النظام السوري يخرق الهدنة لإسقاط داريا

12 يوليو 2016
قصف عنيف من طيران النظام للمدينة (حسام الأحمد/الأناضول)
+ الخط -
لم يلتزم النظام السوري، مرة أخرى، بالهدنة التي أعلنها في السادس من الشهر الحالي، ومددها ثلاثة أيام، فشنّت قواته مع مليشيات هجوماً كبيراً على مدينة داريا جنوب غرب العاصمة دمشق، في محاولة جديدة لاقتحام هذه المدينة التي صمدت تحت حصار خانق أكثر من ثلاث سنوات، صدت خلالها العشرات من محاولات الاقتحام. وأفاد ناشطون أن قوات النظام، والمليشيات تقدّمت من جنوب المدينة، بالتزامن مع قصف مدفعي من مواقع لقوات النظام في جبال معضمية الشام شمال غرب داريا، وقصف جوي لم يهدأ، مكّن القوات المهاجمة من التوغّل في المدينة، والسيطرة على مزارع كانت تمد المحاصرين داخل المدينة ببعض الغذاء.
وأفاد الناشط الإعلامي مهند أبو الزين، الموجود داخل مدينة داريا، بأن النظام السوري لم يحترم الهدنة التي أعلنها، وهاجمت قواته المدينة مع مليشيات تساندها تحت غطاء جوي كثيف، مشيراً إلى أن طيران النظام أمطر المدينة بالبراميل المتفجرة، والصواريخ الفراغية، الأمر الذي أتاح للقوات المهاجمة تحقيق تقدّم، موضحاً أنها باتت قريبة من الأحياء السكنية في غرب وجنوب المدينة. وأشار أبو الزين، في حديث لـ"العربي الجديد"، إلى أن الآلاف من النساء والأطفال "باتوا محاصرين ضمن منطقة صغيرة مجردة من كل شيء إلا الحجارة"، لافتاً إلى أن "انفجار قذيفة صغيرة كفيل بإحداث مجازر مروعة".
وأكد أن "الجميع خذل مدينة داريا التي حملت الثورة طيلة أكثر من خمس سنوات، تعرض خلالها أهلها للمجازر والتهجير، والحصار الذي حوّل حياة نحو ثمانية آلاف ما زالوا داخل المدينة إلى مأساة، عنوانها الموت جوعاً وقصفاً"، مشيراً إلى أن الصمود لا يزال "هو الخيار الوحيد حتى الآن لفصائل المعارضة المدافعة عن المدينة رغم قلة الإمكانات، مقارنة مع إمكانات القوات المهاجمة"، مردفاً بالقول: "مع انتفاء مقوّمات الصمود، فكل الخيارات مطروحة"، رافضاً الخوض في التفاصيل.
من جهته، قال قائد لواء "شهداء الإسلام" في داريا، أبو جمال، إن "الوضع الميداني في تراجع"، مشيراً في حديث مع "العربي الجديد" إلى أن "قوات النظام تستخدم سياسة الأرض المحروقة، وتفرغ كل حقدها على المدينة"، مضيفاً: "جميع المدنيين المحاصرين في المدينة مهددون بخطر الإبادة الجماعية، والتطهير الطائفي".
وتُعدّ مدينة داريا أقدم مدينة تتعرض للحصار من قِبل قوات النظام، وهي من كبرى مدن غوطة دمشق الغربية، وأهم المدن المحيطة بالعاصمة دمشق، وأعلنت الثورة مبكراً على نظام بشار الأسد، فارتكب الأخير العديد من المجازر بحق أهلها الذين أجبر أغلبهم على تركها والنزوح باتجاه مدينة معضمية الشام القريبة منها، ولم يبق إلا بضعة آلاف منهم، عدد كبير بينهم أطفال ونساء، عانوا ولا يزالون مرارات حصار جائر، وقصف متواصل بكل أنواع الأسلحة بما فيها المحرمة دولياً. وتسيطر فصائل تابعة للمعارضة السورية المسلحة أبرزها لواء شهداء الإسلام، والاتحاد الإسلامي لأجناد الشام، على المدينة التي لا تبعد كثيراً عن مطار المزة العسكري، أهم مطارات النظام غرب العاصمة دمشق. وكانت فصائل داريا قد حاولت كسر طوق الحصار عن المدينة في العشرين من الشهر الفائت بالسيطرة على المنطقة التي تفصلها عن جارتها مدينة معضمية الشام، الا أن النجاح لم يكتب للمحاولة بسبب القصف الجوي العنيف حينها.


