيضاً. إضافة إلى ذلك، سجلت أسهم 14 شركة طاقة أميركية، منذ مطلع العام الحالي، أداءً سلبياً من بين أكبر عشرين شركة مدرجة في مؤشر "داو جونز الصناعي" الأميركي.

النمو الاقتصادي

ولا يقف الأمر عند هذا الحد، بل بدأ المستثمرون يستشعرون خطر تراجع النفط الحاد، فقاموا ببيع أسهم شركات تعتبر الأكثر تأثراً بصناعة النفط، مثل بعض المصارف وموردي المعدات وشركات البناء والهندسة. وما يزيد من قلق المستثمرين أن يتسبب تراجع أسعار النفط في تآكل النمو الاقتصادي العالمي على نحو أكبر بكثير مما كان متوقعاً، ما يمكن أن يلحق الضرر بربحية عدد كبير من الشركات العالمية بمختلف قطاعاتها الاقتصادية.

على الجانب الآخر، يعتبر انخفاض أسعار النفط أمراً جيداً بالنسبة للاقتصاد العالمي، في حال كان التراجع نتيجة العثور على إمدادات نفط جديدة، وهو ما يبرر تماسك أسواق الأسهم بشكل جيد نسبياً، خلال انخفاض أسعار النفط أكثر من 100 دولار للبرميل في عام 2014 إلى أقل من خمسين دولاراً العام الماضي. وقد يترك انخفاض أسعار النفط، على المدى الطويل، أثراً إيجابياً على الاقتصاد العالمي.
ولكن مع الانخفاض الأخير في أسعار النفط إلى ما دون الثلاثين دولاراً للبرميل، بدأ المستثمرون يعبرون عن بالغ قلقهم في أن يكون ضعف النمو في الاقتصاد العالمي، أحد العوامل الأساسية التي أدت إلى هذا الانخفاض. لقد نما هذا الشعور بالتزامن مع بدء الشركات والمستهلكين، في العديد من البلدان النامية، ولا سيما الصين، بخفض الإنفاق العام، حيث كانت تشكل الانخفاضات الحادة في أسعار النفط، في السابق، علامة على ضعف الاقتصاد العالمي. علاوة على ذلك، لا يزال العديد من مستهلكي العالم يفضلون التريث بشأن إنفاق أموالهم التي ادخروها نتيجة تراجع أسعار النفط، مما يحد من الفوائد التي من الممكن أن يجنيها الاقتصاد العالمي. على سبيل المثال، قام الأميركيون بادخار ما نسبته 6٪ من دخلهم في شهر ديسمبر/كانون الأول الماضي، بزيادة نحو نقطة مئوية كاملة عن العام السابق.
وتشهد التدفقات النقدية لمعظم شركات الطاقة العالمية تباطؤاً واضحاً، إذ تجد الشركات صعوبة كبيرة في تسديد قروضها. ويكفي الإشارة، في هذا الصدد، إلى أن صناعة النفط والغاز العالمية بدأت تُثقل كاهلها بمئات المليارات من الدولارات من الديون، حيث ترتفع حدة إفلاس شركات النفط والغاز، بالتزامن مع ازدياد أعداد الشركات التي باتت سنداتها تصنف بـ "السندات غير المرغوب فيها"، ما ينذر بمزيد من الاضطرابات في الأسواق المالية.
(محلل اقتصادي أردني)

اقرأ أيضاَ:النفط... ما بعد أيام الرخص
المساهمون