بينما يشكل الزيتون أحد العوامل الأساسية في صمود المواطن الفلسطيني في الضفة الغربية المحتلة، يمعن الاحتلال الإسرائيلي ومستوطنوه في الحدّ من قدرة المزارعين الفلسطينيين على قطاف حقولهم.
فوجئ المزارع الفلسطيني، هزيم الحواري، من بلدة حوارة، جنوبي نابلس، شمالي الضفة الغربية المحتلة، بمطاردة جنود الاحتلال الإسرائيلي للمزارعين خلال قيامهم بقطف الزيتون، وطردوهم من أراضيهم وأجبروهم على الخروج منها، وسط تهديدات باستجلاب المستوطنين لهم إذا لم يغادروا المكان. يؤكد الحواري لـ"العربي الجديد" أنّ العائلات الفلسطينية تستغل الإجازة الحكومية يوم السبت، حتى يتسنى لجميع أفرادها المشاركة في عملية قطف الزيتون، كما تسود حالة من الاطمئنان النسبي نظراً لالتزام المستوطنين منازلهم في يوم السبت، لكنّ المزارعين فوجئوا السبت الماضي بتعرضهم لهجوم عنيف من قوات الاحتلال بعد وقت قصير على وصولهم إلى أراضيهم فجراً، وأجبرتهم تلك القوات على مغادرة أراضيهم التي تقع في منطقة مصنفة "ب" وفق اتفاقية أوسلو والتي لا تحتاج إلى تنسيق، وهددهم أحد جنود الاحتلال باللغة العربية قائلاً: "هل تريدون الخروج من الأراضي أم نجلب لكم المستوطنين؟".
هذا التطور الخطير تكثفت حالاته خلال العام الجاري، مع تزايد اعتداءات المستوطنين وقوات الاحتلال على المزارعين الفلسطينيين منذ بدء موسم قطف الزيتون منتصف شهر أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، إذ لم تتوقف تلك الاعتداءات اليومية. وشهد هذا الموسم عشرات الاعتداءات على المزارعين قاطفي الزيتون في مختلف محافظات الضفة الغربية، وتنوعت تلك الاعتداءات ما بين منع المزارعين من الوصول إلى أراضيهم، والاعتداء عليهم خلال تواجدهم فيها، وسرقة الثمار بعد قطافها، وصولاً إلى قطع الأشجار أو حرقها وتجريف الأراضي.
بالرغم من عدم وجود إحصائية حديثة لتلك الاعتداءات وأماكن وقوعها، مقارنة بالتي جرت العام الماضي، فإنّ المراقبين يؤكدون تصاعدها بشكل لافت كمّاً ونوعاً، ما يسبب خسائر فادحة للمزارعين الذين يعتمدون على موسم الزيتون في معيشتهم، وينتظرونه انتظاراً، لقطف الثمار وعصرها وبيع الزيت، لتسديد ما عليهم من التزامات، لذلك يطلقون على الزيتون لقب "النفط الأخضر" لما يوفر من دخل جيد لأولئك الذين يملكون الحقول. وتعتبر شجرة الزيتون الشجرة الأكثر انتشاراً في الضفة الغربية، وتتركز في الأرياف التي تحاصرها المستوطنات ومعسكرات جيش الاحتلال من كلّ الجهات، خاصة تلك المصنفة "ج" وفق اتفاق أوسلو، أو تلك القريبة من جدار الفصل العنصري على الحدود مع الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1948.
وفي كلّ الحالات، تمنع قوات الاحتلال المزارعين الفلسطينيين من الوصول طوال أيام السنة إلى أراضيهم تلك، إلا بعد الحصول على تصاريح خاصة ولمدة محددة لا تزيد على أيام محددة عبر بوابات عسكرية تفتح وتغلق في ساعات معينة، وهي مدد غير كافية لجني المحصول من عشرات الدونمات، ما يجبر المزارع الفلسطيني على ترك الثمار على الشجر، فريسة سهلة للمستوطنين الذي يتجولون في كلّ مكان من دون أيّ رادع لهم.
يقول مدير مركز أبحاث الأراضي محمود الصيفي لـ"العربي الجديد": "موسم الزيتون بات مهدداً بالفعل، من جراء تعاظم اعتداءات الاحتلال والمستوطنين، فهناك آلاف الدونمات المزروعة بالزيتون باتت مهجورة، لأنّ أصحابها ممنوعون من الوصول إليها، أو أنّهم غير قادرين على رعايتها وتقليم الأشجار وإزالة الحشائش الضارة التي تحيط بها وتتسلق عليها، ما يؤدي إلى تلفها وموتها، أو أنّها تنتج زيتوناً ذات جودة متدنية".
شهد الموسم الحالي للقطاف عشرات الاعتداءات من قبل الاحتلال والمستوطنين، إذ يوضح الصيفي أنّها تركزت في شمال الضفة الغربية، كونها مناطق تشتهر بزراعة الزيتون، مثل قرى وبلدات نابلس وقلقيلية وطولكرم، كما أنّ تلك المواقع تعاني من سرطان استيطاني، يتمدد بشكل كبير، ومن مستوطنين يعتبرون الأشرس، ويحظون بدعم غير مسبوق من قوات الاحتلال. وبحسب الصيفي، فقد تركزت تلك الاعتداءات على سرقة ثمار الزيتون وتكسير الشجر، وضرب المزارعين ومنعهم من الوصول لأراضيهم، فيما تراجعت ظاهرة حرق المستوطنين للأراضي الزراعية، لكن في هذا العام برز دور جنود الاحتلال في مساندة وحماية المعتدين، واستخدام الرصاص وقنابل الغاز في مواجهة الهبات الفلسطينية الشعبية لصد تلك الهجمات، ما أوقع إصابات مباشرة في صفوف الفلسطينيين.
