النظام السوري وروسيا يمهدان لمعركة الشمال باستهداف المدنيين

12 اغسطس 2018
قتلى في قصف على بلدة أورم الكبرى (عمار سطيفي/الأناضول)
+ الخط -


تلوح في الأفق القريب بوادر تصعيد كبير في شمال غربي سورية، من قبل النظام وحلفائه، ينذر بتحوّله إلى حرب مفتوحة ضد فصائل المعارضة السورية التي تؤكد أنها على أهبة الاستعداد للتصدي، وأنها تدرك جيداً خطط النظام الساعي إلى خوض معركة أخيرة مع المعارضة لسحقها بشكل نهائي، وإعادة البلاد إلى ما كانت عليه قبل عام 2011.

وتتزايد التسريبات الإعلامية والمؤشرات الميدانية حول اقتراب هذه المعركة، وبرز أمس السبت ما نقلته وكالة الأنباء الألمانية "د.ب.أ." عن "قائد ميداني يقاتل مع قوات النظام"، لم تسمه، عن أن معركة إدلب لن تبدأ قبل بداية شهر سبتمبر/ أيلول المقبل. فيما كان لافتاً كذلك ما نقلته الوكالة عن "مصدر رفيع المستوى في المعارضة السورية" بأن تركيا أبلغت فصائل المعارضة شمالي البلاد بالاستعداد للمعركة، وبأنها "ستتدخل في الوقت المناسب". وأكد المصدر أن "تركيا لن تترك فصائل المعارضة كما حصل في غوطة دمشق ودرعا، بل سوف يكون لها وجود قوي في الشمال، من خلال الفصائل المرتبطة بها".

وفي الميدان، عادة ما يبدأ الطيران الروسي بضرب الحاضنة الشعبية للثورة وارتكاب مجازر بحق المدنيين قبيل أي عملية عسكرية واسعة النطاق، وهو ما بدأ مساء الجمعة، إذ قُتل أكثر من عشرين مدنياً وأصيب آخرون، نتيجة قصف جوي نفّذته طائرة يعتقد أنها روسية، على بلدة أورم الكبرى غرب مدينة حلب. كذلك قُتل ثمانية أشخاص، بينهم أطفال ونساء، نتيجة قصف مماثل على ريف إدلب الجنوبي، وهو ما يعدّ تصعيداً كبيراً، ربما يمهد الطريق أمام قوات النظام للتقدّم إلى ريف حماة الشمالي وإدلب الجنوبي.

ولم يكتفِ النظام بالتصعيد في ريف إدلب الجنوبي، إذ ذكرت وكالة "الأناضول" التركية أن النظام وداعميه أطلقوا عملية على منطقة جبل التركمان في الريف الشمالي لمحافظة اللاذقية، بغية السيطرة عليها بالكامل. وأشارت إلى أن قوات النظام وحلفاءه شنوا ليلة الجمعة-السبت هجمات مكثّفة من محورين على جبل التركمان الواقع ضمن مناطق "خفض التوتر"، لافتة إلى مواصلة النظام حشد قواته في المنطقة. وكانت قوات النظام قد سيطرت بإسناد جوي روسي في الأشهر الأخيرة من عام 2015، على نحو 85 في المائة من جبل التركمان، وأجبرت نحو 20 ألفاً من سكانه على اللجوء إلى تركيا. ويقع جبل التركمان ضمن مناطق "خفض التصعيد" التي تم التوصل إليها في مباحثات أستانة في مارس/ آذار من العام الماضي، بين الدول الضامنة تركيا وروسيا وإيران، التي نسفها النظام وحلفاؤه كلها باستثناء منطقة إدلب ومحيطها، ويبدو أنه في طريقه لتجاوزها.

