النزعة الانفصالية في بلوشستان: قلق باكستان يبلغ ذروته

12 نوفمبر 2017
رُفعت شعارات مطالبة بحرية بلوشستان أخيراً (كونال باتيل/Getty)
+ الخط -
طيلة العقود الماضية تقلّب ملف بلوشستان بين أولويات المشهد الباكستاني، إلا أنه تصدّر الواجهة أخيراً، بعد الإعلان عن الاستراتيجية الأميركية حيال أفغانستان وفي منطقة جنوب آسيا، وذلك بموازاة تطورات مهمة في المنطقة، أبرزها المواقف المعارضة للتقارب الاقتصادي الصيني الباكستاني، والتقارب الأميركي الهندي الأفغاني. وقد رفعت شعارات استقلال بلوشستان أخيراً في الدول الأوروبية، في ظلّ التصعيد غير المسبوق على أرض الواقع، الذي بلغ حدّ توقف وسائل الإعلام عن العمل أياماً عدة.

لم تمض ساعات على تعليق لافتات وشعارات على سيارات الأجرة في العاصمة البريطانية لندن، داعية إلى استقلال إقليم بلوشستان الباكستاني، حتى استدعت الخارجية الباكستانية السفير البريطاني لدى إسلام أباد، تامس ديو، لتسليمه رسالة احتجاج شديدة اللهجة تدعو فيها إلى "العمل الفوري ضد هذه اللافتات والشعارات والقائمين عليها".

وعدّت الخارجية الباكستانية السماح بتلك اللافتات كانتهاك لسيادة بلادها، مطالبة الحكومة البريطانية بالتصدي الفوري لها، مؤكدة أن "باكستان سترفع القضية وستناقشها مع السلطات البريطانية في لندن". مع العلم أن رفع الأصوات المؤيدة لانفصال بلوشستان في الدول الأوروبية سابقة لها دلالات كبيرة، وبريطانيا ليست الوحيدة التي حدث فيها هذا، بل سبق أن علقت لافتات "بلوشستان الحرة" في سويسرا أيضاً.

الردّ الباكستاني الشديد والمتسارع وتصريحات وزارة الخارجية بهذا الخصوص، أكدت مدى حساسية موضوع بلوشستان بالنسبة لإسلام أباد، لا سيما أن للإقليم أهمية بالغة بسبب المشاريع الصينية التي تمر في هذه المنطقة، وفي مقدمتها الممرّ الاقتصادي الصيني الباكستاني، وميناء غوادر. وهي أدت إلى استياء دول المنطقة، لا سيما الهند، علاوة على تطورات أخرى في المنطقة زادت فرص تدخل دول مختلفة في هذا الإقليم الباكستاني.


لم تتهم باكستان دولة محددة بالتدخل في إقليم بلوشستان، لكن الدول المعنية عدة، ومنها الهند وإيران وأفغانستان، ولكل منها أهدافها ومصالحها التي تقف وراء التدخل في هذا الإقليم الذي تقطنه قبائل البلوش، الموزعة بين إيران وباكستان وأفغانستان، والبشتون، الموزعة بين أفغانستان وباكستان. المعادلة الهندية واضحة، وهي "بلوشستان مقابل كشمير"، فما دامت إسلام أباد مؤيدة للحركات الانفصالية الكشميرية وأعلنت جهاراً أنها تقف بجانبها، سيبقى إقليم بلوشستان الورقة المثلى في يد الهند لتصفية حساباتها مع باكستان. وفي هذا السياق، أكدت الاستخبارات الباكستانية اعتقال عملاء للاستخبارات الهندية في بلوشستان، وعلى رأسهم كلبوشن ياديف المحكوم عليه بالإعدام.

أما إيران فلن ترضى بدولة مستقلة للبلوش بجوارها، غير أن لها حسابات أخرى مع باكستان، وتتهمها بدعم المسلحين على الحدود الباكستانية ـ الإيرانية. كما أن لها وللهند مصالح اقتصادية مشتركة في إقليم بلوشستان، كما ترغب إيران في إفشال مشروع ميناء غوادر، ليحل محله ميناء شاباهار الذي بنته مع الهند ليكون البوابة البحرية لآسيا الوسطى.

