النظام وروسيا يخنقان الغوطة... وعفرين مسرحاً للتجاوزات

20 مارس 2018
مهجرون من الغوطة (حمزة العجوة/فرانس برس)
+ الخط -
لا تدل المعطيات المتوفرة في سورية على إمكان توقف العمليات في جبهتي الحرب الأبرز، الغوطة الشرقية لدمشق حيث تستخدم روسيا والنظام السوري كل أنواع الأسلحة للسيطرة على ما تبقى من مناطق المعارضة، والشمال السوري حيث تعهدت تركيا باستمرار عملياتها بعد السيطرة على عفرين، ولوحت بتوسيعها إلى الحدود العراقية لـ"تحرير سنجار". إزاء هذا الوضع، يغيب أي تحرك دولي لحماية المدنيين على الأقل، في ظل ما بدا من تسليم روسيا لزمام الأمور في الغوطة، مع بروز موقف خجول من الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، أمس، الذي أعرب عن قلقه الشديد إزاء الوضع في عفرين والغوطة الشرقية. وذكر بيان صدر عن الرئاسية الفرنسية، أمس، أن ماكرون وجّه رسالة إلى نظيره الروسي فلاديمير بوتين، دعا خلالها روسيا "إلى بذل أقصى جهودها لوقف المعارك والخسائر في صفوف المدنيين" في الغوطة وعفرين.

في الغوطة الشرقية، تواصل روسيا والنظام استخدام كافة أنواع الأسلحة في قصف مدن وبلدات تحوي عشرات آلاف المدنيين في انتقام واضح من فصائل المعارضة التي رفضت توقيع وثيقة استسلام، وتواصل محاولتها استعادة زمام المبادرة العسكرية، وإفشال مخطط النظام وحلفائه الروس والإيرانيين في إفراغ الغوطة من بقية أهلها.
ولا تزال معارك كر وفر تحتدم في تلك المنطقة، إذ تسعى المعارضة إلى إعادة الاتصال بين قطاعات الغوطة الشمالي والجنوبي والأوسط من خلال طرد قوات النظام من بلدات داخل القطاع الأوسط، خصوصاً مسرابا ومديرا. وبعد مرور أكثر من شهر على بدء العملية العسكرية الواسعة على الغوطة، سُجل مقتل 1421 مدنياً، بينهم 281 طفلاً و179 امرأة، وفق مصادر إعلامية، مع وجود آلاف المصابين الذين لا يتلقون أي رعاية طبية.

وواصلت قوات النظام ومليشيات تساندها، أمس الإثنين، عمليات القصف الجوي والمدفعي على مدن وبلدات الغوطة المحاصرة، ما أدى إلى مقتل وإصابة العشرات من المدنيين، في مسعى للضغط أكثر على فصائل المعارضة للاستسلام والخروج من الغوطة. وقال الناشط محمد الشامي، في حديث مع "العربي الجديد"، إن طيران النظام شن أكثر من عشر غارات بقنابل تحوي مواد حارقة وصواريخ فراغية على الأحياء السكنية في دوما وزملكا وعربين بالغوطة المحاصرة، الأمر الذي أسفر عن وقوع حرائق ودمار كبير في ممتلكات المدنيين. وقتل 10 مدنيين وأصيب العشرات، أمس، نتيجة القصف على المنطقة. كما ذكر مصدر في الدفاع المدني لـ"العربي الجديد"، أن قوات النظام وروسيا استهدفت مدينة دوما بأكثر من 50 غارة جوية، وعشرات القذائف المدفعية والصاروخية أمس.

كما قال مدير المرصد السوري لحقوق الإنسان رامي عبد الرحمن، لوكالة "فرانس برس"، إن القصف على دوما هو "الأعنف" منذ أسبوع، ويأتي إثر هجوم مفاجئ نفذه فصيل "جيش الإسلام" على قوات النظام على جبهتي مسرابا وبيت سوى، جنوباً، انطلاقاً من دوما. ودارت اشتباكات، أمس أيضاً، في جنوب الغوطة بين فصيل "فيلق الرحمن" و"هيئة تحرير الشام" (النصرة سابقاً) من جهة، وقوات النظام من جهة ثانية.