في المقابل، تعمل هيئة مقاومة الجدار والاستيطان الفلسطينية وبالتعاون مع الجهات ذات الاختصاص كافة على تفعيل لجان الحراسة على مدار الساعة، بالإضافة إلى توثيق جميع الاعتداءات التي تقع، لمتابعتها بصورة قانونية، لصد اعتداءات وهجمات الاحتلال والمستوطنين، وفق ما يؤكده لـ"العربي الجديد"، منسق هيئة مقاومة الجدار والاستيطان، في شمال الضفة الغربية مراد شتيوي. وينصب الجهد الأكبر للهيئة، وفق اشتيوي، على تنظيم حملات القطف الجماعية، خاصة في المواقع القريبة من المستوطنات، ما يجعل المستوطنين يترددون في مهاجمة الحقول لوجود أعداد كبيرة من الأشخاص، بينهم متطوعون أجانب، إضافة لاستغلال الحملات في إنجاز عملية القطف خلال الأيام المحددة للمزارعين.
منظمة "بيتسليم" الحقوقية الإسرائيلية المعارضة لسياسات دولة الاحتلال، أكدت في تقرير لها، أنّ موسم قطاف الزيتون أصبح مشوباً بالمعاناة بدلاً من أن يظل موسماً احتفالياً للأسر الفلسطينيّة، من جرّاء الاستيلاء على الأراضي وتقييد وصول المزارعين إلى ما تبقّى من أراضيهم واعتداءات المستوطنين على قاطفي الزيتون وإتلاف الأشجار نفسها، لوقوع بعض حقول أشجار الزيتون بجوار المستوطنات أو داخلها ما يمنعهم من الوصول إليها. ووفق "بيتسيلم" فإنّ جيش الاحتلال يتيح للمزارعين في بعض المناطق الوصول إلى أراضيهم مرّتين في السنة فقط (القطاف والحرث) ولأيّام محدودة، لكن كثيراً ما يعيد الجيش الإسرائيلي المزارعين إلى منازلهم بشتى الحجج سواء في المرة الأولى أو في الثانية، وهو ما يُبقي أشجارهم من دون عناية، ويتكبّد المزارعون بسبب ذلك خسائر كبيرة، وهو ما يجبر بعضهم على البحث عن سُبل معيشة أخرى وهجر أراضيهم، بينما يتعرّض المزارعون لاعتداءات المستوطنين سواء عليهم أو على أشجارهم، بالرغم من التواجد الدائم لجيش الاحتلال في المنطقة.
وتشير منظمة "بيتسيلم" إلى أنّ بعض المعتدى عليهم لم يبلّغ بتاتًا عن الاعتداء وبعضهم الآخر بلّغ الشرطة الإسرائيلية التي حضرت إلى المكان ووثّقت الأضرار، بينما قدّم بعضهم شكوى رسميّة، لكنّ "بيتسيلم" تشير إلى أنّ المزارعين المعتدى عليهم مهما فعلوا فالنتيجة واحدة، إذ إنّ معظم ملفات التحقيق التي فُتحت أُغلقت من دون التوصّل إلى نتيجة، فالسلطات الإسرائيليّة تطلق يد المستوطنين الذين يستغلّون ذلك جيّداً ليفعلوا ما يحلو لهم بلا حسيب أو رقيب. وتقول "بيتسيلم": "إنّ ذلك لا يحدث مصادفة بل هي سياسة تتبعها إسرائيل لكي تحقّق هذه النتيجة تحديداً فيسهل عليها الاستيلاء على مزيد من الأراضي لأجل توسيع المستوطنات أو تحقيق مصالح أخرى لها".
وبلغ إنتاج فلسطين العام الماضي، 15 ألف طن من زيت الزيتون، وسط توقعات بأن يشهد الموسم الحالي زيادة ملحوظة ووافرة من إنتاج الزيت والزيتون. ويعد قطاع الزيتون أحد المدخلات الرئيسة لعدد من الصناعات الغذائية، ومواد التجميل والأدوية، ويذهب زيت الزيتون منخفض الجودة لإنتاج "الصابون النابلسي" الشهير. وتقدر المساحات المزروعة بالزيتون في فلسطين بمليون دونم، وتفيد بيانات جهاز الإحصاء الفلسطيني (رسمي) بأنّ عدد أشجار الزيتون في الضفة الغربية وقطاع غزة يبلغ 11 مليوناً، 95 في المائة منها في الضفة الغربية، والنسبة المتبقية في قطاع غزة نظراً للفارق الكبير في المساحة بين الضفة والقطاع. وتنتشر أشجار الزيتون على أكثر من 50 في المائة من مساحة الأراضي المزروعة بالأشجار المثمرة، في أراضي السلطة الفلسطينية، وفقاً للمصدر نفسه. وتعتمد قرابة 100 ألف أسرة على قطاع الزيتون كمصدر أساسي للدخل، لتحضر بذلك الجوانب الاقتصادية لزيت الزيتون بقوة في هذا القطاع، نظراً لاعتبار الزيتون أحد المكونات الأساسية للأمن الغذائي الفلسطيني.