ورأى المحلل العسكري العقيد مصطفى بكور، أن مدينة داريا بموقعها الجغرافي الاستراتيجي "من أهم المناطق في ريف دمشق بالنسبة للنظام، لأنها تشرف بشكل مباشر على عدد من الطرق المهمة من دمشق، وباتجاه الجنوب والغرب، كما تُعتبر صلة الوصل بين العاصمة السورية والحدود اللبنانية"، لافتاً إلى أنه "يمكن لمن يسيطر على داريا أن يؤثر على حركة مطار المزة العسكري".
وأشار بكور، في حديث لـ"العربي الجديد"، إلى أن لمدينة داريا "أهمية معنوية كبيرة لدى المعارضة، فهي اكتسبت بُعداً معنوياً لدى الثوار بسبب صمودها الأسطوري، وهي تُعدّ رمزاً مهماً من رموز الثورة السورية للصمود، والتضحية، ورفض الاستسلام"، لافتاً إلى أنها من الناحية العسكرية "لا أهمية كبيرة لها، بسبب عدم وجود تواصل جغرافي لها مع المناطق المحررة، بسبب حصارها من قبل قوات النظام والمليشيات". وأعرب بكور عن اعتقاده بأن المدينة غير قادرة على الصمود لأمد بعيد، معيداً السبب إلى "تخاذل الفصائل القريبة منها"، مضيفاً: "لكنني أعتقد ان ثوار داريا لن يستسلموا".
ورأى خبراء عسكريون أن قوات النظام استفادت من "هدوء" الجبهات في محافظة درعا خلال الأشهر الماضية للضغط أكثر على فصائل المعارضة المسلحة داخل مدينة داريا، لإجبارها إما على توقيع اتفاق "مصالحة" شبيه بالاتفاق الذي أبرمه النظام مع فصائل المعارضة في مدينة حمص عام 2014، والذي قضى بخروج مقاتليها مع عائلاتهم إلى شمال سورية، أو اقتحام المدينة إثر إنهاك القوات المدافعة عنها. وحذر ناشطون من إقدام النظام على ارتكاب مجازر مروعة، والقيام بعمليات إبادة جماعية لعدة آلاف من المدنيين الموجودين في المدينة في حال تمكّنه من اقتحامها، مطالبين بتدخّل دولي لـ"لجم النظام"، وإجباره على الالتزام بالتهدئة التي أعلنها.
أما الأمم المتحدة فاكتفت بـ"الفرجة" على مأساة آلاف المحاصرين في داريا، فلم تستطع إدخال مساعدات إنسانية إلا مرة واحدة في التاسع من الشهر الفائت، أكد المجلس المحلي في حينه أنها تكفي ثلث المحاصرين فقط، ولمدة شهر واحد. وقال مساعد الأمين العام للأمم المتحدة للشؤون الإنسانية ستيفن أوبراين، في جلسة لمجلس الأمن عُقدت أواخر الشهر الفائت، أن مدينة داريا "أصبحت العاصمة السورية للبراميل المتفجرة"، إذ تشير تقارير صدرت عن المجلس المحلي في المدينة إلى أن طيران النظام ألقى آلاف البراميل المتفجرة وهي من أسلحة النظام "القذرة، الأكثر فتكاً بالمدنيين" على المدينة طيلة سنوات، ما أدى إلى مقتل وإصابة عدد غير محدد من سكانها، وتدمير أغلب بيوتها.
وكانت قوات النظام هاجمت فصائل المعارضة السورية شمال حلب بُعيد ساعات من إعلان هدنة من قبلها بالتزامن مع عطلة عيد الفطر، الأمر الذي اعتبرته المعارضة السورية المسلحة "خديعة مبيتة" من قِبل النظام كي تتقدّم قواته تحت غطاء جوي من طيرانه والمقاتلات الروسية. وإثر تمديد النظام السوري للهدنة ثلاثة أيام، أعطى الأوامر لقواته بمهاجمة مدينة داريا في محاولة لانتزاع السيطرة عليها بعد سنوات من حصار محكم لم يترك فيها النظام وسيلة إلا واستخدمها للقضاء على المعارضة فيها، إلا أن محاولاته كلها باءت بالفشل.

المساهمون