تدفع الدول المصدرة للنفط فاتورة اقتصادية باهظة التكاليف بسبب قرار السعودية إغراق السوق بالنفط في مارس/ آذار الماضي في وقت كان العالم يواجه فيه جائحة كورونا التي ضربت الطلب العالمي على المشتقات النفطية، وهنالك مخاوف وسط شركات النفط الأميركية من أن تلجأ الرياض لزيادة الإنتاج مرة أخرى. وقدر صندوق النقد الدولي في تقرير يوم الأثنين، أن تصل خسارة الدول العربية النفطية من انهيار الأسعار خلال العام الجاري نحو 270 مليار دولار.
ويرى خبراء نفطيون أن أي قراريتخذ اليوم بتخفيف خفض الإنتاج الذي أقرته "أوبك+" في أبريل الماضي والبالغ 9.7 ملايين برميل يومياً ، لانتشال النفط من هاوية الانهيار، ستكون له تداعيات مدمرة على الأسعار التي تعافت من الانهيار المريع بأسرع من توقعات المراقبين، وإن كانت المخزونات العائمة لا تزال تضغط على الأسعار. ويذكر أن انهيار أسعار النفط أدى بشركات نفط أميركية إلى دفع أموال في سبيل التخلص من شحناتها في منطقة كاشينغ خلال شهر إبريل/ نيسان.
ووسط التقارير التي تتحدث عن أن السعودية ترى ضرورة تخفيف خفض الإنتاج، يتابع تجار النفط وشركات الوساطة ومصارف الاستثمار اجتماع منظمة البلدان المصدرة للبترول (أوبك) وحلفائها، اليوم الأربعاء، للتوصية بالمستوى التالي من التخفيضات. وحسب وكالة رويترز، فإن اجتماع لجنة "أوبك+" ربما يوصي بتقليص تخفيضات الإنتاج القياسية من 9.7 ملايين برميل إلى 7.7 ملايين برميل اعتباراً من أغسطس/ آب وحتى ديسمبر / كانون الأول. وتفاعلت توقعات رفع سقف الانتاج مع مخاوف جائحة كورونا لتتراجع أسعار النفط بنسبة 2% في التعاملات التي جرت في منتصف الظهيرة بلندن أمس.
ويتخوف المضاربون من تراجع الطلب في الولايات المتحدة بعد عودة ولاية كاليفورنيا لإغلاق النشاط التجاري والصناعي وكذلك من صدور توصية من اللجنة الفنية لـ"أوبك+" بالعودة لزيادة الإنتاج، في اجتماعها المقرر اليوم عبر الفيديو.
ويرى خبراء أن روسيا لديها رغبة حقيقية في بقاء أسعار النفط بمستوى 40 دولاراً للبرميل، وسبق للرئيس الروسي فلاديمير بوتين أن أعرب عن ذلك بقوله إن "سعر 40 دولاراً للبرميل سعر مناسب لنا". وترى روسيا أن مثل هذا السعر ربما سيقود إلى تدمير إنتاج النفط والغاز الصخري في الولايات المتحدة التي تنافس الشركات الروسية على السوق الأوروبي.
كما ترى شركات الطاقة الروسية أن أسعار النفط المنخفضة ستضرب تنافسية النفط والغاز الصخري الأميركي، وبالتالي تؤمن حصتها في السوق الأوروبي. وفي المقابل، فإن السعودية التي تعاني من مصاعب مالية ربما تلجأ لزيادة الإنتاج على أمل زيادة مداخيلها من النفط في وقت يتزايد فيه العجز الإنفاقي. لكن في حال عودة "أوبك+" لزيادة إنتاج النفط، فإن ذلك ربما يسبب كارثة أسعار في وقت لم تتعافَ فيه الاقتصادات العالمية تماماً من جائحة كورونا وتزايد التفشي الفيروس في أسواق الاستهلاك الرئيسية.
ويراقب المضاربون في عقود النفط المستقبلية حالياً أرقام استهلاك الوقود والمخزونات التي تصدرها إدارة معلومات الطاقة الأميركية لمعرفة توجهات الطلب النفطي في أميركا قبل تحديد أسعار العقود المستقبلية. وتعد الولايات المتحدة من أكبر الدول التي تحرك الاستهلاك العالمي على النفط ومشتقاته، إذ يقدر حجم استهلاكها اليومي بنحو 20 مليون برميل يومياً. وبالتالي فإن زيادة معدل الإصابات بجائحة كورونا في بعض الولايات الكبرى، مثل تكساس وكاليفورنيا، سيكون لها تأثير كبير على الطلب العالمي.
يراقب المضاربون في عقود النفط المستقبلية حالياً أرقام استهلاك الوقود والمخزونات التي تصدرها إدارة معلومات الطاقة الأميركية لمعرفة توجهات الطلب النفطي في أميركا قبل تحديد أسعار العقود المستقبلية
وفي المقابل، فإن السوق النفطي الثاني في العالم، وهو الصين، يعاني من اختناق في التخزين في الوقت الراهن بسبب كميات النفط الرخيص الضخمة التي استوردها خلال الأشهر الماضية. وتبني شركات صينية في الوقت الراهن منصات تخزين عائمة للخاماتالنفطية، وفقاً للبيانات الصادرة من بكين.