بالتوازي مع ذلك، تستمر موسكو في مخططها لتفريغ الغوطة من أهلها، ونقلت وكالة "انترفاكس" الروسية عن وزارة الدفاع قولها إن أكثر من ستة آلاف شخص غادروا الغوطة الشرقية السورية منذ صباح أمس، الإثنين.
وفي السياق نفسه، أكد نزار الصمادي، وهو من أبرز الناشطين السياسيين في الغوطة، أن الجانب الروسي لا يريد حلاً سياسياً في الغوطة، مضيفاً في حديث مع "العربي الجديد"، أن "الروس يريدون حسماً عسكرياً، مع وجود تواطؤ دولي وإقليمي معهم بشكل كامل". وأشار إلى أن موسكو لعبت على ورقة "جبهة النصرة"، مضيفاً: "لم يلتزم الروس على الإطلاق باتفاق وقف إطلاق النار الذي التزمت به فصائل المعارضة".

وأكد الصمادي أن فصائل المعارضة "حررت مسرابا ومديرا من أجل إعادة وصل مدينتي دوما وحرستا، وإعادة الاتصال مع البلدات التي تقطعت أوصالها"، مضيفاً: "هذا زاد من جنون الروس، وبدأوا، الأحد، بقصف المدنيين في مدينة دوما"، مشيراً إلى أن الروس بدأوا "حملة شرسة" على المدنيين في الغوطة بعد يوم واحد من إعلان فوز بوتين بانتخابات الرئاسة، و"يبدو أن بوتين مستمر في الحسم العسكري على حساب حياة عشرات آلاف المدنيين".
وقال الصمادي إن الروس أرادوا تهجير أهل مدينة حرستا عبر ما يسمى بـ"المصالحة، لكن الإنجاز العسكري الذي حققته الفصائل دفع الروس إلى حافة الجنون"، معرباً عن اعتقاده بأنه لا دور للنظام بما يجري في الغوطة، فـ"قواته عبارة عن مرتزقة لدى الروس"، الذين يستخدمون "صواريخ ارتجاجية لها قدرة هائلة على التدمير للضغط على مدينة دوما التي باتت تضم نحو 225 ألف مدني بعدما تهجر أهالي أغلب بلدات الغوطة إليها".


وحول المفاوضات مع الجانب الروسي، أشار الصمادي إلى أن مندوبين من "فيلق الرحمن" تفاوضوا مع الروس خارج سورية، موضحاً أن جلسات متعددة عقدت بين المعارضة والروس أخيراً "ولكن لم يصلوا إلى شيء إيجابي"، مؤكداً أن "هناك الكثير من أهالي الغوطة صامدون". وأشار إلى أن النظام يدّعي إعلامياً أنه يعامل المدنيين الخارجين من الغوطة بشكل جيد، لكن "هذا الكلام غير صحيح، فعندما دخلت قوات النظام إلى مسرابا والأشعري ارتكبت مجازر واغتصابات بحق المدنيين، وقادت الشباب إلى جهات مجهولة"، لافتاً إلى أن النظام يحاول إرسال رسائل من خلال ادعاء معاملة المدنيين بشكل جيد كي يدفع أهالي الغوطة إلى الخروج، بينما النظام يبيّت نيّة الانتقام من المدنيين الخارجين، لهذا يرفض آلاف المدنيين الخروج من الغوطة.

على جبهة أخرى، واصل الجيشان التركي والسوري الحر تمشيط مدينة عفرين وريفها بعد يومين من طرد الوحدات الكردية منها ضمن عملية "غصن الزيتون". وذكرت وكالة "الأناضول" أن 7 مدنيين و4 من عناصر الجيش السوري الحر قتلوا، مساء الأحد، في انفجار مبنى فخخه عناصر الوحدات الكردية قبيل خروجهم من المدينة.
وتعهد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، أمس، بتوسيع العملية التركية في سورية إلى مناطق أخرى خاضعة لسيطرة الأكراد وصولاً إلى الحدود العراقية. وقال في كلمة له في أنقرة: "بالسيطرة على عفرين نكون قطعنا أهم مرحلة في غصن الزيتون، وستتبعها منبج، وعين العرب، وتل أبيض، ورأس العين، والقامشلي وحتى القضاء على كامل الحزام (الإرهابي)". وأضاف أنه "من الممكن أن ندخل سنجار (العراقية) على حين غرة ونطهرها من عناصر الوحدات الكردية".