وأكد العقيد الطيار مصطفى البكور، قائد العمليات في "جيش العزة"، أبرز فصائل المعارضة المسلحة في ريف حماة الشمالي، أن "هناك حشوداً للنظام قرب ريف حماة الشمالي، ومحافظة إدلب، وريف حلب الجنوبي"، مضيفاً في حديث مع "العربي الجديد": "حسب المعلومات التي ترد إلينا بشكل يومي، لا يُستبعد أن ينفذ النظام عملية عسكرية من محاور عدة تستهدف الشمال السوري المحرر، مدعومة بشكل كبير من الروس والإيرانيين".
وقال بكور إنه من المتوقع أن تتحرك قوات النظام ومليشيات إيرانية تساندها من محاور عدة، "ومنها محور جسر الشغور" في ريف إدلب الغربي المتاخم لريف اللاذقية. وكشف أن "جيش العزة" يستعد "منذ أشهر للمعركة المتوقعة"، مضيفاً: "نحن قادرون، بالتنسيق مع باقي فصائل الجيش الحر، على خوض معركة دفاعية طويلة تستنزف القدرات البشرية للقوات المهاجمة ثم الانتقال للمرحلة الهجومية".

ويُعدّ "جيش العزة" من أبرز فصائل الجيش الحر في ريف حماة الشمالي، ويتولى قيادة الجيش ضباط منشقون عن جيش النظام، وهذا ما يميّز هذا الجيش عن غيره من فصائل تتبع للجيش الحر، وهو ما منحه ثقة الشارع السوري المعارض.

وتملك المعارضة المسلحة مقومات الصمود والتصدي لقوات النظام، بعد أكثر من سبع سنوات من الحرب تمرس خلالها مقاتلو المعارضة على مجابهة ومواجهة قوات النظام التي تعتمد على الغطاء الجوي الروسي، ودعم المليشيات الإيرانية. ولكن يُعدّ المدنيون نقطة الضعف الأبرز لدى فصائل الجيش الحر التي يضغط النظام وحلفاؤه من خلالها على هذه الفصائل التي لا تملك مقومات ردع الطيران الروسي ومقاتلات النظام.


ومن المتوقع أن تكون إدلب على طاولة التباحث بين الروس والأتراك، خلال زيارة وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف العاصمة التركية أنقرة غداً الإثنين. وتُعدّ إدلب وشمال غربي سورية من أهم الملفات بالنسبة لتركيا في الملف السوري، بسبب القرب الجغرافي من جهة، ولرغبة أنقرة في تحويل شمال وشمال غربي سورية إلى منطقة نفوذ لها بلا منازع، على غرار مناطق نفوذ للاعبين إقليميين ودوليين في سورية. ومن المرجح أن يكون مصير شمال غربي سورية معلّقاً في الوقت الراهن بانتظار نضوج تفاهمات تركية روسية تشمل العديد من المناطق، بينها منطقة تل رفعت شمال حلب، ومصير بلدتي نبل والزهراء شمال حلب. كما أن مصير "هيئة تحرير الشام" (التي تشكّل جبهة النصرة نواتها الصلبة) يلعب دوراً بارزاً في تطور الأحداث، إما إلى تهدئة مؤقتة، أو تصعيد كبير يؤدي إلى انهيار تفاهمات أستانة العسكرية والسياسية بشكل كامل، وهو ما تحاول موسكو وأنقرة تفاديه.

وتخشى أنقرة من تفجّر الموقف في إدلب، وهو ما سيؤدي إلى انفجار قنبلة بشرية تطاول شظاياها تركيا التي تحتضن نحو 4 ملايين سوري، ولكنها ليست على استعداد لاستقبال نازحين جدد، بالإضافة إلى أن تركيا لا تريد رؤية قوات النظام في الوقت الراهن على حدودها الجنوبية، وكذلك تهدف إلى مزيد من إضعاف "وحدات حماية الشعب" الكردية شمال سورية. في المقابل تريد موسكو من أنقرة تنازلات أكبر على صعيد ملف اللاجئين، وجوهر الحل السياسي المنتظر، بحيث يتعزز الوجود الروسي في شرقي المتوسط، ويُعاد تأهيل نظام بشار الأسد.

