مع إتمام النظام السوري سيطرته على محافظتي درعا والقنيطرة جنوب البلاد، بدأ في التفكير بطرق وأساليب ينال بها من المعارضين السابقين الذين وقعوا على "اتفاقات تسوية"، تعهّد النظام بموجبها بألا يتعرض لهم مقابل تسليم أسلحتهم، والموافقة على السوق إلى الخدمة العسكرية بعد ستة أشهر لمن كان مكلفاً بهذه الخدمة.
وحسب مصادر مختلفة، فإن النظام يدفع موالين له أو مواطنين عاديين ممن يستطيع التواصل معهم ويخشون سطوته إلى رفع دعاوى "مدنية" أمام محاكم النظام ضد قادة الفصائل والقادة العسكريين وغير العسكريين ، الذين عملوا في صفوف المعارضة خلال السنوات الماضية، بتهم مختلفة، تشمل جرائم قتل وسرقة ممتلكات خاصة أو تدميرها.
ونقلت صحيفة "الوطن" الموالية للنظام، عن المحامي العام في درعا، سعود المحمد، التابع للنظام، قوله إن عدد الشكاوى في هذا الإطار ارتفع إلى أكثر من 15 ضعفاً عما كان عليه سابقاً، مشيراً إلى أن "المصالحات" التي عقدها النظام مع الفصائل في درعا لا تعني إسقاط التهم الموجهة ضدهم بدعاوى شخصية.
من جهته، ذكر مكتب توثيق الشهداء في درعا أن هناك حتى الآن نحو 24 دعوى، تم رفعها على قادة فصائل المصالحات، بتهم منها جرائم قتل وإضرار بالملكيات الشخصية، لكن النظام لم يستدعِ حتى الآن أياً من القادة لمحاكمتهم.
ويقول ناشطون إن هذه الشكاوى قد يكون بعضها كيدياً، بتشجيع من النظام، الذي طلب من أصحاب الدعاوى تثبيت دعاويهم بالأدلة والبراهين. وأشاروا إلى أن النظام افتتح مراكز مخصصة لتسجيل هذه الدعاوى، كما قوبلت باهتمام بالغ من قبلهم.
وقال الناشط محمد المسالمة، لـ"العربي الجديد"، إن كثيراً من جرائم القتل، التي ارتكبها قادة الفصائل، نجحوا في التملص منها بالتواطؤ مع مجلس القضاء، الأمر الذي أفقد الأهالي الثقة بمجلس القضاء الأعلى في حوران، كما أن محكمة دار العدل كانت غائبة تماماً، مستدركا بأن "هذا جانب حق، لكن الجانب الآخر هو أن فتح هذا الباب تحت رعاية النظام قد يكون مطلب حق يراد به باطل، لأن محاسبة قادة الفصائل على نتائج عمليات القصف التي كانت تتم على مناطق سيطرة النظام، والتي قد يكون قتل خلالها مدنيون أو تهدمت بيوتهم، تستلزم محاسبة الطرف الثاني أيضاً، أي النظام، الذي قتل عشرات الآلاف خلال عمليات القصف وهدم مئات آلاف البيوت".
ورأى أحد قادة الفصائل، تحدث لـ"العربي الجديد" مفضلاً عدم ذكر اسمه، أن الهدف من هذه الدعاوى هي الانتقام من قادة الفصائل وتعريضهم للإذلال وإثارة النعرات العائلية والعشائرية في حوران، معتبرا أنها تشكل محاولة جديدة من النظام للالتفاف على ورقة المصالحة التي وقعها عليها قادة الفصائل في درعا معه.
وأضاف أن النظام يسعى أيضا إلى زج ببعض قادة الفصائل في السجون بتهم "جنائية" ومصادرة أملاكهم، وابتزاز الجميع عبر دفع البعض إلى دفع رشاوى للنظام ومحاكمه، وبالتالي العودة إلى نمط الحكم القديم للنظام، القائم على التخويف والابتزاز، مشدداً على ضرورة أن يضطلع الضامن الروسي بدوره في لجم النظام عن هذه الخطط.
بدوره، قال القائد العسكري في درعا، أدهم الكراد، على صفحته في "فيسبوك"، إن "حملة ادعاءات مدنية بالجملة تقودها الأيادي الخبيثة ضدنا في مناطق درعا المحطة"، مضيفا "نقول لهم شلت هذه الأيادي لسنا نادمين، ولكن يا أهلنا لا تكونوا أدوات رخيصة بيد الشيطان"، على حد تعبيره.
وتنص ورقة المصالحة التي وقع عليها الذين رفضوا الرحيل إلى إدلب على ضمان عدم تعرض صاحبها للعقوبات والمحاكمة بعد توقيعه على التسوية، التي تم بموجبها إسقاط الحق العام عن جميع القادة والعناصر التابعين للفصائل، غير أن الورقة تتضمن أيضاً موافقة كل من وقع على ورقة "التسوية" على الخضوع لمحاكم النظام عند أي نزاع.