من جهته، قال المتحدث باسم الحكومة التركية، نائب رئيس الوزراء، بكر بوزداغ، أمس، إن القوات التركية لن تبقى في عفرين وستسلم المنطقة "لأصحابها الحقيقيين". وأعلن أن تركيا "قللت بشكل كبير التهديدات على حدودها بعد السيطرة على عفرين"، مؤكداً أن بلاده جمعت معظم الأسلحة التي زودت الولايات المتحدة المقاتلين الأكراد بها بعد أن تركها مقاتلو الوحدات الكردية وراءهم عند فرارهم من المدينة.

في المقابل، قال القيادي في الإدارة الذاتية الكردية، ألدار خليل، لوكالة "فرانس برس"، إن انسحاب الوحدات الكردية من عفرين جاء بهدف "حماية المدنيين وتجنيبهم القصف". وبعد انسحابها من عفرين، أعادت الوحدات الكردية، وفق مسؤولين، انتشارها في محيط المدينة. وتوعد الأكراد بـ"ضرب" القوات التركية حتى "تحرير" كامل المنطقة.

كذلك برز موقف أميركي صدر عن وزارة الخارجية، التي قالت في بيان أمس الإثنين، إن الولايات المتحدة "قلقة بشدة" من الأحداث في مدينة عفرين. ودعت الخارجية في بيان "كل الأطراف المعنية التي تعمل في شمال غرب (سورية) بما في ذلك تركيا وروسيا والنظام السوري للسماح بدخول المنظمات الإنسانية الدولية". وذكّرت أن الولايات المتحدة "لا تعمل" في منطقة عفرين، وأنها "قلقة بشدة بسبب التقارير التي وردت من مدينة عفرين في الساعات الثماني والأربعين الماضية".

في غضون ذلك، أفادت معلومات عن عمليات نهب تشهدها عفرين، وتحدث المرصد السوري عن "فوضى عارمة" داخل المدينة مع عمليات نهب تطاول أيضاً قرى في ريفها. وندد قياديون في المعارضة وشخصيات كردية بأعمال النهب. وقال القيادي في "جيش الإسلام" محمد علوش، في تغريدة على موقع "تويتر" أمس، إن "ما حدث من نهب وسرقة للممتلكات الخاصة والعامة في عفرين جريمة وسقوط أخلاقي لمن قام به". كما كتب الرئيس السابق للائتلاف السوري المعارض خالد خوجة على "تويتر": "هدف غصن الزيتون هو تحرير إخواننا عرباً وكرداً من تسلط وحدات حماية الشعب ودعمهم بتأسيس إدارة مدنية تليق بثورة سورية. لا مكان في الجيش الحر لقطّاع الطرق".

وأكدت مصادر أن نحو 200 ألف مدني من عفرين وريفها نزحوا أخيراً إلى مناطق مختلفة، إما إلى مناطق المعارضة في اعزاز، شمال حلب، أو مناطق النظام في مدينة حلب، أو إلى مناطق تقع تحت سيطرة الوحدات في ريف حلب، مشيرة إلى أنه بقي نحو 400 ألف مدني في منطقة عفرين.

وقرّر الجيش الحر فصل اثنين من عناصره، إثر "تورطهما بالسرقة والتعدي على المدنيين" في مدينة عفرين السورية. وتوعّد الجيش الحر، في بيان، بفصل فوري لكل من يثبت تورطه بالسرقة والتعدي على حقوق المدنيين، داعياً المواطنين للتعاون والتبليغ عن أي مسيء حتى يتم محاسبته. من جانبها، طالبت الحكومة المؤقتة (التابعة للمعارضة)، فصائل "الجيش الحر"، بتأمين الحماية اللازمة للمدنيين في عفرين، والحفاظ على المنشآت والممتلكات واحترام خصوصية كافة المكونات الدينية والمذهبية والعرقية. ودعت "الحكومة المؤقتة" في بيان، الى إحالة "مرتكبي المخالفات ومصادرة كافة المسروقات وإعادتها إلى أصحابها"، مؤكدة على "ضرورة التزام قادة الجيش الحر وعناصره بالأوامر تحت طائلة المسؤولية في حال مخالفتها".