وليس من المتوقّع أن يشن النظام في الوقت الراهن عملية واسعة النطاق، ولكن من المرجح أن يقوم بعمليات محدودة للسيطرة على ريف اللاذقية بشكل كامل، في خطوة واسعة باتجاه مدينة جسر الشغور ذات الأهمية الاستراتيجية في ريف إدلب الغربي. كذلك من المرجح أن يحاول النظام دفع "هيئة تحرير الشام" عن مناطق في ريف حلب الجنوبي الغربي، في محاولة لإعادة فتح طريق دمشق-حلب الدولي، وهو الشريان الرئيسي الذي يربط شمال البلاد بجنوبها. كما يخطط النظام لدفع المعارضة عن ريف حماة الشمالي لتأمين نفسه في وسط البلاد، لتنحصر المعارضة و"هيئة تحرير الشام" في منطقة جغرافية ضيقة، وهو ما يسهل عملية احتراب الطرفين بما يصب في مصلحة النظام.

وتبدو المعارضة المسلحة في موقف عسكري وسياسي حرج، فهي لا تريد الدخول في حرب داخلية مع "هيئة تحرير الشام" تستنزف قواها لتصبح هدفاً سهلاً للنظام، خصوصاً أن لا ضمانات إقليمية كافية لعدم تعرض المعارضة لهجوم كبير في حال سحقت "هيئة تحرير الشام". وفي المقابل، فإن الهيئة قوة ضاربة قادرة على التصدي لقوات النظام في حال هجوم الأخيرة على المنطقة، والتخلص منها بلا مقابل يعني تقديم شمال غربي سورية لقوات النظام بشكل أسهل. وحتى اللحظة لم تُبد "هيئة تحرير الشام" أي تجاوب مع مساعي "تفتيت عوامل الأزمة" المتوقعة، فهي ترفض حل نفسها، وتعتبر سلاحها خطاً أحمر، وبذلك تعطي الروس ذريعة للهجوم وتضع أنقرة الداعم الرئيسي لفصائل الشمال في موقف حرج لا خروج منه من دون القضاء على الهيئة.

وبدأت تبعات التصعيد العسكري تنعكس على الحالة الإنسانية في محافظة إدلب التي تضم نحو 3 ملايين مدني يعيشون في ظروف صعبة. وأعلنت "مديرية التربية" التابعة لـ"الحكومة السورية المؤقتة" في إدلب، تعليق نشاطاتها التعليمية الصيفية كافة في ريف المحافظة الجنوبي، إثر حملة القصف التي بدأها النظام السوري الجمعة. وشمل تعليق النشاطات التعليمية مدن معرة النعمان، وكفرنبل، وخان شيخون، على أن يستمر ثلاثة أيام بداية من أمس السبت.

ودان الائتلاف الوطني السوري، أمس، سلسلة الهجمات التي تتعرض لها محافظتا إدلب وحلب، إضافة لحماة، مُحملاً "روسيا المسؤولية الكاملة عنها وعن الهجمات الوحشية التي تستهدف أرياف إدلب وحلب وحماة". وحذر الائتلاف "المجتمع الدولي من النتائج الخطيرة التي ستترتب على ترك يد النظام وروسيا والمليشيات الإيرانية منفلتة ضد المدنيين في إدلب وحماة وحلب، وخطورة التلاعب بدماء المدنيين وحياتهم وبمصير الحل السياسي كله"، معتبراً أن "التطورات الأخيرة تتطلب تدخلاً دولياً عاجلاً يضع حداً لهذا الهجوم الغادر ويوقف الجرائم المستمرة والانتهاكات المتتالية للقرارات الدولية والاتفاقات المتعلقة بوقف إطلاق النار وخفض التصعيد، خصوصاً أن مصير مئات آلاف المدنيين بات في خطر جسيم، وأن نتائج هذا الهجوم الإرهابي على المنطقة لن تكون قابلة للقياس بأي حالة سابقة".
كذلك طالب الائتلاف في تصريحٍ صحافي، وصلت إلى "العربي الجديد" نسخة منه، مجلس الأمن الدولي "بالتحرك الفوري والعمل على إصدار قرار موجّه بشكل مباشر لروسيا، لإدانة جرائمها بحق الشعب السوري، وفرض الإجراءات الكفيلة بوقف جرائم الحرب التي ترتكبها أو ترعى مرتكبيها وتحميهم، بما فيها استخدام الجرائم المرتبطة باستخدام الأسلحة الكيميائية".