كما اعتبرت الاستخبارات الباكستانية أن جهاز الاستخبارات الأفغاني يعمل على إرباك الأمن في الإقليم من خلال دعم المسلحين، كما يأوي قيادات الجماعات الانفصالية البلوشية وعلى رأسها "جبهة تحرير بلوشستان". كما اتهمتها بـ"السماح للهند بالتدخل في باكستان عبر أراضيها على الحدود مع باكستان".

وما أقلق باكستان أكثر هو النفوذ الهندي المتزايد في أفغانستان على حساب تراجع نفوذها. ولعل هناك أسباباً كثيرة للقلق، أبرزها الدور الأميركي، إذ إن واشنطن تسعى لتوسيع نفوذ الهند في أفغانستان، وهذا من أبرز ملامح الاستراتيجية الأميركية الجديدة. أيضاً إن السياسات العدائية لباكستان في أفغانستان هي من أهم أسباب توجه الأفغان صوب الهند. والتقارب الهندي الأفغاني الأميركي مزعج لباكستان.


في الفترة الأخيرة، تحديداً بعد الإعلان عن استراتيجية الولايات المتحدة الجديدة حيال أفغانستان والمنطقة، ارتفعت وتيرة العنف في باكستان عموماً، وفي إقليم بلوشستان خصوصاً. وطاولت الهجمات المسلحة السياسيين ورجال الأمن والصحافيين. وكان آخرها مقتل نائب مفتش الشرطة حامد شكيل، مع اثنين من رفاقه، يوم الخميس الماضي، إثر عملية انتحارية تبنتها حركة طالبان باكستان. وأفادت آخر الإحصائيات بأن أعمال العنف الأخيرة قتلت 180 شخصاً، بينهم أعضاء الأحزاب السياسية ورجال الأمن والشرطة والجيش. وتبنّى معظمها "جيش تحرير بلوشستان" أو "جبهة تحرير بلوشستان". وتركّزت أعمال العنف على العاملين في المشاريع الصينية الباكستانية، تحديداً الممر الاقتصادي الصيني الباكستاني وميناء غوادر.

وفي نهاية شهر أكتوبر/ تشرين الأول الماضي وصل الأمر حدّ تعليق الكثير من الصحف ووسائل الإعلام أعمالها، أو اقتصر نشر الصحف وتوزيعها في أماكن محددة بسبب التهديدات الأمنية للصحافيين، خصوصاً بعد أن هددت التنظيمات البلوشية وسائل الإعلام المحلية باستهداف وقتل العاملين فيها، إذا لم تمنح لها مساحة كافية لإبراز مواقفها. ولكن المعضلة الأساسية في وجه وسائل الإعلام هي أن الحكومة الباكستانية لا تسمح لها بنشر مواقف المسلحين أو الاهتمام بها.

في عام 2014 وبعد الهجوم على مدرسة لأبناء العسكريين في مدينة بيشاور، شمال غربي باكستان، عمدت الحكومة الباكستانية إلى وضع خطة عمل لمواجهة المسلحين بعد التشاور مع الأحزاب السياسية. وكان من ضمنها عدم نشر وسائل الإعلام ادعاءات التنظيمات المسلحة وبياناتها ودعاياتها، وأصبحت مخالفة ذلك جريمة وفق الدستور الباكستاني.

بدوره، اعتبر المسؤول السابق لنقابة الصحافيين في بلوشستان، عيسى خان ترين، أن "الصحافيين في هذا الإقليم في حيرة من أمرهم وأصبحوا بين فكي كماشة: إذا قبلوا ما تقرره الحكومة أصبحوا هدفاً للمسلحين، وإذا قبلوا مطالب المسلحين تلاحقهم الحكومة". كما تحدثت منظمة العفو الدولية عن تزايد أعداد المختفين في إقليم بلوشستان، وطالبت الحكومة بوضع آلية شاملة لمواجهة قضايا المختفين وفقدان أشخاص ينتمون إلى العرقية البلوشية. وحذّرت المنظمة من "الموجة الجديدة من الاختفاء في بلوشستان، وهي مقلقة جداً، ولن تأتي بآثار إيجابية للمنطقة برمتها".

المساهمون