وعانت الدول المصدرة للنفط خلال العام الجاري من انهيار مداخيلها المالية من البترودولار في وقت تتفاقم فيه حاجتها للمال لتلبية الإنفاق على جائحة كورونا.
وقدر تقرير لصندوق النقد الدولي، مساء الاثنين، خسارة الدول العربية النفطية في الخليج وشمال أفريقيا من انهيار أسعار النفط بنحو 270 مليار دولار خلال العام الجاري، 2020. كما توقع الصندوق أن يتراجع النمو الاقتصادي في الدول النفطية العربية بنسبة 7.3% مقارنة بتوقعاته السابقة لتراجع النمو البالغة نسبته 3.1%.
كما توقع الصندوق كذلك أن يتراجع النمو الاقصادي للدول الخليجية الست الأعضاء بمجلس التعاون في العام المقبل بنسبة 3.9%. وقال الصندوق في تقرير حول معدل النمو الاقتصادي بدول الخليج، مساء الاثنين، إن هذا التراجع في النمو الاقتصادي يعود إلى جائحة كورونا وانهيار أسعار النفط.
وكان مدير إدارة الشرق الأوسط وآسيا الوسطى في الصندوق جهاد أزعور، قد قدر في بداية يوليو/ تموز، أن تنكمش اقتصادات منطقة الخليج بمعدل 7.6% هذا العام بسبب انهيار أسعار النفط التي ضربت الاقتصادات الخليجية. وهذا المعدل من التراجع يعد كبيراً مقارنة مع توقعات الصندوق السابقة التي ارتأت أن الاقتصادات الخليجية ستتراجع بمعدل 2.7%. وتوقع أزعور أن ينكمش قطاع النفط بنسبة 7.0%، وسيصاحب هذا الانكماش في القطاع النفطي انكماش في القطاعات غير النفطية.
من جانبه، توقع معهد التمويل الدولي أن يرتفع العجز في الميزانيات الخليجية خلال العام الجاري إلى 10.3% من 2.5% في العام الماضي. ووضع المعهد، الذي يوجد مقره في واشنطن، توقعاته على أساس أن يبلغ سعر الخامات النفطية في المتوسط 40 دولاراً خلال العام الجاري.
وساهمت القرارات النفطية الخاطئة التي اتخذتها الرياض خلال الأعوام الثلاثة الماضية في إحداث أضرار بالغة بجميع دول منظمة "أوبك" حتى قبل تفشي جائحة كورونا. إذ شهدت دول أوبك انخفاضاً كبيراً في مداخيلها خلال الأعوام 2014 و2016، كما أدى الانهيار إلى تآكل أرصدتها المالية ودفعها للاستدانة من الأسواق العالمية.
وحسب البيانات التي نشرتها إدارة منظمة "أوبك" في فيينا، مساء الاثنين، فإن دخل دول منظمة "أوبك" تراجع خلال العام الماضي، 2019، بنسبة 18.4% إلى 584.9 مليار دولار، مقارنة بما كان عليه في العام الماضي 2018 والبالغ 692.3 مليار دولار.
ولا تقف التداعيات المدمرة لانهيار أسعار النفط على الدول المصدرة للنفط وحدها، ولكنها تمتد لجميع الدول العربية غير النفطية والدول الفقيرة في العالم التي تعتمد على تحويلات عمالها في الخليج الذين فقدوا وظائفهم خلال العام الجاري، كما أن الدول العربية التي كانت تحصل على مساعدات مالية من دول الخليج الغنية ستعاني من انهيار مداخيل النفط لأنها ستفقد هذه المساعدات.
وعادة ما تقود دورة انهيار النفط إلى تراجع في أسواق المال وتدفقات استثمارات البترودولار على الصعيدين العربي والعالمي. وعن التأثير على أسواق المال العالمية، تقدر شركة "رايستاد" النرويجية لأبحاث الطاقة أن أسهم الطاقة العالمية خسرت نحو ترليون دولار من قيمتها السوقية خلال فترة الـ40 يوماً التي هبطت فيها أسعار النفط من 86 دولاراً إلى 60 دولاراً خلال العام 2018. كما تشير دراسة أكاديمية صادرة عن كل من البروفسور ها نوجين، الاقتصادي بالبنك الدولي، والاقتصادية هونج ناغان، من جامعة تفتس الأميركية، إلى أن أسعار البورصات العالمية ترتفع مع ارتفاع النفط وتنخفض مع انخفاضه. كما أن التدهور يضر كذلك بقيمة الأصول ذات المخاطر العالية ويرفع من حال عدم اليقين لدى المستثمرين. ويلاحظ أن العديد من شركات الطاقة الأميركية تعرضت للإفلاس خلال دورة الانهيار النفطي بين نهاية 2014 و2016، كما يتزايد حالياً عدد شركات النفط الصخري المفلسة رغم المساعدات التي تلقتها من الحكومة الأميركية.